مازلت عند رأيي بأنه ليس من مصلحة مصر ولا من مصلحة الإخوان إسقاط حكومة الجنزوري الآن وتشكيل حكومة ائتلافية بديلة بقيادة حزب الحرية والعدالة. أعرف أن هناك آراء عديدة في الداخل والخارج تدفع الإخوان وتحثهم حثا علي إسقاط حكومة الجنزوري والاضطلاع بمسئوليتهم التاريخية وتشكيل الحكومة البديلة باعتبار أن حزبهم صاحب الأغلبية في البرلمان.. وبدون تشكيل هذه الحكومة لتكون الذراع التنفيذية للحزب ولمشروعه فسوف يظل دور مجلس الشعب محصوراً في الكلام لا أكثر. وأعرف أن هناك من المعارضة من يتحدي الإخوان أن يخوضوا التجربة ويقدموا كوادرهم وكفاءاتهم للاختبار.. ومع كل ذلك فإنني مازلت عند رأيي بأن استباق الزمن وتقديم الخطي في غير مكانها وفي غير أوانها يقود الي أخطاء عديدة منها ما هو منظور ومتوقع ومنها ما ليس كذلك. من ثم.. ربما يكون الأفضل الآن بالنسبة للإخوان الاستعداد لتشكيل حكومة ما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وانتخاب رئيس الجمهورية.. وذلك بإجراء الاتصالات والمفاوضات مع الأحزاب والتيارات والشخصيات التي ستدخل معهم في الائتلاف الحكومي حتي إذا رحلت حكومة الجنزوري كانت الحكومة البديلة جاهزة.. ولا تدع ثغرة للعجلة والمفاجأة والاختيار العشوائي. من ناحية أخري فإن السلفيين شركاء الإخوان في الاغلبية البرلمانية ليسوا متحمسين علي ما يبدو لسحب الثقة من حكومة الجنزوري والدخول في صدام معها قد يؤدي إلي صدام أخطر مع المجلس العسكري ليس له مبرر ولا أحد يريده.. وهي رؤية جديرة بالاحترام وتنحاز للمصلحة العامة. ليس معني هذا بالطبع أن يقف البرلمان موقف المتفرج علي أداء الحكومة إذا كان خاطئا أو بطيئا.. بالعكس لابد أن يظل هناك ضغط من النواب يتوازي مع ضغط الشارع حتي يستقيم الأداء الحكومي وتتسارع خطي الاصلاح وتتحقق الشفافية في القرارات والاجراءات. قد أدي الضغط البرلماني في قضية قرض صندوق النقد الدولي إلي أن طالب د. عبدالشكور شعلان عضو وفد الصندوق وممثل مصر والدول العربية فيه بضرورة أن تعرض حكومة الجنزوري البرنامج الاقتصادي الذي أعدته وقدمته لوفد الصندوق علي البرلمان وجميع الأحزاب والأطياف السياسية حتي تطمئن بعثة الصندوق إلي أن المجتمع كله يرحب بهذا البرنامج. وكشف د. عبدالشكور أن حزب الحرية والعدالة ليس ضد مبدأ الاقتراض من الصندوق أو من الخارج بصفة عامة وأنه مع التعاون الفني مع الصندوق لكنه يريد دراسة الامر بعمق بشأن القرض.. وهو موقف قريب جدا من موقف حزب النور الذي طلب التفاصيل والجداول وشروط السداد. بهذه المناسبة.. اختار د. عبدالشكور ان يتحدث نيابة عن الحكومة مؤكدا تفاؤله بمستقبل الاقتصاد المصري الذي يراه أفضل من دول عربية أخري مثل ليبيا.. ومؤكدا ايضا أن الصندوق لن يفرض شروطاً علي مصر والدعم لن يمس.. ولا تخوف من صعود التيار الاسلامي علي مستقبل الاقتصاد. وأكثر من ذلك فقد قام الرجل بزيارة إلي حزب الحرية والعدالة.. وأعلن أنه سيذهب الي كل الأحزاب الأخري وأصحاب الفكر والرأي وأساتذة الجامعة انطلاقا من حرص الصندوق علي التأييد الشعبي والسياسي من مختلف فئات الشعب المصري للاتفاق الذي سيوقع مع الحكومة. وبكل صراحة يقول: المشكلة ليست في قرض ال 3.2 مليار دولار الذي سيقدمه الصندوق لمصر.. فهو مبلغ ضئيل.. ولكن الاتفاق مع الصندوق سيساعد الحكومة المصرية علي استعادة الثقة في الاقتصاد.. وسيعزز موقف مصر لدي المؤسسات والدول المانحة. قد كان واجباً أن تتفق الحكومة مع البرلمان من منطلق الشفافية علي البرنامج الذي سيقدم إلي صندوق النقد حتي تكون المعلومات متاحة ويكون البرلمان مطلعا ومسئولا عن الاتفاق الذي سيوقع مع الصندوق.. خصوصا ان حكومة الجنزوري تدرك كما ندرك جميعا ان دورها سوف ينتهي قريبا وسوف تذهب السلطة إلي حكومة أخري. ليس هذا وقت المنافسة أو وقت التكويش علي السلطات.. وإنما وقت التعاون والتكاتف.. فالمشاكل في مصر أكبر وأعتي من أن يتحملها فصيل واحد.. لا الحكومة ولا البرلمان.. الحل الذي سيصل بسفينة الوطن الي بر الأمان هو أن تجتمع الكلمة وتتسع دائرة الحوار والتعاون.. وتتسع الصدور.. وننسي جميعا حكاية. "أنا ومن بعدي الطوفان".