من يتأمل الساحة والشارع السياسي يجد أن كل القوي السياسية ومختلف الأوساط الثقافية والإعلامية مشغولون بمجادلات وحوارات حول اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. مجادلات بلا نهاية عن تشكيل اللجنة وهل تمثل كل طوائف الشعب. أم استأثر بها حزب الحرية والعدالة. وهل من حق الأغلبية أن تتولي هذه المهمة في ضوء المادة 60 من إعلان الدستور. أم أن غموض هذه المادة هو الذي أثار هذه المشاكل. تساؤلات تطاردها أخري. عن الأقلية التي تريد أن تفرض الرأي علي الذين اختارهم الشعب في انتخابات شهد بنزاهتها القاصي والداني الفضائيات صداع في رأس كل مشاهد ولا شغلة سوي هذا الحوار مع مرشح محتمل للرئاسة أم مع أطراف من الأغلبية والأقلية حول ذات الموضوع أو غيره. وسط الجدال الذي لا يلوح في الأفق أن هناك حلولاً تضع نهاية لهذه الدراما التي طفت علي الجدال حتي بين المصلين في المساجد وحتي بعد خروجهم من أداء هذه الصلوات. وأحياناً تعلو نبرة المناقشات مما يفضي في بعض الأوقات إلي التشاجر بينما تركنا البسطاء من أبناء شعبنا يعانون من أسعار ارتفعت بصورة عشوائية بصورة لم يسبق لها مثيل. الشكوي من غلاء السلع تتردد علي كل لسان دون بادرة تشير إلي انفراج يساهم في مواجهة الضغوط التي تثقل كاهل هؤلاء الكادحين! في جولة بالأسواق اتضح أن الجميع يشكون.. المواطن في أشد الضيق من ارتفاع الأسعار والتاجر كذلك صرخ لانعدام حركة البيع والشراء الكساد يضرب كل المحلات بلا استثناء حتي البائع البسيط همومه تثير الأسي والاستياء. علي جانب آخر هناك أزمات لم تكد تنتهي أزمة حتي تشتعل أخري ولعل أنبوبة البوتاجاز أبلغ دليل وهناك أصحاب مستودعات هذه الأنابيب يتضررون من نظام الكوبونات والسولار والبنزين 80 يلهب كاهل أصحاب السيارات. الحمي القلاعية أدت إلي ارتفاع في أسعار الأسماك. غليان في الشارع بسبب الانفلات الأمني. ضباط شهداء في معارك مع البلطجية. المرور أصابه الشلل. جرائم ونهب. الباعة الجائلون احتلوا الأرصفة دون تنظيم أو تحرك لتجميعهم وتحديد مواقع لكل منهم في أماكن خاصة بالأحياء والمدن وعواصم المحافظات. الانفلات الأخلاقي تجاوز كل الخطوط فها هو طالب اشترك مع زميليه في قتل والده. مجرمون يختطفون طفلاً ويطالبون بفدية مالية تجاوز في بعض الأحيان المليون جنيه. هذا الغليان تلك بعض صوره في المدن فما بالنا بما يجري في القري والنجوع البعض يكاد لا يجد لقمة عيش يسد بها جوعه. طوابير أمام المخابز والحصول علي السلع بشق الأنفس هموم جعلت البعض يمضي بالطريق وهو يحدث نفسه ويتجرع الأسي وحده فالغالبية بالبرلمان مشغولة بإقالة حكومة الجنزوري وترشيحات الرئاسة تارة تثير السخرية والضحك وأخري تثير الغثيان نتيجة المفارقات والمتناقضات التي تقع علي أعتاب لجنة ترشيحات الرئاسة. فإلي متي تستمر هذه المناقشات التي يبدو أنها سوف تمضي في طريقها. ومشاعرنا قد تبلدت نحو انفلات الأسعار والأمن والأخلاق. السؤال الذي يتردد بلا إجابة إلي متي ننتظر رغم أن رئيس حكومة الإنقاذ قد أوضح أن 80% من الاحتياطي قد التهمناه ولم يتبق سوي 20% من هذا الاحتياط. وماذا نحن فاعلون للتغلب علي هذه المشكلة التي لم تعد تحتمل الانتظار. وما هي الصورة التي ستكون عليها في المستقبل. إن الأمر بلا شك في منتهي الخطورة ويجب أن يكون شغلنا الشاغل السعي بكل همة لتدبير أمورنا وبذل أقصي الجهد لإيجاد حلول سريعة لتوفير التمويل اللازم لتغظية احتياجاتنا من مختلف السلع الغذائية خاصة أننا نستورد معظمها من الخارج. ويتعين أن تتجه أنظارنا فوراً إلي هذه المخاطر وهل القروض الخارجية سواء عن طريق البنك الدولي أو الاقتراض من الداخل هو السبيل الأفضل. إن المخاطر أصبحت تحيط بنا من كل جانب ولم تتحرك مشاعرنا نحو هذه المحاذير التي تنذر بكارثة لن ينجو من نارها أحد أياً كانت مظاهر تحدياته. وبالتالي سوف تتضاعف الجرائم. وتتعالي الاحتجاجات والمظاهرات الفئوية وغيرها. أعتقد أنه قد حان الوقت للالتفات إلي هذه المخاطر وتلك المحاذير التي تعيدنا إلي مشكلة الديون التي اكتوت بها مصر في أيام الخديو إسماعيل ياسادة آن الأوان لوضع نهاية لتلك المجادلات حول لجنة الدستور والجلوس إلي مائدة الحوار بعزيمة صادقة وإخلاص نية لإنقاذ بلادنا من مستقبل يحيط به الغموض. فهل نتجاوز خلافاتنا ولتكن همة الحكماء والمفكرين هي طوق النجاة للتقريب بين وجهات النظر والاتفاق علي كلمة سواء والإسراع بالخروج من هذه المرحلة الانتقالية. ليتنا نتغلب علي نزعاتنا الشخصية من أجل هؤلاء البسطاء الذين لا تشغلهم هذه الحوارات. انهم يريدون لقمة العيش بلا معاناة فهل تتحرك ضمائرنا اليوم قبل الغد. ياسادة الأخطاء باتت وشيكة أليس منكم رجل رشيد؟!