لم يكن خطاب الرئيس حسني مبارك أمس في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة خطاب مناسبة محددة فقط.. بل كان أيضاً رسائل قوية وواضحة للنواب والحكومة والمواطن.. والعالم بأسره. رسائل عن دور البرلمان ومسئوليات النواب تجاه الشعب والوطن.. وعما تحقق من توسيع وتطوير البنية التشريعية والأساسية لجذب الاستثمار وإتاحة فرص العمل والنهوض بمستوي معيشة عدد كبير من المواطنين.. وعن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي مكنتنا من تجاوز أزمتين عالميتين متعاقبتين بمواردنا الذاتية ودون أن نمد يدنا لأحد.. وعما حققناه في ظل صمود اقتصادنا أمام التداعيات العالمية من رفع الأجور والمعاشات وزيادة مخصصات الدعم وإضافة المزيد من الأسر لمعاش الضمان الاجتماعي ووضع الدين الداخلي تحت السيطرة في حدود آمنة. رسائل تؤكد اختيارنا للطريق الصحيح.. طريق الانفتاح باقتصادنا علي العالم واقتران الإصلاح الاقتصادي بإصلاح اجتماعي يسعي للعدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن ومحافظاته وينحاز للبسطاء والأكثر احتياجاً. *** تضمن الخطاب رسائل أخري عن الانطلاقة الاقتصادية الجديدة خلال السنوات الخمس القادمة والتي تتأسس علي رؤية واضحة ودعائم محددة سوف تنعكس بشكل ملموس علي مستوي معيشة المواطنين.. انطلاقة تصل ثمارها للفقراء والمهمشين. رسائل تؤكد أن البعد الاجتماعي للنمو والتنمية هو مسئولية والتزام مشترك بين الحاكم والنواب والحكومة من أجل توسيع قاعدة العدالة الاجتماعية والخروج بالفقراء من دائرة الفقر ورعاية المناطق والقري والأسر الأكثر احتياجاً. رسائل عن توسيع تطبيق اللامركزية وتدعيم المشاركة الشعبية علي كافة المستويات من أجل تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة المتاحة ولضمان تلبية احتياجات المواطنين وفقاً لأولوياتهم وتحسين جودة الخدمات العامة من خلال الرقابة المجتمعية. رسائل تؤكد أن أمن إمدادات الطاقة سيظل عنصراً أساسياً في بناء مستقبل الوطن وجزءاً لا يتجزأ من أمن مصر القومي. رسائل عن أن توفير احتياجاتنا من المياه والحفاظ علي مواردنا من مياه النيل سيظل مكوناً رئيسياً في رؤيتنا للمستقبل وأن الحفاظ علي أمن مصر القومي له الأهمية القصوي في سياساتنا الداخلية والخارجية. ورسائل للدنيا بأسرها بأننا نعي مخاطر المأزق الراهن للقضية الفلسطينية وقضية السلام ونحذر من تداعيات تعنت ومواقف وسياسات إسرائيل علي استقرار الشرق الأوسط والعالم.. وبأن مصر ماضية في تحمل مسئوليتها تجاه القضية.. كما نبذل أقصي جهد للحفاظ علي استقرار السودان والعراق ولبنان واليمن.. ونعمل من أجل أمن وسلام منطقتنا العربية. *** والخطاب تضمن رسائل أخري في منتهي البلاغة والصراحة والوضوح. منها ما قطع الشك باليقين ورد في حسم علي مروجي الشائعات والمضللين مثل الانتهاء من الدراسات الفنية لبناء 4 محطات نووية لتوليد الكهرباء.. وأن مناقصة "الضبعة" ستطرح في غضون أسابيع قليلة. ومنها ما حسم موضوعات ظلت معلقة مثل تأكيد الرئيس أن مشروع قانون التأمين الصحي يأتي علي رأس أولويات الأجندة التشريعية للدورة الجديدة والذي يستهدف توسيع مظلة التأمين الصحي لتغطي ملايين الأسر المصرية غير المشمولة بالتأمين حتي الآن وتطوير ما يقدم للمواطنين من خدمات الرعاية الصحية وأن يتحمل القادرون تكاليفه بحسب دخولهم وتتحمل الدولة الأعباء عن غير القادرين. ومنها ما يخرس ألسنة المنفلتين ويزيل الشك من رءوس وقلوب من يقفون في المنطقة الرمادية مثل تشديد الرئيس علي أن تعاملنا مع قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي تحكمه الصراحة والوضوح.. ما نقوله في العلن هو ما نقوله وراء الأبواب المغلقة.. لا نفرط أبداً في سيادتنا أو استقلال إرادتنا.. ولا نقبل مشروطيات أو إملاءات.. ولا نغفل للحظة عن أمن مصر القومي وأمان مواطنيها.. ونتعامل مع محاور الأمن القومي بكافة أبعاده كقضية حياة ووجود ومصير.. نمد يد الصداقة والتعاون لشركائنا حول العالم.. ولا نسمح لأحد بزعزعة استقرارنا أو صرف انتباهنا عن قضايا الداخل المصري وتطلعات المصريين.. وقد كانت هذه الرسالة المهمة جداً علي وجه التحديد حديث العالم خلال الأيام القليلة الماضية.. أي كان تأكيداً عالمياً رغم أننا لانحتاج تأكيداً من أحد. ومنها ما يعطي نصيحة مخلصة ودرساً مفيداً للمستقبل مثل تأكيد الرئيس علي ضرورة نشر وتعزيز ثقافة العمل بوجه عام والعمل الحر بوجه خاص وتشجيع روح المبادرة الفردية والمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر بين الشباب بعيداً عن ثقافة العمل الحكومي السائدة منذ عقود. ويقيني أننا في أمس الحاجة لهذه الرسالة.. اليوم.. وغداً. *** إنها رسائل متعددة ومتنوعة.. ولكل وجهتها.. وعلي كل من يهمه الأمر أن يعيها جيداً ويستفيد منها حتي يفيد الوطن والمواطن علي حد سواء.. وحتي يعلم القاصي والداني في الداخل والخارج أننا نسير وفق منظومة متكاملة من التشريعات والإجراءات التي تتكامل لتحقيق صالح هذا الشعب.