مدحت شلبي المعلق الرياضي التليفزيوني وجد ان التعليقات الرياضية وحدها لم تعد تجذب الانتباه ولا تحقق أعلي نسبة مشاهدة. فلم يجد مانعا أن يزيد من جرعة التوابل في الخلطة التي تعجب جمهور الترسو الذي يخاطبه في برامجه الرياضية فأضاف إليها النكات والتعليقات التي تحمل ايحاءات جنسية وقرأ رسالة من مشاهد علي الهواء بهذا المعني! ولكن الأمور لم تسر علي ما كان يعتقده ويهواه فهناك من استمع للحلقة وهناك من أبلغ بها أنس الفقي وزير الاعلام الذي لم يتردد علي الفور في احالة حلقة برنامج مدحت شلبي إلي لجنة تقييم الأداء الإعلامي مشددا علي أن أية تجاوزات تفتقد اللياقة أو المهنية تعد نوعا من العبث لا ينبغي السكوت عليه. وفي ندوة الدورة ال 16 لمهرجان الإعلام العربي تحدث الوزير عن ضرورة الاهتمام بهموم الناس وقضاياهم في اشارة ذات معني إلي سيطرة رأس المال علي الإعلام وابتعاده عن المهنية وعن المصداقية. والواقع ان ما فعله شلبي. وما يقوله الفقي يحكيان ويرويان حال الإعلام حاليا. فنحن أمام شكل جديد للاعلام يتمثل في سيطرة رأس المال بكل ما يعنيه ذلك من سعي للربح علي حساب المعرفة والمعلومة والحقيقة والتوعية. فإذا كان مدحت شلبي يقرأ علي الملأ رسالة من مشاهد ذات ايحاءات جنسية فإن هناك قناة تليفزيونية فضائية خاصة تتخصص وتتفنن في عرض الاعلانات والفقرات الدعائية المليئة بالمشاهد والعبارات الجنسية الصريحة في تحد واضح لكل المعايير والمشاعر والتقاليد ويصر صاحب هذه القناة علي رفض كل الانتقادات وكلما أثير لغط حول هذه القناة زاد في تحديه وعناده وأكثر من جرعة الجنس وعباراته وتلميحاته وايحاءاته الصارخة. وما تفعله هذه المحطة هو نفس ما تقوم به محطات عديدة مجهولة الهوية والمصدر في التمويل والإدارة وتنشر علي شاشاتها رسائل نصية مسيئة وعبارات بالغة الفجاجة في شكل جديد يترجم كل معاني الانفلات الأخلاقي وينقل كل تفاهات وانحرافات الشارع إلي شاشات التليفزيون مباشرة. ولم يكن غريبا في ظل هذا الواقع الجديد أن تتراجع الرسالة الإعلامية الجادة والهادفة لأنها مكلفة وتحتاج إلي قدرات وخبرات مهنية متميزة وان تلجأ المحطات التليفزيونية الخاصة المملوكة لرجال أعمال إلي التركيز علي كرة القدم والفن وان نشاهد لأول مرة برنامجا رياضيا يستمر لعدة ساعات بلا انقطاع لمعلق واحد يتحدث في كل شيء وينصب من نفسه. معلقا وناقدا ومحللا ومحاورا ومذيعا ليقول ما يشاء من منطلق قناعاته الذاتية وثقافته الخاصة علي حساب دقة المعلومة والبعد الإعلامي والمصلحة الوطنية. وكانت الأزمة مع الجزائر انعكاسا واضحا للتردي الإعلامي في معالجة قضية رياضية تحولت إلي أزمة سياسية وشبه قطيعة بين بلدين كانت العلاقات والروابط بينهما تاريخية ووطنية ولم يعد الناس في البلدين يتذكرون شيئا عن هذه الروابط بعد أن اختزل قادة الرياضة الجدد كل العلاقات بينهما في مباراة لكرة القدم. ولأن هؤلاء الإعلاميين الجدد الذين يسيرون علي هذا النهج وأكثر افتقدوا الخبرة الإعلامية والسياسية والمهنية أيضا ولم يتدرجوا في مسيرة العمل الإعلامي فإنهم تحولوا إلي مهيجين للرأي العام وانتقلوا من مرحلة الحياد إلي مرحلة الانحياز السافر والتعليق المغرض فقد تلاعبوا بمشاعر وقناعات الرأي العام وزادوا من مساحة التعصب والانفعال لدي الجماهير التي أصبحت تردد هتافات غريبة مكروهة وتذهب إلي مباريات كرة القدم لاطلاق صيحاتها الغاضبة وكأنها في معارك حربية وليست في مباريات رياضية فيها الرياضة التزام وأخلاق. نعم مدحت شلبي اخطأ.. ولكن اخطاء مثيله أخري تحتاج إلي التدخل لوقف الانفلات والفوضي الاعلامية. ** ملحوظة أخيرة: اهدأ يا ابراهيم.. يا إبراهيم كن حسنا. ولا تعقد الأمور قبل مباراة القمة.. خليها تعدي علي خير!