"حظ سعيد" فيلم كوميدي عن موضوع لا يحتمل الضحك وحول حدث ضخم لم يصل بعد إلي النهاية السعيدة التي تجعله صالحا لمعالجة كوميدية. إذن لماذا اختار المؤلف أشرف توفيق والمخرج طارق عبدالمعطي والمنتج سامح العجمي ثورة 25 يناير 2011 لتشكل الخلفية السياسية والاجتماعية لموضوع فيلمهم؟! الإجابة علي السؤال ليست سوي اجتهاد خاص من عند كاتبة هذه السطور.. وهي أن بطل العمل أحمد عيد كوميديان طموح يميل بالفطرة ربما أو الانتماء أو قد يكون الاختلاف إلي الطبيعة السياسية لجوهر العمل السينمائي الذي يلعبه وتشكل الشخصية المحورية عموده الفقري ولعلنا جميعا نذكر أن أول أفلامه كبطل رئيسي يحتل صدارة الحدث كان فيلم "ليلة سقوط بغداد" 2005 الذي يمزج السياسي بالاجتماعي في خلطة معجونة بالفكاهة والتوابل الحريفة في مطبخ الكوميديا المصرية والملاحظ أن أكثر التوابل المستخدمة في التوليفة المصرية الكوميدية هي الافيهات الجنسية المباشرة وذات الطبيعة الفجة والخشنة في الأغلب. فسقوط بغداد وفوبيا الإرهاب الأمريكي وما جري في الحرب علي العراق وما ينطوي علي هذه الحرب من أخطار وتداعيات علي المنطقة العربية لا شك عناصر أعطت للفيلم أهمية وتدخل كعامل من خارج العمل السينمائي في التأثير علي عملية التلقي داخل صالة العرض وتضيف إلي أهمية الفيلم سواء أصاب أو أخفق في إرشاء النقاد والجمهور. وسبب آخر أن موضوع ثورة يناير يفرض نفسه بقوة "الآن" علي العاملين في الحقل السينمائي بعد مرور أكثر من سنة علي الثورة. والمطلوب ليس مجرد "ترقيع" الفعل الثوري غير المسبوق مع مشاريع أفلام كانت معدة سلفا قبل قيام الثورة ثم فاجأت الأحداث صناع هذه الأفلام فاضطروا إلي افتعال عملية "لحام" أملا في التواصل مع الملايين التي اسهمت فيها مثلما حدث في أفلام روائية طويلة ظهرت عام ..2011 وليس من المقبول أو المبرر في 2012 أن نري استمرار هذا التلفيق السينمائي ثانية. والوضح أن الثلاثة المؤلف والمنتج وبطل الفيلم يطمحون إلي الارتفاع إلي توقعات الناس من أفلام تقدمها السينما وتراعي فيها اختيار الموضوعات ذات علاقة بالثورة فهل نجح "حظ سعيد" في تحقيق هذا الطموح؟!! من الطبيعي ألا نحمل الممثل وحده مسئولية العمل الأدبية والفنية لأنه في كل الأحوال "أداة" تنفيذ في مشروع جماعي. يعتمد نجاحه علي عناصر من أهمها السيناريو ثم الإخراج وقبل الاثنين الإنتاج والقيمة الإنتاجية التي من شأنها أن تضفي علي الفيلم مستواه علي صعيد الشكل. المشاهد الأولي تصور الحالة الاجتماعية والمادية المتردية لأسرة "سعيد" التي تنتمي إلي الشرائح البسيطة التي تواجه احتياجاتها اليومية بالكاد. "راضي" شقيق "سعيد" وزوجته "سنية" يضطران للإقامة مع الأسرة ولا يجدان متنفسا لممارسة علاقتهما الزوجية بحرية.. والسيناريو في هذا الجزء يسرف في استخدام الافيه اللفظي ذو الدلالة الجنسية كمصدر لتوليد الضحك مستعينا بإشارات رمزية في إيصال المعني المتكرر وأيضا بالإدلاء الحركي واللفظي للممثل المحبوس داخل قالب جامد ثم الأداء اللفظي للممثلة "البلدية" التي داومت منذ ظهورها علي