مصدر أميركي: انفجار رفح نجم عن خطأ "إسرائيلي".. ترامب يتدخل: المعبر يُفتح رغم التصعيد    بعد فشل الاحتلال فى معركة طوفان الأقصى…هل يسعى ناصر القدوة للقضاء على حماس بسلاح الدبلوماسية؟    بالتزامن مع رفع "المنقلب " الوقود على المصريين .. لماذا استجاب ملك المغرب لجيل "زد " واحتفى بمطالبهم ؟    كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    فيضانات مدمّرة تجتاح ألاسكا وحاكمها يطالب ترامب بإعلان حالة كوارث كبرى (صور)    انتخابات الأهلي - ياسين منصور يكشف حقيقة استقالته من شركة الكرة.. ولقاءه مع توروب    تامر مصطفى ل في الجول: مباراة الأهلي صعبة ولكن    آلام الضهر تؤجل عودة عبد الله السعيد للزمالك    كرة سلة – جراحة ناجحة ل تمارا نادر السيد.. وتغيب عن الأهلي عدة شهور    حاصل على لقب "أستاذ كبير"، وفاة لاعب الشطرنج دانييل ناروديتسكي بعمر 29 عاما    القبض على زوج ألقى بزوجته من شرفة المنزل في بورسعيد    السيطرة على حريق داخل مستشفى خاصة بالمنيا دون خسائر بشرية    أول تحرك من أوقاف الإسكندرية في محاولة سرقة مكتب بريد عبر حفر نفق من داخل مسجد    هل تفكر هنا الزاهد في تكرار تجربة الزواج مرة أخرى؟ الفنانة ترد    أهلي جدة يحقق فوزًا مهمًا على الغرافة في دوري أبطال آسيا    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. حماس: ملتزمون بوقف إطلاق النار والاحتلال لديه ثوابت لاختراق الاتفاق.. ترامب يهدد بفرض رسوم على الصين تصل ل175%.. جهود لإنقاذ ناقلة نفط تشتعل بها النيران في خليج عدن    أخبار 24 ساعة.. صدور قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    وزارة العمل: قرارات زيادة الأجور لا تصدر بشكل عشوائي بل بعد دراسات دقيقة    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    إرسال عينات الدم المعثور عليها فى مسرح جريمة تلميذ الإسماعيلية للطب الشرعى    على طريقة فيلم لصوص لكن ظرفاء.. حفروا نفقا داخل مسجد لسرقة مكتب بريد "فيديو"    النواب البحريني: نتطلع لتهيئة مسار سلام يعيد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين    بسمة داوود تكشف لتليفزيون اليوم السابع سبب توترها على الريدكاربت بالجونة    الموت يفجع الفنان حمدي الوزير.. اعرف التفاصيل    بالصور.. وزير الثقافة يقدم واجب العزاء في والدة أمير عيد    زيلينسكي: نسعى لعقد طويل الأمد مع أمريكا لشراء 25 منظومة باتريوت    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    توم براك يحذر لبنان من احتمال مهاجمة إسرائيل إذا لم ينزع سلاح حزب الله    تحالف مصرفي يمنح تمويل إسلامي بقيمة 5.2 مليار جنيه لشركة إنرشيا    الخطيب يهنئ «رجال يد الأهلي» ببطولة إفريقيا    فى عيدها ال 58.. اللواء بحرى أ.ح. محمود عادل فوزى قائد القوات البحرية :العقيدة القتالية المصرية.. سر تفوق مقاتلينا    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب القنوت في صلاة الوتر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تجوز الأضحية عن المتوفى؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة قناة السويس تعلن نتائج بطولة السباحة لكلياتها وسط أجواء تنافسية    أشرف عبد الباقي عن دوره في «السادة الافاضل»: ليس عادياً ومكتوب بشياكة    أول وحدة لعلاج كهرباء القلب بالفيوم    حقيقة مفاوضات حسام عبد المجيد مع بيراميدز    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    