يمثل عرض "آخر حكايات الدنيا" الذي يقدمه مسرح الطليعة من تأليف واخراج محمد الدرة مغامرة محسوبة. يعطي فيها الطليعة الفرصة لمؤلف ومخرج شاب في أولي تجاربة الاحترافية. بعد ان قدم عدة عروض في نوادي المسرح بقصور الثقافة.. وهو ما يحسب لمسرح الطليعة ويحقق الهدف من وجوده ومسماه. العرض توافرت له أسباب كثيرة للنجاح. منها الرؤية التي يطرحها والتي تناقش موضوعاً انسانيا متعدد الدلالات ولايقف عند دلالة واحدة. وكذلك الأداء التمثيلي الذي استطاع تجسيد هذه الرؤية بمهارة. فضلاً عن سينوغرافيا العرض التي اسهمت إلي حد بعيد في تعميق الرؤية واعطائها المزيد من الثراء. يطرح العرض فكرة انفراد الجد بالحكي للحفيد. دون ان يمنحه أية فرصة للمشاركة في الحكي أو حتي طرح الاسئلة حوله. الجد الذي يجلس فوق كرسي هزاز هو المهيمن والمرسل. بينما الحفيد الذي يخرج من صندوق اللعب هو المقهور والخاضع والمستقبل "بكسر الباء" فقط دون أي فرصة للمشاركة الايجابية. ودون حتي ان يعلمه الجد كيف يحكي حتي إذا ما مات الجد كانت هذه هي آخر حكايات الدنيا بالنسبة للحفيد الذي لم يتعلم كيف يحكي. هذه هي الفكرة الاولية أو التي تطفو علي السطح. ولك ان تسعي إلي تأويلها كيفما شئت وأن تطرح عليها المزيد من الاسئلة. وهو ما يمنح العرض ثراء مضمونياً واسعاً. علي مستوي الشكل تميز العرض. كذلك. بالثراء البصري. فالمخرج محمد الدرة لديه هذه القدرة علي التفكير بالصورة. وبناء صور جزئية متتابعة تشكل معاً صورة كلية بالغة الثراء ولديها القدرة علي الامتاع ودفع المتلقي إلي التفكير. هناك علي الحائط الامامي المواجه للجمهور مرآة ضخمة ميري نفسه فيها. أي أن الجمهور داخل اللعبة ومتورط فيها. وهناك كذلك خراطيم الجلوكوز التي تتدلي ساقطة علي مقاعد الجمهور. أي انه في حاجة إلي الانعاش قبل ان يحتضر. وكذلك الدمي المتناثرة في أكثر من مكان والتي تتدلي مجموعة منها قبل الفينال طارحة هي الاخري مزيداً ن التساؤلات. اضف إلي ذلك التابوت الذي يتوسط مقاعد المتفرجين وتخرج منه الممثلة سماح السعيد كلما جاء دورها في التشخيص.. وهكذا استطاع المخرج ومهندس الديكور علاء سليم صنع حالة موازية للتشخيص تدخل في صميم البناء وبحذفها يختل هذا البناء أو يقف عند منطقة السطح لايتجاوزها. جاء التمثيل علي قدر هذه الحالة الثرية.. أحمد الحلواني في دور الجد كان مقتدراً أو متفهماً لطبيعة هذه الشخصية القاهرة المسيطرة وأتاحت له الحكايات المتعددة مساحة طيبة للتلوين وابراز طاقاته التمثيلية الجيدة. وكذلك كريم الحسيني الذي أدي دور الطفل ببراءة وبساطة واستطاع الانتقال من مراحل الطفولة إلي مراحل الصبا في تشخيصه لحكايات الجد بشكل سلس. ونفس الامر بالنسبة لسماح سليم سواء في التمثيل أو الاستعراض. ما يؤخذ علي العرض ان الحكايات نفسها لم تخدم الفكرة بشكل جيد.. هي حكايات مجلوبة لذاتها أي اننا لو استبدلناها بأخري خاصة حكايتي "قيس وليلي. والحمار الميت" ما تأثر العمل. لكن العرض عموماً يقدم مخرجاً قادراً علي المغامرة ولديه من الرؤي والافكار ما يبشر بأعمال اخري جيدة تثري المسرح المصري. ويقدم كذلك مجموعة من الممثلين الموهوبين. ومهندس ديكور لديه حساسية بصرية تمنح العمل مساحة طيبة من الثراء والمتعة.