لاشك أن تنوع الآراء والأفكار بحيث تتلاقي نحو تحقيق هدف واحد من أجل نهضة الأمة وتقدمها فإن هذا الاتجاه تسعد به الأمم وترتقي علي طريق الحضارة من أجل تنفيذ برامج محددة بحيث يصبح لكل مواطن دور فاعل في عمليات التنمية والتعمير. أما تشتت الآراء والتنازع والشقاق وتشبث كل فريق برؤيته فكل ذلك لا يحقق هدفا أو يساهم في بناء أمة أو تجديد شبابها وبعث الآمال في النفوس وهذا التنازع يؤدي إلي تبديد الجهود والتراجع إلي الخلف خطوات وخطوات بالاضافة إلي أنه يساهم في توسيع هوة الخلافات وينشر البغضاء وربما إلي معارك بين مختلف الأطراف وتبادل الاتهام وتسفيه الآراء. وقد نبه القرآن الكريم إلي هذه الحقائق منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان فقال سبحانه: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" 46 الأنفال يحذر الله من هذا التنازع لأنه طريق الفشل وأن الاتفاق ووحدة الرأي قوة وأن قوة الأمم تنبع من وحدة الرأي ويوم أن كانت الأمة العربية والإسلامية متحدة الرأي والهدف فقد دانت لها الدنيا بأسرها وتم علي يد قادتها فتح الأمصار والبلدان وسط ترحيب أبناء هذه الأمم وافساح المجال للمبادئ التي تصلح هذه المجتمعات وتأخذ بيدها نحو برامج بناءة تستهدف الخير للعباد والبلاد. وقد كانت الأخلاق الكريمة وسعة الصدر والأفق هي البوابة الرئيسية للاقبال علي الدولة الإسلامية فقد كان تحقيق الصالح العام لكل الطوائف هو الهدف الأسمي بعيدا عن الأطماع والأهواء والأغراض والمآرب الشخصية وأن عدم الاجتماع علي رأي واحد يؤدي إلي تكذيب البعض للآخرين فتتنافر القلوب وتختفي مصالح وسط هذا المد والجذب بين الآراء كل حزب بما لديهم فرحون. وإذا كانت الأهواء والأغراض هي التي تقود زمام الأمة فلن تتقدم خطوة إلي الأمام ولن تستطيع تحقيق أي هدف يرتقي بها إلي الدرجات الأعلي. وقد ضرب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - المثل والقدوة لكل البشر في عدم التشبث بالرأي وإنما كان الصالح العام هو الهدف الأسمي فقد كان دائما يستشثير أصحابه وتجلي ذلك في يوم بدر حينما اختار رسول الله - صلي الله عليه وسلم - موقعا لاستقرار الجيش فتقدم منه أحد أصحابه وقال بكل أدب: يا رسول الله هذا المكان تم بناء علي أمر من وحي السماء أم هو الرأي والمشورة؟ فقال - صلي الله عليه وسلم -: إنما هو الرأي والمشورة فقال الصحابي: هذا المكان لا يصلح وقدم المبررات ومنها أنه بعيد عن المسار بالاضافة إلي أن الجيش في موقع لا يحقق النصر فاستجاب رسول الله علي الفور وأصدر أوامره بالانتقال إلي الموقع الجديد نزولا علي رأي هذا الصحابي مما يشير إلي ضرورة اختيار الرأي الأفضل والانصياع له حتي تمضي الأمور في طريق يقودها إلي بر الأمان والابتعاد عن التشرذم والخلافات التي تؤدي إلي الضياع وكم رأينا من أمم وبلدان التنازع واختلاف الآراء قد ساهم في تناحرها والدخول في متاهات ابتعدت كثيراً عن صالح الأمة والمجتمع. كما أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - قد انصاع للرأي في صلح الحديبية فها هو حينما قبل شروط قريش والمشركين في هذا الصلح رغم قسوتها البالغة علي نفوس الصحابة قد انتابه الحزن حين رأي الصحابة كل واحد دخل خيمته وخشي من نحر هديه وفقا للشعائر وعندما رأته أم سلمة زوجه علي هذا الحال من الأسي قالت له: لا تحزن يا رسول الله اخرج وانحر هديك والصحابة حينما يرونك سوف يخرج كل واحد منهم وينحر هديه وحينما تأمل رأي أم سلمة فوجده صائبا فاستجاب وقام بنحر هديه وفي التو واللحظة استجاب الصحابة وقاموا بنحر الهدي كل ذلك يوضح ضرورة الانصات للرأي والرأي الآخر ثم الاتفاق علي ما يحقق الأصلح للأمة والمجتمع. كما أن هناك أمراً آخر يتضمن عدم التناحر والتنابز بما يؤدي إلي الاقتتال واعتداء البعض علي الآخرين لمجرد الاختلاف في الرؤي فها هو خالد بن الوليد قد انصاع لأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وتنازل لابن عبيدة ابن الجراح عن قيادة الجيش مدركا أن صالح الأمة أهم من صالحه الشخصي مدركا أيضا ان عمر بن الخطاب ليس له غرض سوي مصلحة الأمة ولذلك حينما حضرت خالد الوفاة طلب من أبنائه التوجه إلي عمر وحينما حاول الأبناء تذكيره بما جري حين عزله من قيادة الجيش قال لهم: ان عمر لم يفعل ذلك من أجل غرض شخصي وإنما كانت مصلحة الأمة هي أسمي الأغراض لدي عمر بن الخطاب. ليتنا نتدارك هذه الحقائق ونحن نعيد بناء مصر علي أساس من وحدة الهدف والرأي. إن هذه أمتكم أمة واحدة فاعملوا لصالحها واتركوا الشقاق والنزاع لكي تظل بلادكم واحة للأمن والأمان كما كانت علي مدي تاريخها ان في ذلك لعبرة لمن يخشي والله المستعان. **** دعاء: اللهم أهدنا الصراط المستقيم ونسألك حسن الخاتمة.. ونعوذ بك من الأشرار وشرورهم. ربنا تقبل منا وأقبلنا اللهم افتح لنا أبواب رحمتك واغفر لنا وسامحنا وألطف بنا في القضاء والقدر ونعوذ بك من العجز والكسل والهم والحزن وارحمنا انك أنت الرحمن الرحيم.