متحدث الحكومة: سنبحث تعميم الإجازة يوم افتتاح المتحف الكبير    بريطانيا تتراجع 5 مراتب في تصنيف التنافسية الضريبية العالمي بعد زيادة الضرائب    وكيل تعليم الفيوم يشيد بتفعيل "منصة Quero" لدى طلاب الصف الأول الثانوي العام.. صور    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    محمد الحمصانى: طرحنا أفكارا لإحياء وتطوير مسار العائلة المقدسة    على الطريقة الأجنبية.. جددي من طريقة عمل شوربة العدس (مكون إضافي سيغير الطعم)    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    الذكاء الاصطناعي أم الضمير.. من يحكم العالم؟    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    ضربه من الخلف وقطّعه 7 ساعات.. اعترافات المتهم بقتل زميله وتقطيعه بمنشار في الإسماعيلية    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العودة إلي إفريقيا
نشر في المراقب يوم 28 - 06 - 2011

في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي كانت معظم المستعمرات الإفريقية قد نالت استقلالها وتحررت من الاستعمار الأوربي‏.‏
وبدأت تخطو خطواتها الأولي نحو إبراز هويتها الإفريقية الأصيلة, بالعودة إلي تاريخها القديم وإحياء تراثها وتقاليدها التي حرص الاستعمار علي طمسها تماما وإزالتها من ذاكرة الأجيال الناشئة, مستعينا بجهود المبشرين ورجال الإرساليات الكنسية المختلفة, ونشر نظم التعليم الأوروبية واللغات الأجنبية لكي تحل محل اللغات الوطنية واللهجات القبلية. وأدي الحكم الاستعماري القائم علي استغلال الموارد الطبيعية وتسخير الموارد البشرية الوطنية لخدمة المستوطنين الأوربيين الذين كانت لهم السلطة المطلقة في تملك المزارع الواسعة واحتكار النشاط التجاري, مع منح كثير من الامتيازات للمهاجرين الملونين من القارة الآسيوية إلي أن أصبح أهل البلد الأصليون مواطنين من الدرجة الثالثة. ولكن ظهور مجموعات من الأفارقة الذين أفلحوا في تخطي العقبات والوصول إلي درجة من التعليم في الجامعات الأوروبية وشعور بعض هؤلاء الشباب بالاعتزاز بقوميتهم الإفريقية وتاريخها ومطالبتهم باستقلال أوطانهم من الاستعمار من أمثال جومو كنياتا في كينيا الذي درس الأنثروبولوجيا في جامعة لندن علي أيدي أحد أكبر أساطينها وهو برونيسلاف ماليتوفسكي وألف كتابا من أبدع ماصدر عن زعيم إفريقي بعنوان في مواجهة جبل كينيا يعارض فيه كثيرا من آراء الكتاب البريطانيين بمن فيهم بعض أساتذته, ومن أمثال الزعيم السياسي كوامي نكروما في غانا, والشاعر الفيلسوف ليوبولد سنجور في السنغال وكثيرين غيرهم في الدول الإفريقية المختلفة قلب الأوضاع رأسا علي عقب, إذ نشأ جيل من الحكام الزعماء الوطنيين الذين تآلفوا مع جمال عبدالناصر للارتفاع والارتقاء بالقارة السمراء سياسيا واقتصاديا عن طريق سياسة واضحة للتنمية.
ولم يقيض لتلك التجربة أن تستمر بعد عهد هؤلاء الزعماء الكبار رغم إنشاء المؤسسات الإفريقية والتكتلات والمنظمات وعقد العديد من المؤتمرات حول مشكلات القارة. ومرت مصر بعدة عقود من الانزواء أوالتباعد وعدم الاهتمام بإفريقيا مما أساء إلي الأوضاع في مصر والدول الافريقية بشكل عام. بل كما هو الحال في كثير من دول العالم الثالث تم الانقضاض علي سلطة بعض هؤلاء الزعماء المؤسسين, واتهم بعضهم بالفساد ولم يسلم نكروما نفسه من ذلك, فقد اتهم بتهريب ثمانية ملايين دولار وهو مبلغ هائل بمعايير تلك الفترة وبالوضع الاقتصادي في غانا... لقد أكلت الثورات أبناءها.
