إن من أشد الأخطار التي تواجه أي أمة من الأمم التنازع فيما بينهم وكثرة الجدال والاختلاف حول أي أمر من الأمور الهامة التي قد تعترض مسيرتها. ولاشك أن ذلك يؤدي إلي تشتت فكر القائمين علي شئون ومصالح أبناء هذه الأمة ولعلنا نري ذلك بوضوح بعد تطورات الأحداث في مصرنا العزيزة بعد أحداث 25 يناير. إذ لم نر اتفاقا حول أي شأن من شئوننا. فعندما يطرح أي انسان من بيننا مقترحاً بقلب مفتوح وحسن نية وقصد شريف هدفه الاصلاح وتوجيه النصح لكي تمضي المسيرة نحو اقامة بنيان قوي لكل أركان الدولة بحيث ننفض غبار الماضي ونتطلع إلي المستقبل بتفاؤل وبشريات يعيش في ظلالها كل أبناء مصر. لكن لم يكد هذا الانسان ينتهي من عرض رأيه أو اقتراحه فإذ بنا نفاجأ بمن يسفه هذا الرأي ويضرب بخبرة صاحب الاقتراح واجتهاده عرض الحائط وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد لكن هناك من ينبري لتناول صاحب الاقتراح بألسنة حداد وتطاول لا يليق. وللأسف يتكرر هذا المشهد دون أن نجد سقفا محددا للمطالب التي تطرح علي الساحة سواء من الشباب أو من غيرهم. وهذا الأسلوب جعل الكثيرين يعزفون عن المشاركة بالرأي أو الاقتراح والسؤال الذي يدق الرءوس متي نخرج من المأزق ونجد من بيننا أولي رأي سديد يأخذون بأيدينا نحو الطريق المستقيم بعيدا عن هذا التنازع وذلك الشقاق؟! ولا أجد سبيلا للخروج من تلك الحالة التي اختلفت فيها الآراء سوي قول الله عز وجل "... ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" 46 الانفال. الطريق التي رسمها الله لعباده هي التقاط الأنفاس بالصبر وتضميد الجراح ومواجهة أعاصير الحياة وشدائدها بإيمان قوي وصبر طويل وحسن خلق وسعة صدر تستوعب كل الآراء رغم تنوعها ثم الانتهاء في آخر الأمر إلي اتفاق ورؤية واحدة تحدد المسار نحو المستقبل. ولعلنا ندرك أن هناك أعداء يتربصون بنا ويتحينون الفرصة للانقضاض علي مسيرتنا وسط هذا الزخم من الاختلاف وتشتت الرأي. ولعلنا جميعا نسترشد بمضمون هذه الآية الكريمة ونضع عباراتها بل وكل كلمة منها نصب أعيننا لكي نجتاز هذه المرحلة الانتقالية. ونشارك جميعا في بنيان دولتنا علي أسس وقواعد ثابتة بحيث لا تتكرر مظاهر الفساد والتسيب التي عشنا فصولها. وليتنا نتدارك هذا الأمر اليوم قبل الغد. وليتنا ندرك أن كل تأخير يؤدي إلي مزيد من الخسارة المادية والمعنوية ونتعرض لمزيد من الفقر والبطالة. لاشك ان الخلاص في هذه الصورة التي رسمها لنا رب العالمين. حتي لا تذهب قوتنا ووحدتنا. ولعلنا نقتدي بالسلف الصالح من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم الذين امتثلوا لهذا الأمر وتذرعوا بالصبر. وتشجعوا بوحدة الرأي في مواجهة بناء المجتمع بما أمرهم الله ورسوله وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون السابقة. وحين استجابوا لنداء الله واستقبلوا هذا الأمر بقلوب وعقول مفتوحة أفاء الله عليهم بفتوحات في الشرق والغرب في مدة قصيرة خاصة مع قلة عددهم بالنسبة إلي قوة سائر الأقاليم. وتمكنوا من قهر الأعداء وظهرت كلمة الحق. وامتدت الممالك الإسلامية في كل أنحاء المعمورة في اقل من ثلاثين عاما. وكانوا نماذج في المعاملات الطيبة وقد كانوا في منتهي الرحمة بالآخرين من أهل الديانات السماوية وعاشوا في ظلال الدولة الإسلامية يتمتعون بكافة الحقوق والواجبات التي كانت تطبق علي ابناء الأمة الإسلامية. والأكثر من ذلك أن أهل هذه الديانات كانوا يستضيئون بأبناء الأمة الإسلامية ويطالبونهم بالقدوم إلي بلادهم وفتحها لانقاذهم من المظالم التي كانوا يتعرضون لها من دول البطش