البيانان الصادران بالأمس عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة والمكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة يحملان نذر صدام وشيك بين الجانبين فقد ظهرت فيهما لغة التهديد والتشكيك المتبادل.. والتمترس وراء ثقة الجماهير الغالية. وفي هذه اللحظة الحاسمة يجب علينا أن ننبه الطرفين إلي أن الصدام لو حدث بينهما - لا قدر الله - سوف يعصف بالتجربة الديمقراطية الناشئة.. وبما تبقي من أشواق التغيير لدي هذا الشعب.. وسوف يدخل بمصر كلها إلي نفق مظلم يمكن أن تستمر فيه لأكثر من 60 سنة أخري تذوق فيها ويلات الاستبداد والفساد والركود والتخلف. يجب علينا أن نقولها واضحة صريحة للطرفين ولكل من يحرض ويدس ويتصور أنه سيجني مكاسب من وراء الصدام: اتقوا الله في بلدكم وشعبكم.. مصر لا تحتمل صراعات ومواجهات جديدة.. اتقوا الله وغلبوا المصلحة العليا لمصر والمصريين. إن أي صدام بين المجلس العسكري والإخوان أو أي فصيل وطني آخر سوف يأتي علي الأخضر واليابس.. ويشعل النار في البلد من أقصاه إلي أقصاه.. ويعيدنا خطوات كثيرة إلي الخلف.. ويشمت بنا الأعداء.. ويؤكد للعالم أننا شعب همجي لا نعرف كيف نحكم أنفسنا بأنفسنا.. وأننا شعب قاصر لا نستحق الديمقراطية التي هتفنا بها.. وأن مبارك كان علي حق عندما قال "أنا أو الطوفان". من الواجب في هذه اللحظة أن نذكر حزب الحرية والعدالة بأن العقلاء في هذا البلد لا يمكن أن ينسوا أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة برجاله الشرفاء هو الذي كتب شهادة النجاح لثورة الشعب المجيدة.. وهو الذي تصدر الصفوف واتخذ القرار التاريخي بالانحياز إلي الثورة ومطالب الشعب المشروعة. المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الذي لبي نداء الواجب عندما كان الثوار يهتفون في ميدان التحرير ويطالبون المشير بالتحرك.. ويعلو رجاؤهم "خلصنا.. خلصنا" وهو الذي أخذ علي عاتقه تنفيذ الطموحات الثورية والديمقراطية وأجري تعديلات علي مواد الدستور الاستبدادية الفرعونية.. ودعا الشعب إلي أول استفتاء حقيقي حر في تاريخنا السياسي علي التعديلات الدستورية.. وهو الذي خطط وأشرف وأمن اجراء أول انتخابات برلمانية حقيقية حرة - أيضا - في تاريخنا لمجلسي الشعب والشوري. ولا يخفي علي أحد أن المجلس العسكري وهو يفعل ذلك بضمير وطني ووفاء بوعده للشعب تحمل الكثير من الادعاءات والافتراءات والاكاذيب ممن اتهموه بالانتماء للإخوان.. وبتسليم البلد مفروشاً للتيار الديني.. وبعقد صفقة معهم لضمان الخروج الآمن. المجلس العسكري الذي انحاز للديمقراطية الحقيقية ولم يستجب لدعوات التحريض والاستفزاز لا يمكن أن يكافأ بالتشكيك في نواياه.. أو يرد له الجميل بإعلان القلق حول نزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة وإمكانية تزويرها لصالح مرشح بعينه يريد البعض فرضه علي الشعب المصري. وبكل صراحة.. إذا كان الإخوان يفكرون في مرشح للحزب أو للجماعة في انتخابات الرئاسة لمواجهة عمر سليمان فسوف يقعون في فخ خطير ينال من مصداقيتهم ويؤكد ادعاءات كثيرة تحوم حولهم بعد أن وعدوا وتعهدوا بأنهم لن يكون لهم مرشح.. وربما يكون الأفضل لهم الآن ترك الحرية لأعضائهم لاختيار المرشح الذي يرضونه دون إلزام.. ونحن جميعا نعرف أن أغلبية الإخوان وخاصة جيل الشباب يدعم عبدالمنعم أبو الفتوح الذي لم يعد عضوا بالحزب ولا بالجماعة.. وبالتالي يخرجون من المأزق الحالي دون خسائر. وإذا كانوا يتعجلون اسقاط حكومة الجنزوري وتشكيل حكومة بديلة فإن السبيل الوحيد المقبول في هذا الصدد هو الحوار مع المجلس العسكري للوصول إلي اتفاق.. خصوصاً أن حكومة الجنزوري لن تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر والحكم الآن في مصر ليس مغنما علي كل حال إذا نظرنا إليه بعين المصلحة العليا. وفي هذه الأجواء المشحونة يصبح تهديد الإخوان بإعادة إنتاج الثورة غير مفهوم وغير مقبول.. فمصر لا تحتمل مزيداً من الانقسام والصراع.. كما أن تهديد المجلس العسكري ب "تكرار أخطاء ماضي لا نريد له أن يعود" في إشارة إلي انقلاب قادة ثورة يوليو علي الإخوان في عام 1954 هذا التهديد أيضا غير مفهوم وغير مقبول لسببين: * الأول: ان مصر تغيرت ووصلت إلي قناعة عامة بأن الديمقراطية هي مفتاح الحل لمشاكلها المتراكمة ومفتاح التغيير واعتبارها حتمية تاريخية لا بديل عنها.. بالعكس فإنها - أي الديمقراطية - تأخرت كثيراً.. وبالتالي فلن تخرج الجماهير إلي الشوارع اليوم كما خرجت في 1954 تهتف بسقوط الديمقراطية والأحزاب. * والثاني: ان الذين انقلبوا علي الديمقراطية فيما عرف بمذبحة الإخوان عام 1954 لم يرحمهم التاريخ ولا يتصور أحد أن خطيئتهم هذه تصلح قدوة في القرن الواحد والعشرين. ومن ثم فإننا نقول هذا وقت الحوار والتعاون وبناء الثقة وليس وقت الصدام والصراع.. اللهم إني قد بلغت.. اللهم فاشهد.