هذا النوع من الأداء الصوتي ومن دون تطوير لأن المخرج عايز كده وبناء علي هذه الرغبة غاب عنصر الابتكار أو مجرد تطوير عنصر الأداء التمثيلي. ولذلك فإن هذا الجزء الأول من فيلم "حظ سعيد" يعتبر قليل الحظ جدا من حيث قدرته علي إثارة حماس المتفرج وتحفيزه للفرجة فالتشخيص والحوار والصورة الاجتماعية مشاهد جامة وروتينية تكررت في عشرات الأعمال السينمائية شخصية "ليلي جمال" "أم سعيد" الأم المصرية الشقية بظروفها المادية وظروف مرضها وطريقة أدائها للحوار ومعها الأم الأخري والدة "سماح" "مي كساب" خطيبة "سعيد" بمرضها ومظهرها الفكاهي وربطة رأسها الغريبة والحوار الهابط المتبادل بينها وبين خطيب ابنتها "سعيد" "أحمد عيد" بدورها شخصية أخري جاءت من أرشيف الشخصيات النمطية التي تتكرر علي الشاشة وبنفس المواصفات وبالطريقة التي يفترض أنها تثير الضحك والحقيقة أنها لم تستطع إثارة مجرد الابتسام. وفي مشاهد تالية يظهر "سعيد" وهو يصطحب أمه المريضة إلي النائب الفاسد "سامي مغاوري" الذي يعاملها باستهتار وبلا مبالاة بكم الأمراض التي تعاني منها بينما يتعامل في نفس الجلسة مع شخصية مهمة وثرية بمنتهي الاهتمام والاحترام ورغم أنه مصاب "بالكحة" فقط وليس بالقلب والكلي والكبد كأم سعيد! الأمر الذي يستفز "سعيد" ويدفعه للاشتباك معه. وسعيد شخص دائم الاشتباك ودائم الصدام مع الآخرين من ثم مع رجل الأمن بسبب ذلك.. ورجل الأمن سواء كان الضابط أو الشرطي "ضياء الميرغني" بدورهما مجرد مناسبة للإشارة إلي غلطة الشرطة وقسوتها في التعامل مع المواطنين. وسائل إيضاح المؤلف في الفيلم يسوق إلي المتفرج الأسباب الاجتماعية التي ساهمت في تحول "سعيد" من مواطن طالح بلا دور وبلا طموح سياسي إلي شاب صالح يشارك في الثورة باستخدام ما يشبه وسائل الإيضاح مستخدما صورا تقليدية جامدة بقول آخر يدلل علي الفساد السياسي بنائب شعبي بليد المشاعر. فج السلوك. فج الأداء. وعلي وحشية رجل الأمن بضابط سادي وعسكري غريب الأطوار والمظهر والأداء أيضا وعلي مقاول الحكومة "سيد صادق" المنحرف بشخصية شهوانية وبفجاجة وغلظة مفرطة. ويربط بين هذه الشخصيات المسطحة والنمطية المكررة عبر خيوط مصطنعة واهية ومن خلال مناسبات غير منطقية ليس لها ضرورة في السياق السردي إلا خلق مشاهد حسية بذيئة ومتدنية المستوي فنيا ومتكررة حتي أصبحت "موضة قديمة" فعلا اذكر علي سبيل المثال مشهد بيت الدعارة الذي دخله "سعيد" هاربا أو علي سبيل الخطأ والأصوات الداعرة للنساء بائعات الهوي وقد صارت هذه الأصوات ضمن تسجيلات السينما التجارية المصرية الهابطة والجاهزة للاستخدام. إن المؤلف يريد في سعيه لرسم صورة أو صور متنوعة عن المجتمع المصري قبل ثورة يناير أن يسوق إلينا مظاهر الفساد والمعاناة الشديدة التي يتجرعها المواطن "سعيد" الذي يتأهب للزواج ويعجز عن العثور علي شقة يسكن فيها مع خطيبته وحين يصله الحظ بتخصيص شقة من إسكان الشباب يصطاده مقاول الحكومة الفاسد الذي يشتهي خطيبته ويحاول شراء ذمته وينجح في غواية الأولي نظريا وفي شراء ذمة الخطيب عمليا فيتعاون معه