التي تتولي شئونهم في تلك الأزمان الغابرة ولعل أبلغ دليل حين نادي أقباط مصر حكام الأمة الإسلامية بفتح مصر لتشييد أركان العدالة وتطبيق نصوصها علي أهلها. وقد كانت النهضة التي شهدتها مصر في إبان هذا الفتح الإسلامي. وتمكنوا من ازالة المظالم. وحطموا القيود التي كانت تشل من حركة هذه الجماهير. وقد انخرط الجميع وشاركوا في حركة البناء والتعمير. فكان هذا الفتح نصرا ليس لأبناء مصر فقط وإنما لكل البلدان الإسلامية في كل أنحاء الدنيا. ولعلنا لا ننسي ذلك الموقف الذي سجلته كتب السيرة والتاريخ. حين تعرضت عاصمة الأمة الإسلامية بأرض الحجاز لضائقة مالية وغذائية عندما أصاب هذه البلاد القحط فكتب أمير المؤمنين ابوحفص عمر لعمرو بن العاص حاكم مصر في ذلك الوقت. خاصة أنه الذي تولي مهمة فتح مصر. وتضمن طلب عمر أن يمده عمرو بمدد غذائي لتوزيعه علي أبناء الجزيرة العربية لأن المجتمع المسلم كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي. فبادر عمرو بن العاص بإرسال عدد من الأغذية المتنوعة من انتاج ابناء مصر وأرضها الطيبة التي خصها بالخصوبة ونهر يتدفق بالعطاء.. علي الفور استجاب عمرو وبعث إليه برسالة ومدد طويل تحمله قوافل الجمال لأنها وسيلة النقل في هذه الأيام وما تضمنته رسالة عمرو إلي أمير المؤمنين تلك العبارات التي تقول كلماتها "بعثت إليك بمدد وقافلة أولها عندك وآخرها عندي". مما يشير إلي أن أهل بلادنا دائما يعيشون في الخير ومودة ومحبة تظلل كل أبنائها دون تفرقة بسبب اللون أو الدين والعرض والأكثر من ذلك أن كثيرين كانوا يلجأون إلي رحابهم فيجدون الكرم والشهامة وتلك أصالة وحضارة أبناء وادي النيل. إن ما نعيش فصوله هذه الأيام يتطلب أن يتجرد كل فرد ومجموعة عن تطلعاتهم ونزعاتهم الشخصية تقديرا لصالح هذا البلد وحماية لبسطاء شعبها لكي يحصلوا علي قوت يومهم بلا قيود أو معاناة فكلنا يلمس ان هناك كثيرا من المصانع معطلة والبنوك لا تعمل بكامل طاقتها والبورصة متوقفة والخسائر تلاحق اقتصادنا يوما بعد يوم. ويتعين أن نتكاتف جميعا ونتذرع بالصبر والحكمة لمواجهة تلك الفترة بأسلوب يعتمد علي وحدة الرأي ومراعاة المصلحة العامة. ويجب أن نتطلع إلي المستقبل بقلوب وعيون واعية ولعلنا نستلهم القدوة من سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد كان حرصه دائما علي تحقيق وحدة الصف تحقيقا لأمر الله عز وجل في قوله: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" لأن التشتت في الرأي لن يصل بنا إلي بر الأمان وكان الرسول أشد حرصا علي رأب أي صدع بين المسلمين ويرفض التنازع والاختلاف. ووحدة الأمة هدف أسمي. ورحمته صلي الله عليه وسلم أشاد بها وعاش في رحابها المسلم وغير المسلم. وغني عن البيان تلك الصروح الإسلامية التي شيدها المسلمون في أقطار الدنيا وكلها تقطر سماحة واقتداء بسيد الخلق صلي الله عليه وسلم. وهذه الصورة التي رسمها لنا رب العالمين لا بديل عنها إذا أردنا الخروج بسرعة من تلك المرحلة إذ لا تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ولا غرابة في ذلك وليتنا نسترجع التاريخ ونحن نعيش هذه الفترة الزمنية. يا أبناء مصر لا سبيل أمامكم إلا الصبر والحكمة في تحديد مصائركم وليتنا نستوعب قول الله في سورة الانفال "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واتقوا الله إن الله شديد العقاب" 25 الانفال. وان النصر مع الصبر. فليتنا نتدبر أمورنا ونعي كل المخاطر التي تحيط بنا. وختاماً أردد قول الله تعالي "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.