سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في الأوبرا المصرية "ذهب الراين" أفضل افتتاح لعروض المتروبوليتان رؤية اخراجية.. إبهار بصري.. موسيقي ساحرة "لفاجنر" ليلة رائعة.. غناء متميز.. للخاصة فقط !!
اذا كان البث الحصري لبعض أوبرات المتربوليتان في مصر من أهم أحداث هذا الموسم إلا ان العرض الافتتاحي الذي اقيم علي المسرح الصغير مساء السبت الماضي يعد الأكثر أهمية لأنه لم يسبق للجمهور المصري ان شاهده في بلده كما انه من الصعوبة الشديدة ان يتم تقديمه عندنا في المستقبل القريب أو البعيد.. لأنه من الناحية الموسيقية والغنائية يحتاج الي أوركسترا ضخم جداً من الناحية العددية وليس لدينا المكان الذي يستوعبه بالاضافة إلا أنه من الناحية التقنية يحتاج الي عازفين ومغنين مدربين علي هذا العمل ونظائره ومتخصصين فيه لسنوات طويلة وهذا بالطبع ليس لدينا وليس هناك تخطيط له!! والعمل كان أوبرا "ذهب الراين" وهي أولي حلقات الأوبرات الأربع للموسيقار الألماني الشهير ريتشارد فاجنر "1813 1883" وعنوانها "خاتم النيبلونج" وهي مستوحاة من اسطورة ألمانية قديمة تحمل نفس هذا الاسم وتدور حول سلالة من الأقزام تقوم علي حراسة كنز من الذهب وقد كتب اشعارها ولحنها "فاجنر" وعرضت لأول مرة في مسرح البلاط الوطني بميونيخ في 22 سبتمبر سنة 1869 واحداثها في العصور القديمة وبها اختلاط بين الألهة والبشر مثل كل الاساطير اللاتينية والجرمانية. تطور موسيقي وريتشارد فاجنر من علامات التراث الموسيقي ويمثل مدرسة خاصة مهدت لتطور موسيقي هائل في القرن العشرين وتأثر به العديد من الموسيقيين من ابرزهم الألماني "ريتشارد شتراوس" صاحب أوبرات "سالومي" و"اليكترا" واعمال فاجنر يطلق عليها "الدراما الموسيقية" وفيها مزج بين الكلمة المنطوقه والحدث والموسيقي المعبرة في ذاتها وقد اثري التراث الموسيقي من خلالها بإدخاله فنوناً من "التلوين" في التعبير النغمي لم تكن معهودة من قبل في موسيقي القرن التاسع عشر وما قبله. ولأنه يكتب باللغة الألمانية ويستلهم التراث الجرماني كان هتلر من المعجبين به ولذلك نجده مكروها في إسرائيل واداء موسيقاه من المحرمات. إبهار وأوبرا "ذهب الراين" إنتاج جديد لأوبرا المتروبوليتان بنيويورك والتي تعد من أضخم أوبرات العالم ولهذا نجدها مكاناً صالحاً لأعمال فاجنر.. وقد اعتمد المخرج الكندي "روبرت ليبج" علي الابهار النابع من فكر ابتكاري فيه استثمار متميز للتكنولوجيا الحديثة في المسارح وقد استغرق العمل حوالي 3 ساعات متواصلة لم يشعر فيها المتفرج بالملل بل ظلت انفاسه متعلقة بالأحداث والتي ساعد عليها الترجمة الانجليزية علي الشاشة.. وقد اعتمد المخرج علي الألواح الألمونيوم التي جعلها هي خشبة المسرح والستارة حيث تتحرك في كل الاتجاهات وينزلق عليها الممثلون في ظهور مبتكر علي المسرح.. أما الإضاءة والجرافيك واشعاعات الليزر كانت عنصراً بارزاً في هذا الابهار الذي لم يكن هدفاً في حد ذاته بل كان موظفاً توظيفاً جيداً للتعبير عن الاحداث وتسلسلها وأيضا عن الشخصيات مثل نزول البطل الي العالم السفلي وظهور آلهة الأرض وممارسة السحر والتحويل علي الشخصيات أيضا الأزياء فكانت من أهم العناصر المكملة والمعبرة فرغم حسن دلالاتها علي العصور القديمة إلا ان المخرج أدخل عليها الحداثة من خلال الملابس الوطنية والتي تشبه ملابس رجال الفضاء التي كان يرتديها "القزم" وأيضاً ارتداء بطل العرض ملابس بها تصميم الجسم من الداخل معبراً بها عن النفس البشرية. عموماً هذا الابهار البصري ساندته بقوة الموسيقي الساحرة التي اداها أوركسترا أوبرا المتروبولتيان بقيادة المايسترو "جيمس ليفن" والذي يعد من أهم القادة علي الساحة وكان واضحاً ان هناك تعاوناً كبيراً بينه وبين المخرج في الرؤية الاخراجية الجديدة حيث كان هناك تعديل في بعض الشخصيات وطبقاتهم الصوتية كما كان الأداء الموسيقي والغنائي في خير مفسر ومعبر عن عبقرية "فاجنر" أيضاً جاء أداء المغنيين درساً كبيراً لكل مغني الأوبرا من غناء متميز ودقيق وأمين لألحان ثرية و"نوت موسيقية" تمثل صعوبة للمؤدي من حيث التنقل النغمي والتلوين الصوتي والوضوح الشديد للألفاظ فكأن المشاهد في مسرحية تمتزج الكلمات بالموسيقي كل هذا مع تعبير بالوجه والحركة الجسدية وكأنهم أمام كاميرا سينمائية. لقد استمتعنا بنسيج درامي متكامل من خلال قالب موسيقي مسرحي فريد برز فيه اللحن الذي ابتكره فاجنر ولم يعبر به عن الشخصية فقط وإنما عن الأحداث وعما يدور في العقل الباطن وما تعبرعنه النفس البشرية.. لقد جعل عناصر الموسيقي لها أهميتها الخاصة بها وهنا كانت براعة كل من المايسترو والمخرج.. أما المغنيون فجميعهم اسماء برزت منذ سنوات واحتلت مرتبة رفيعة في الغناء ولكن هذا العمل يعد أهم الإضافات في رصيدهم الفني وقد جاء أداؤهم متعة لعشاق الموسيقي خاصة بطل العرض "براين تيرفيل" والسبرانو "ويندي براين" وكل من الميتزوسبرانو "ستيفاني بليث" و"باتريشيا باردون" و"ريتشارد كروفت" و"جيرهرد سيجل" و"اريك اوينز".. ليلة رائعة ولكن بالشكل التي قدمت به لا تصلح إلا للخاصة فقط والتي لديهم معرفة سابقة بالعرض أو يستمتعون بالإبهار البصري دون الوقوف علي جمال الجانب الموسيقي ولهذا كان يجب ان يكون كتيب العرض ثرياً وبه شرح واف يتعرض ببساطة للجانب الموسيقي كما حدث في باقي الأوبرات أو يسبق العرض ندوة عن موسيقي "فاجنر" لما لها من خصوصية وهذا بدون شك كان سوف يعود بالفائدة علي الجمهور العادي الذي يحتاج للتعرف علي هذا التراث الإنساني المعروف.