علي حساب الشباب زملائه. وفي النصف الثاني مع بداية تحول "سعيد" داخليا أثناء بحثه عن شقيقته "وفاء" التي ذهبت إلي ميدان التحرير ولم تعد يبدأ الفيلم في شد المتفرج لأن المخرج في هذا الجزء ينجح نسبيا في دمج المستوي الخاص بأزمة "سعيد" وسلوكه وتجربته الشخصية التي بدأت تأخذ منحني آخر وجدانيا وسياسيا مع المستوي العام بعد نزوله الميدان ولقائه بشخصية "عادل" المناضل الذي يغريه بالانضمام إلي الثورة لأنها الطريق الذي سوف يعثر من خلاله علي شقيقته "وفاء" وعلي مصر كلها في إشارة إلي أن الثورة سوف تنقذ الخاص والعام معا وتصل بالاثنين إلي بر الأمان. فالخيط الرئيسي في حبكة الفيلم المرتبط بالشخصية المحورية "سعيد" يتطور بمنطق من حشاش ومهرج وإن كان مسئولا نوعا إزاء أمه وشقيقته إلي شاب يرفض الإيقاع بأصدقائه أو الضحك عليهم طمعا في ثروة وشقة يعيش فيها مع "سماح" التي تلعب دورها مي كساب الشيخوخة من "الفلول" حسب تسمية زوجها الغاية عندها تبرر الوسيلة. وهناك شخصية أخري مهمة لم يوفق المؤلف في تصويرها علي النحو المقنع الذي يجعلها حية من دم ولحم ويجعل منها شخصية إنسانية وليست مجرد رمز أو إشارة سطحية لشباب الثورة وأعني شخصية "عادل" الثوري القابع في الميدان المؤمن بجدوي ما يفعل.. ولكنه وفق علي مستوي آخر في نقل جانب من المشاهد الثورية ومن ضحايا الثورة وإن ظل أقل من الممكن. وحاول المؤلف والمخرج والممثل أن يصيغوا من خلال العمل "رؤية" صريحة مباشرة حول التيارات التي تتقاذفها الحياة السياسية التي كشفت عنها ثورة يناير.. وهو التيار الليبرالي والإخواني والسلفي والتي جعلهم الفيلم الميراث الممتد في سلالة "سعيد" بعد أن يتزوج وينجب ثلاثة أبناء يعبر كل واحد منهم عن تيار وهم بديع وبكار وحمزاوي علي اعتبار أنهم جاءوا من رحم واحد فالفيلم يصل إلي النهاية عام 2040 وهذا التحليل فيه اجتهاد وتبسيط سطحي لأن هذا الوئام المفترض بين الأشقاء الثلاثة لن يتحقق أبدا إذا لم تحكم المحكمة كما يأمل "سعيد" ويظل مبارك هكذا حتي عام 2040 هو وابناه علاء وجمال لأن معني ذلك أن تظل مصر تحت حكم المجلس العسكري ويظل الصراع محتدما والميدان يمتليء ويفرغ مرات ومرات ويظل القضاء مكتوف الأيدي لا ينطق بالحكم ويصبح عادل البطل المناضل في عداد الموتي. يقول المثل الشعبي "العيار اللي ما يصيبش يدوش" و"حظ سعيد" الفيلم هو ذلك العيار" الذي قد يسبب "دوشة" لطلعت زكريا لأنه يذكره بموقفه المشين من الثوار والتحرير ويثير جدلاً بين جماعة الإخوان بسبب إشارة عابرة عنهم في الفيلم وقد يسبب "دوشة" بين السلفيين أو بين الليبراليين ودوشة أكيدة لدي الإعلاميين لأن الفيلم كما نلاحظ فتح شهية بعض البرامج "للكلام". علي أي حال تبقي أغنية التتر الظريفة "عايزينه إيه!" واحد مننا ونقول إيه.. ونقول مين.. من إيه نخاف ده حقنا.. أغنية للمطرب "لؤي" من تأليف سامح العجمي وألحان أشرف سالم والواضح أنها عن مواصفات الرئيس من وجهة نظر المؤلف وهي مناسبة في هذا التوقيت حيث "الهوسة" غير المسبوقة حول الترشح للرئاسة وانتخاب الرئيس في مايو.