أكد د. محمود عزب مستشار شيخ الأزهر أنه لا تحقيق للعدالة الاجتماعية دون زيادة العمل والانتاج وأن التركيز علي العدالة الاجتماعية فقط دون توفير الأسباب خطأ كبير بل وجريمة في حق الوطن. قال في حواره ل "المساء الأسبوعية" إن أكبر كوارث العصر الماضي كانت المساهمة في تردي أركان الدولة الثقافية والاخلاقية والدينية والاجتماعية وأضعاف مصر بكافة مؤسساتها. أضاف أن الأزهر مع حرية التعبير علي طول الخط وفتح أبواب الحوار البناء وهو يقف علي مسافة واحدة من جميع التيارات والاتجاهات من أجل اعلاء مصالح الوطن والمواطنين. أوضح أن التأخر في إصدار قانون الأزهر الجديد بسبب رغبة شيخ الأزهر في أن يخرج بصورة متكاملة ملبياً للطموحات وفلسفة التغيير ويؤدي بالفعل إلي الاستقلال الحقيقي للأزهر كما يريد الجميع. أشار إلي أن التخوف الموجود لدي الشارع المصري من تصاعد وتنامي التيارات الدينية ليعود لكونها تفتقد لبرامج واضحة ومحددة تعبر عن توجهاتها الحقيقية ولا تراعي مصالح وطموحات الناس. أكد أن الأزهر أعلن منذ البداية موقفه الواضح ودعمه الكامل لتأييد ثورات الربيع العربي ضد الطغيان والديكتاتورية لأن هذا دور أصيل للأزهر علي مر العصور. * المشهد الذي تعيشه مصر الآن في تلك المرحلة الراهنة يؤكد أن مساحة الخلاف تزداد وبالتالي الحصيلة هي الصراعات والانقسامات وهو ما يؤكد أن لغة الحوار تراجعت؟ ** الحوار يتطلب مستوي راقياً من الفكر يبدأ بالاعتراف بحق الاختلاف .. اذن الاختلاف ضروري والحوار واجب ومن هذا المنطلق أنشأ الأزهر مركزاً للحوار من أجل فتح أبواب النقاش البناء والفاعل ليس فقط بين المسلمين وبعضهم البعض انما مع سائر الأديان مثل المسيحية واليهودية .. أيضاً هناك حوار مع المذاهب الإسلامية المختلفة فهذه الخطوات تتم بهدف الحد من مساحة الاختلاف ومنذ اندلاع ثورة 25يناير وشيخ الأزهر يدعو الجميع للحوار مع الأزهر. أضاف أن ما يحدث علي الساحة هو نتيجة طبيعية لغياب الحوار لسنوات طويلة ولانحراف الخطاب الديني وتخلف الثقافة. * كيف يمكن إعادة بناء الانسان المصري في ظل تردي الثقافة وتدني لغة الحوار؟ ** للأسف اهتم الجميع بالحديث عن الفساد السياسي والمالي فانشغل الناس بهذا الأمر وتناسي المسئولون أن هناك فساداً ثقافياً وأخلاقياً ولغوياً .. هناك جهات تقع عليها المسئولية الجسيمة في تصحيح هذه الأوضاع فهي القادرة علي تشكيل الوعي لدي الشعب مثل وزارات التعليم والثقافة والإعلام. كذلك لابد من إعادة صياغة الوعي الديني خاصة أن أخطر ما يواجه الأزهر هو ظهور الذين يسطحون الدين ويفرغونه من قيمه العليا ومن مضمونه ومن ثم أصبحت الساحة فارغة والأرض ممهدة لدخول الأفكار السطحية من الخارج والعشوائية في الداخل. * أين كان دور الأزهر عبر السنوات الماضية في مواجهة هذا الانحراف؟ ** في خلال ال 30 عاماً الماضية أريد لمصر في الداخل والخارج أن تتخلي عن دورها الريادي واستجاب القائمون إلي هذا التوجه .. فأصاب الأزهر ما أصاب مصر والمسئولية تقع علي الجميع دون استثناء .. لكن بعد الثورة الأمر تغير والأزهر في حالة حركة مستمرة ليخرج من مرحلة صعبة إلي مرحلة جديدة مختلفة تماماً يواجه الظروف ويتابع السلبيات والاخطاء من أجل علاجها وتصحيح المسار لكن الأمر يحتاج إلي بعض الوقت فإعادة البناء أمر ليس سهلاً كما يعتقد البعض وهناك العديد من الخطوات الناجحة مثل بيت العائلة ومركز الحوار. * هناك آراء تشير إلي تعرض مصر لمؤامرات خارجية بهدف تفتيت وإضعاف شأنها؟ ** بالفعل تعرضت مصر ومازالت لضغوط ومؤامرات سياسية وثقافية لاضعافها .. فمصر عبر التاريخ يتربص بها الكثيرون لذلك ينبغي علي جميع المصريين أن ينتبهوا إلي الخطر الذي يتربص بنا ويهدد الوطن وأخطر ما يهدد الداخل هو حالة الانقسامات والتشتت والفوضي. لابد أن تعمل كافة القوي السياسية علي مواجهة تلك الأخطار فهي ليست مسئولية جهة واحدة فقط. * هناك حالة تسود الشارع المصري وهي التخوف من سيطرة التيارات الدينية .. فهل لديكم مبرر لذلك؟؟ ** ربما يرجع السبب لعدم وضوح برامج انتخابية دقيقة تطمئن المواطن علي مستقبله ومستقبل الدولة الديمقراطي والسياسي وهذا لا يقتصر فقط علي الأحزاب الدينية وانما علي سائر الأحزاب الأخري أرجو من الجميع أن يثبتوا للجميع نواياهم بصدق ودون التباس وليس بالكلام العام والفضفاض ولكن ببرامج واضحة ومحددة فمجال السياسة ليس مجال وعظ وشعارات ولابد أن يطمئن الشعب حتي يستطيع الاختيار وليعلم الجميع ومنتخبون أن الشعب المصري لن يتهاون ولن يترك السلطة احتكاراً لشخص أو فصيل فسيكون هناك تداول ولتكن التجربة الأولي بمحاسنها ومسائها نتيجة لعبورنا نحو الديمقراطية. * ظهر العديد من الآراء التي تدعو إلي تحالف الأحزاب الدينية مؤكدة أنه لا يجوز أن يعمل الحرية والعدالة مع الاخوان فقط والنور مع السلفيين فقط .. فما رأيكم في تلك الدعوات؟ ** الأزهر حريص كل الحرص علي جمع كلمة المصريين علي اختلاف أطيافهم ومذاهبهم الفكرية وفي نفس الوقت يقف علي مسافة واحدة من جميع الفرقاء ويسعي دائماً علي التقارب والالتفاف حول شيء واحد هو الوطن ومصلحته العليا التي تهدف إلي تحقيق الاستقرار الذي يقودنا جميعاً نحو البناء والتعمير والنمو الحقيقي لقد حرص الأزهر علي لم الشمل بين الجميع سواء التيارات الإسلامية وغيرها للاتفاق علي الحد الأدني المشترك من القيم التي يقبلها الجميع مثل العدالة والحرية المسئولة والديمقراطية والمساواة والانتاج وهي قيم لا يمكن أن يختلف عليها شخص. * حتي الآن لم تخرج وثيقة الأزهر إلي النور فهل توجد نقاط خلاف حولها؟ ** للأزهر رسالة تاريخية وقد استطاع بعد الثورة أن يجمع الممثلون لكل التيارات الثقافية في حوار لمناقشة صورة مصر الحديثة وأقرت تلك الاجتماعات واللقاءات وثيقة الأزهر وهي وثيقة استرشادية وقد أكد د. أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الوثيقة هي مجرد اطار قيمي يصون أساسيات الشعب وثوابته ويعتبر ثوابت الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة من ثوابت المطالب الوطنية لقد استطاعت الوثيقة أن تخرج من ضيق الاختلاف الذي تعيشه مصر الي سعة التوافق وبالتالي لا توجد نقاط خلاف كما يردد البعض. أكد أن بعض الدول العربية أيدت الوثيقة طالبة أن نذهب إليهم لعقد مناقشات حولها .. كذلك العديد من المعاهد السياسية والمؤسسات الدولية اهتم بتداولها واجراء الحوارات حولها. أما مسئولية خروجها إلي حيز التنفيذ فهي لا تقع علي الأزهر انما علي الجهات المعنية وأيضاً لابد أن تلعب وسائل الإعلام دوراً في تبصير المواطنين بما جاء في الوثيقة. * هل تأخر صدور تعديل قانون الأزهر لتحقيق استقلاله يحد من دوره؟ ** ما يخص القانون 103 لسنة 61 المتعلق بتنظيم الأزهر وشئونه عملية دقيقة ومعقدة جداً أهم ما فيها اعادة تكوين هيئة كبار العلماء التي ستنتخب شيخ الأزهر وقد تم تشكيل عدة لجان متخصصة في القانون والتشريع والإدارة لدراسة جميع النقاط بالتفاصيل لان التغيير لا يتم كل يوم والاصلاح لا يتم في عجالة .. الأزهر يريد دراسة متأنية دقيقة حتي يخرج المشروع كاملاً ليطرح علي المعنيين ويتم إقراره وبالتالي ليس هناك تأخير فلم يمض إلا حوالي 5 أشهر واللجان مازالت مستمرة في عملها وهناك أيضاً مشكلة اصلاح التعليم الأزهري وبرامجه وفي نهاية الأمر فإن الأزهر ليس خاضعاً فكرياً للدولة. * ماذا عن اللجان التي شكلها بيت العائلة وهل تقوم بعملها وقت حدوث الأزمة فقط؟ ** لقد شكل بيت العائلة لجان للعمل علي أرض الواقع أهمها لجنة رصد الأحداث يومياً ولجنة المتابعة وملاحظة تنفيذ القرارات وهي لجان لم تصنعها الأزمات ولا تعمل فقط حين وقوع الحوادث وهذه اللجان تقدم تقاريرها للمسئولين في بيت العائلة لكي تستطيع الدولة اتخاذ الإجراءات القانونية ازاء كل من يثبت تورطه. وفي نفس الوقت من خلال تلك التقارير يسطتيع القائمين علي البيت رسم خريطة الطريق وسياسة العمل غير منفصلين عما يدور علي أرض الواقع بهدف استعادة روح التماسك والتلاحم التي كانت سائدة في الماضي وسيتم ذلك من خلال اصلاح الخطاب الإسلامي والمسيحي. * هناك رأي للدكتور فاروق الباز يشير إلي أن بناء الحضارة يبدأ بتوفير رغيف العيش ومن أهم أهداف الثورة تحقيق العدالة فكيف يمكن أن يتحقق الاصلاح الفكري بدون تحقيق العدالة ورغيف العيش؟ ** من المشاكل الكبري التي نعاني منها ضعف قيمة العمل علي الرغم من كونه جزءاً لا يتجزأ من العقيدة والدين لكننا فصلنا هذه القيمة عن العبادة وتلك مصيبتنا الكبري وبالتالي لن نستطيع تحقيق العدالة وتوفير رغيف العيش قبل أن تبدأ العمل والانتاج وبدون تزييف للحقائق العمل الآن متدني للغاية فمنذ بداية الثورة وحتي الآن يتحدث الناس من توزيع الغنائم وكأننا نجحنا في استرداد المنهوب من أموالنا وحقوقنا .. الشعب يرتكب أكبر جريمة في حق الوطن فقد نتعرض إلي جماعة اذا استمر الأمر هكذا اعتصامات واحتجاجات وتوقف عجلة الانتاج نحن لا ننكر أن الناس كانوا مسحوقين لفترة طويلة لكن ليس ذلك مبرراً علي الاطلاق للتوقف عن العمل وإعادة البناء ثم نطالب بتحقيق العدالة ونحن في هذه الحالة الضعيفة والمتدنية في كل شيء. * ما هو موقف الأزهر من الدعوة للمليونيات التي نفاجأ بها من حين لآخر؟ ** أري أن الدعوة الدائمة للمليونيات في كل ما هو صغير أو كبير من الأمور من نوع من التعويق علي الرغم من أن مصادرة المظاهرات وحق الرد أمر غير وارد فمن حق الناس أن يعبروا عما في نفوسهم لكن التمادي في هذه الظاهرة مع التجاهل الكامل لضرورة استمرار الانتاج هو الكارثة. * ماذا عن موقف الأزهر ازاء ما يحدث في الدول العربية من الممارسات اللانسانية في سوريا واليمن؟ ** لقد أصدر الأزهر بيانات واضحة ودقيقة لمناصرة الحركات الثورية العربية واحترام إرادة الشعوب في رغبتها في التحرر من الطغيان والديكتاتورية.