تحتفل إسرائيل بمرور 60 عاما على قيام الدولة العبرية، ويطلقون على حرب نكبة 48 حرب الاستقلال، بينما يعاني العرب من مرارة الهزيمة والاحتلال، تقام احتفالات النصر في إسرائيل، قصة "شكسبير" للأديبة الإسرائيلية "شولاميت هرأوبين" ترجمة الدكتور رشاد عبد الله الشامي نموذج لطبيعة الفكر الإسرائيلي حين يغتصب الحقوق وحين يحاول أن يعيدها إلى أصحابها. ويكشف طبيعة الضمير الإسرائيلي. بطل القصة إسرائيلي يغتصب إحدى روايات شكسبير من فيلا انطون بشارة أثناء احتلالها عام 1948 ( ولعل شكسبير يستحق ذلك، فقد أبدع مسرحية "تاجر البندقية" عن مرابي يهودي يقرض احد ضحاياه نظير رهن رطل من لحم الضحية، وحين يجئ موعد السداد يطالبه برطل من لحمه بجوار القلب غير عابئ بموته). تجري أحداث القصة بعد حرب 67 واحتلال إسرائيل لبقية مدينة القدس، في فلاش باك يستعيد راوي القصة أحداث الماضي ( عثرت على اسمه في دليل التليفونات، الآن بعد إن تم توحيد القدس. قمت بالبحث عن اسم أحد الموظفين لكي احدد معه لقاء يتصل بموضوع خاص بي. ووقعت على اسمه: أنطون بشارة. إن عندي رواية من روايات شكسبير خاصة به. لقد كنت في منزله منذ إحدى وعشرين عاما. كانت له فيلا جميلة).( في ذلك الصباح انقضضنا على الحي الخالي والفخم جدا، كمجموعة من الذئاب البشرية الجائعة. كان السكان قد تركوا منازلهم قبل ذلك بليلة واحدة، في رجفة خطأ غير مستبعد أخرست وجمدت وجه المدينة بعد ذلك لسنوات طويلة).(ولم نصدق أنفسنا، إنه نصر مفاجئ وفي الوقت نفسه هو أول نصر لنا، كنا كالأطفال الذين ترك لهم الكبار كل شئ وخلا لهم البيت). تقضي المجموعة ليلتها في فيلا انطون، وتسلب الفيلا (أما موسى ألذي قالوا عنه أنه يذهب للقتال ومعه حقيبة خالية، ويعود ومعه حقيبة مملوءة فقد عرف هذه المرة ما يريد، بينما كنا نناقش قام بتركيب شحنة من المواد المتفجرة وحطم بها قفل الخزانة الخاصة بانطون بشارة. وتقدمنا جميعا لنرى الغنيمة: حسابات طبيب الأسنان، وطاقم أسنان صناعي، وضحكنا، ولكن موسى لم يكن ليتنازل ابدآ. لقد وصل إلى فلسطين وعلى جسده لباس بحر فقط سبح به من الباخرة ولم يكن يملك شيئا على الإطلاق، ولو حتى قميص كي يستبدل به ملابسه. وقال أنهم صادروا كل أموال أسرته في المغرب، وأنه مضطر لاسترجاعها بنفسه، كان لص خزائن محترف).تصبح حجرة جوزيف ابن انطون بشارة من نصيب راوي القصة، ومن خلال مذكرات الابن يطلع على أسرار الأسرة، ويعثر على كتاب شكسبير. وتجئ نوبة حراسته في تلك الليلة، ليلة احتلال القدس، وعلى سطح الفيلا تتداعى خواطره (كانت الليلة حارة وثقيلة، واحدة من تلك الليالي التي كان يهيأ لنا فيها أن شيئا ما خفيا يزيحنا جميعا، يزيح كل هذه المدينة، وكل مخلوقاتها إزاحة هائلة ومصيرية، كما لو كانت كل الأمور ليست في أيدينا بعد، بل في أيدي قوى خفية جدية جدا، علينا أن نعطيها كامل قوتنا وأن نصمت، ولم نحتج وانتظرنا. لقد كانت ليلة من الليالي الواقعية الملموسة، كان من الممكن مسها وجسها بكف اليد.) في الصباح يرحل مع مجموعته ومعه كتاب شكسبير، وبعد واحد وعشرين عاما يتذكر صاحبه، (حينما رأيت اسم انطون بشارة لم استطع أن أحمل كتاب شكسبير هذا عندي ولو للحظة واحدة أخرى بعد ذلك. لقد شعرت كما لو كان لي منذ إحدى وعشرين عاما نقطة خفية من القلق سوف تهدأ وتستكين مع إعادة هذا الكتاب).( إنني لست في حاجة بعد إلى كتابه.لقد مر الزمن وأنا ابحث عن أي شئ اتخذه جسرا بيني وبينه، فلأقابل ذلك الرجل الذي مرت بي في بيته تلك الليلة الغريبة. لن يكون ما سيجري أكثر من اتصال، وأكثر من إعادة الكتاب إلى أصحابه وإعادة الأمور إلى نصابها. ذلك النصاب الذي لم اعرفه في نفسي، ولست اعرف كيف اسميه وكيف يمكن لإنسان أن يبحث عنه). يتصل بانطون بشارة الذي يوافق بعد حيره وتردد على استقباله في منزله الجديد (إن هذا المنزل مختلف عن المنزل الآخر. ففي المنزل القديم توجد الآن عيادة لأمراض العيون، وعلى سطحه أضافوا طابق آخر قبيحا لا يتلاءم مع واجهة المنزل كله وفي الطابق الزائد توجد مكاتب. أما الحديقة فقد أصبحت خربة منذ وقت طويل). يقول له حين يقابله: هذا الكتاب خاص بك، وأنا أريد أن أعيده إليك، لقد وجدت اسمك في دليل التليفون منذ عدة أيام، لقد كان في بيتك السابق. بيتي السابق؟ وفجأة اجتاحت رأسه حمرة باهتة. وانزلقت من فمه كلمات كثيرة. ولم أكن أريد أن اسمع. هل سيعيدون له كل شئ؟ لقد نهبوا منه ممتلكات بعشرات الآلاف من الليرات. هل أعطيه اسمي وعنواني. وأنا بالطبع أحد هؤلاء اللذين نهبوا بيته. إنه سيقدمني للمحاكمة، انه.. يرفض انطون بشارة أن يأخذ كتابا عوضا عن ما نهب منه، ويرحل الرجل آسفا ( وظل كتاب شكسبير عندي، إن ابني يدرس فيه الآن استعدادا للامتحان، إنه يدرس"يوليوس قيصر".) هكذا تنتهي قصة "شكسبير" وقد أراح الراوي ضميره، ورفض العربي أن يأخذ حقه. وأصبح الكتاب من ميراث الأبناء، أما عن حقوق انطون بشارة وميراثه وأمواله وفيلته فقد ضمت إسرائيل القدس بأكملها واحتفلت عام 2007 بمرور أربعين عاما على توحيدها، وتحتفل هذا العام باغتصاب الأرض وتشريد الشعب الفلسطيني. وإذا كان الحالمون يتخيلون صحوة الضمير الإسرائيلي وإعادة الحق العربي، فسوف يعطيهم في النهاية كتاب "شكسبير".