في ذلك الوقت بدأت رحلاتي إلي إفريقيا لمتابعة مشروعات التنمية. ولقد حملتني هذه الرحلات إلي منابع النيل وروافده الكبري, وأدركت علي الطبيعة دور ذلك النهر العظيم في تحقيق التواصل الثقافي بين مصر وبقية دول حوض النيل, كما تبين لي مدي فاعلية وقوة الجهود المصرية في تطويع النهر وتطبيعه والتحكم فيه من خلال المشروعات التي أسهم فيها الري المصري, وهي ملحمة بكل معاني الكلمة تحتاج إلي من يسجلها بعد دراسة علمية عميقة يساندها خيال صاف يشبه خيال إميل لودفيج في كتابه الشهير عن حياة نهر أو أعمال الان مورهيد عن النيل الأبيض والنيل الأزرق وانبهاره بهما وبجبروتهما وبما قام الإنسان بإنشائه للتحكم فيه, وهو مايذكرنا بما قام به قبل ذلك فريد سميكة باشا وأرجو ألا أكون أخطأت في الاسم وكيل وزارة الأشغال العمومية في العهد الملكي لتسجيل دور المصريين في المحافظة علي النهر وتطويره وتنميته, وتضحية مهندسي الري الذين عاشوا مع عائلاتهم في استراحات الري المنتشرة في الغابات, وجهودهم في تنفيذ مشروعات توليد الكهرباء وإدارة المصانع وتحويل بعض القري الصغيرة إلي مراكز صناعية مهمة كما هو الحال بالنسبة لقرية جنجاJinja التي كانت مجرد قرية للصيادين علي ضفاف بحيرة فيكتوريا فإذا بها تصبح ابتداء من عام 1907 أكبر ثاني مدن اوغندا بعد كمبالا العاصمة كمركز تجاري وصناعي بالقرب من منبع نهر النيل وتجذب إليها الأيدي العاملة من كل القبائل الأوغندية وتصبح بذلك مدينة متروبوليتانية خصوصا بعد إنشاء خزان مساقط مياه أوينOwen الشهيرة عام.1954 وبطبيعة الحال ليس هناك في الأدبيات الغربية أية إشادة جادة بالجهود المصرية. بل إن الجهود المبذولة من أيام محمد علي والتي تواصلت في عهد الخديو إسماعيل عن إرسال البعثات لاكتشاف منابع النيل لا تكاد تجد لها ذكرا الآن في كثير من الكتابات مع أنها أعمال ملحمية رائدة كانت تدرس في مدارسنا الثانوية بالتفصيل حتي وقت قريب, وآن الأوان للرجوع إليها ليس للإشادة والفخر بها مع أنها تستحق ذلك ولكن للتدليل علي أهمية النهر بالنسبة للتراث الثقافي والتاريخي المصري وقوة الروابط بين مصر ودول حوض النيل التي أهملناها طويلا.
بيد أن هذا كله لم يكن يستوجب انصراف مصر عن إفريقيا. فالاستعمار له منطقه وسياساته التي يعطيها أولويات مطلقة وهذا هو الذي وضع مصر في مكان ثانوي بالنسبة للاهتمام بإفريقيا ومشرعات التنمية فيها. كما يبدو من أحد المشروعات التي كانت كفيلة بأن تقفز بجنوب السودان قفزة واسعة, لولا أن الحكم البريطاني الذي انفرد بالسودان بعد تنحية المصريين عن المشاركة في الحكم الثنائي, وأعني بذلك مشروع الأزاندي الذي كان يهدف في ظاهره إلي استصلاح مناطق شاسعة وتحويلها من غابات كثيفة إلي أراض لزراعة القطن وقصب السكر وإقامة صناعات كثيفة لغزل ونسج القطن واستخراج الزيوت من بذرة القطن وإقامة صناعة الصابون من ناحية وصناعة السكر والمولاس والكحول وغيرها وتصديرها لأوروبا لصالح جنوب السودان, ولكنه كان يخفي وراءه سياسة فصل هذه المساحات الشاسعة وضمها إلي أوغندا بعد تنميتها وتطويرها. ولذا لم يكن غريبا أثناء زيارتي للمنطقة ألا يذكر المصريين إلا عدد قليل جدا من السودانيين الجنوبيين المثقفين. ولقد تعرض المشروع للفشل نتيجة الحروب بين قبائل الجنوب, أما الآن وبعد قيام دولة الجنوب, واستتباب الأمن نسبيا فإن مصر يمكن أن تقوم بدور فعال في إحياء المشروع وبعثه من جديد. وما يقال عن مشروع الأزاندي يمكن أن يقال عن مشروع قناة جونجلي الذي كان موضع شد وجذب لستة عقودعلي الأقل, وكان كفيلا بتوفير مقادير كبيرة من مياه النهر وإنهاء الحروب بين الدنكا وبقية القبائل خاصة قبائل المسيرية, ولكن أغلب الظن أن الاستعمار كان وراء هذه الخلافات, خاصة أن مصر كانت ستسفيد من المياه المتوافرة. وقد يعاد النظر في هذا المشروع بعد تغير الأوضاع بالنسبة لجنوب السودان والرغبة في تنمية منطقة بحر الجبل في ظل السياسة الحكيمة التي تتخذها مصر الآن من جنوب السودان ومن دول حوض النيل بوجه عام.
في العام القادم ستنشئ جامعة الإسكندرية فرعا لها في دولة جنوب السودان وهذه خطوة بالغة الأهمية. ولكن أليس من الغريب أن جامعة الإسكندرية التي بادرت بإنشاء الدراسات الأنثروبولوجية في العالم العربي منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي لا تعطي هذه الدراسات أهمية في برامجها ومقرراتها التي هي أساس صلب لدراسة قبائل جنوب السودان ومعرفة بنائهم القبلي والعلاقات الملتبسة بين القبائل العديدة توطئة للمساهمة في تنفيذ مشروعات التنمية؟ إن العلاقة بين الدول ليست برامج تعليمية بقدر ما هي علاقات إنسانية بين الشعوب تقوم علي الفهم والاحترام المتبادل. ولايزال هناك متسع من الوقت لتدارك هذا الوضع.
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.