في الوقت الذي تحاصرنا فيه الأزمات من كل جانب نفاجأ بالانقسامات بين الفرقاء وكأن التدهور الاقتصادي ومعاناة المواطنين من نقص في السلع والبضائع لا يشغل بال أحد. وقد تركنا المواطن يخرج من أزمة إلي أخري دون تدبير لمواجهة تلك المخاطر التي تغتال وقته وتنهب أمواله أضعافاً مضاعفة. وقد تجاهلنا تساؤلات المواطنين التي تتردد في الساحة متي نخرج من هذه الأزمات والانفلاتات في كل المجالات؟ فإلي متي نظل ندور في حلقة مفرغة إذ حينما يطرح أي شخص رأياً نشاهد آراء متعددة تقف في وجه هذا الرأي دون اتفاق وهكذا في كل المشاكل التي تطفو علي سطح الساحة ولعل مشكلة الانقسامات حول الجمعية التأسيسية لوضع الدستور هي أشد وطأة في تعطيل مسيرتنا في البناء. أزمة البنزين والسولار مشتعلة ومن قبلها مشكلة أنابيب البوتاجاز وأسعارها التي تجاوزت الثلاثين جنيهاً في بعض المناطق ورغم جهود الأجهزة والهيئات في مواجهة هذه المشكلة إلا أن محترفي تجارة السوق السوداء يسعون لعرقلة جهود مكافحة هذا الاستغلال وتحقيق مكاسب علي حساب البسطاء. كما أن الطوابير أمام المخابز لا تزال ماثلة أمام أعيننا. وتلحق بتلك الأزمات مشكلة الحوالات الصفراء والمعاناة في الحصول علي مستحقات هؤلاء البسطاء إلي غير ذلك من انفلات أمني وأخلاقي فالجرائم بلا توقف. السرقات تحت تهديد الأسلحة البيضاء والنارية مستمرة. الشوارع تعاني من شلل مروري كما أن صرخات البسطاء تتعالي مناشدة كل الأجهزة لانتشالهم من هذا الحصار الخانق. في خضم هذه الأزمات التي لا تلوح في الأفق أي بادرة من الأمل نجد البرلمان يطالب بسحب الثقة من حكومة الجنزوري وأنها لم تستطع أن تحقق أي انفراجة في تلك المشاكل التي تؤرق حياة الناس. ولم تتوقف هذه المطالبات عند حد وإنما تجاوزت ذلك إلي التهديد باتخاذ الإجراءات لسحب الثقة من هذه الحكومة. وفي نفس اللحظة تنطلق آراء أخري تشير إلي أنه ليس من حق البرلمان سحب الثقة وليت الأمر اقتصر علي ذلك. فلم نكد نخرج من مناقشات حول هذه المشكلة والحوارات الساخنة بشأنها نفاجأ بأزمة أشد قسوة وأبعد خطراً علي وحدة الأمة. فها هي الساحة قد انشغلت بصورة تثير الانفعالات من كل جانب. فالاحتجاجات علي تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور تصاعدت حدتها بصورة تشكل خطورة علي شرعية هذه اللجنة خاصة بعد انسحاب أعداد من أعضائها وإعلان آرائهم بصورة تبحث علي القلق. ومما يثير القلق أكثر أن الانقسامات تزايدت بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين ودخل في هذه الانقسامات مستشارو المحكمة الدستورية العليا حيث أشاروا في ردهم علي بيان جماعة الإخوان إلي أن هذا البيان إهانة غير مقبولة. ليس هذا فحسب وإنما هناك دعاوي أمام القضاء الإداري للطعن علي تشكيل اللجنة. كما أن الساحة الإعلامية تمتليء بحوارات بين أساتذة القانون الدستوري وبين أعضاء بالبرلمان من حزب الحرية والعدالة وقد تعالت حدة الخلافات والانقسامات لدرجة من الحدة تصل إلي حد الاتهامات والمشاركة في صفقات. وقد دخلت حلبة هذا الصراع نحو 14 حزباً وحركة منها الأحرار. التجمع الشيوعي المصري. التحالف الشعبي. الجمعية الوطنية للتغيير إلي غير ذلك من الهيئات فها هو الاتحاد العام لنقابات عمال مصر قد انضم إلي هذه النداءات. وأعلن موقفه الرافض لممارسة الأغلبية البرلمانية بتجاهلها العديد من الفئات خاصة العمال والفلاحين. كما انعكست هذه الاختلافات والانقسامات بين الفرقاء علي المرشحين لرئاسة الجمهورية. ورغم الاجتماعات واللقاءات التي استهدفت جمع الشمل ومحاولة رأب الصدع إلا أن التأجيل كان حليف هذه اللقاءات وتلك الاجتماعات. المجادلات والانشقاقات تتوالي اجتماعاتها وقد شهدت نقابة الصحفيين جانباً من هذه الحوارات التي حذرت من انفراد أي هيئة أو سيطرتها علي وضع دستور يحدد مستقبل البلاد في فترات قادمة مشيرين إلي الخطر الداهم من ممارسة الأغلبية البرلمانية وحرب البيانات دائرة في مواقع متعددة! الساحة الإعلامية وأوساط متعددة مشغولة بالدستور ومواده المستقبلية. بينما الساحة تغلي من جرائم وأزمات انفلات فخطف رجال الأعمال بلا توقف ولن تكون عملية خطف الموسيقار صلاح الشرنوبي آخر هذه النوعية من الجرائم. كما أن إضراب عمال وسائقي هيئة النقل العام بالقاهرة لا تزال آثاره قاتمة. وسرقة السولار والبنزين والاعتداء علي هيئة قناة السويس كلها تشكل خطورة علي النواحي الاقتصادية من كل جانب. السؤال الذي يفرض نفسه وسط هذا الانقسام إلي متي نظل نعاني هذه الفرقة وذلك التشتت الذي نراه يشتد يوماً بعد يوم. وأزمات تطارد أزمات. واختلافات واختناقات غير مسبوقة تشل حركتنا الوطنية؟ وهل نترك الوطن يعاني والأسعار تشتعل دون أن تفلت أي سلعة. كما أن تعريفة الميكروباص قد خضعت لهذا التيار والشارع التجاري تحاصره الارتفاعات. ولم نر تحركاً يشير إلي قرب انفراج الأزمات. الدستور ومواده والاختلافات تسيطر علي كل الحوارات مما أدي إلي تعطيل مسيرتنا الاقتصادية والحد من جهود الحكومة الانتقالية للحد من هذه المعاناة. أعتقد أن معاناة الكادحين والبسطاء من أبناء شعبنا يجب أن تحرك مشاعرنا ونطالب أولي الرأي والحكمة والمفكرين من أبناء مصر ببذل أقصي الجهد من أجل التقريب بين وجهات النظر المختلفة. والاتفاق علي رأي واحد من آجل مستقبل ينعم فيه هؤلاء البسطاء بسلع وأسعار تناسب الدخول المتواضعة. فهل نري تكاتفاً وتضافراً في جهود المفكرين والحكماء لحسم هذا الاختلاف والالتقاء حول وسطية توفق بين كل الآراء المتصارعة ووضع نهاية للمناقشات حتي نعبر هذه المرحلة الانتقالية والإسراع بخطوات بناء المستقبل علي أساس متين لا تزعزعه العواصف. وليتنا ندرك أن التشرذم والتشتت لن يبني مستقبلاً أو يؤدي إلي أية نتائج. فهل يتدارك الفرقاء الأمر قبل أن يفلت الزمام ونفاجأ بما لا يخطر علي البال؟!