ليس حباً في الفيلم الإيراني. وإنما كره في إيران. عندما فاز فيلم "انفصال" بجائزة الأوسكار في فبراير الماضي متفوقاً علي الفيلم الإسرائيلي "هوامش" كانت قناعتي ومازالت أن للجائزة مبرراتها السياسية. وكذلك معظم جوائز الأوسكار الممنوحة بشكل خاص للفيلم الأجنبي. الفيلم الإيراني للمخرج أصغر فار هادي يتناول العلاقة الزوجية والمشكلات التي تواجه اثنين يعيشان داخل إيران. بينما يفكران في الحياة خارجها. وخارج المؤسسة الزوجية في مجتمع يحاصر الحريات ولا يعترف بالمساواة أو حقوق المرأة. فضلاً عن الإسقاطات الأخري التي تضع إيران في خانة البلد الطارد لأبنائه. والخانق لمن يعيشون بداخله. والمحاصر للفن وللثقافة. وفي الكلمة التي ألقاها المخرج أثناء تسلمه الجائزة في الحفل الذي شاهده الملايين عبر الأقمار. قال المخرج: إنه يتمني أن يؤدي هذا الفوز إلي جذب الانتباه إلي الثقافة الإيرانية الأخري التي تتواري تحت التراب الثقيل للسياسات الإيرانية. لم نشاهد الفيلم هنا في القاهرة لأنه حسب ما عرفت أنه منع من العرض دون أن نفهم أسباب المنع. اللهم إلا لكونه عملاً إيرانياً. وقد يكون الفيلم جديراً بالفوز. وأنه أفضل من الفيلم الإسرائيلي. ولكن فوزه ليس انتصاراً علي إسرائيل. وإنما كجزء من معاداة إيران التي تتربص بها إسرائيل وأمريكا. فالسياسة الأمريكية التي أذلت الحريات في بلدان كثيرة من العالم بدعمها للديكتاتوريات التي حكمت هذه البلاد وقيادتها للثورات المضادة في أي بلد ينشد الحرية أو يقوم بثورة ضد عملائها لا يجعلنا نعتقد في شفافية الجائزة وهوليوود وأفلامها. وسياساتها ليست بأي حال منفصلة عن السياسات الخارجية للإدارة الأمريكية. وليس معني ما أقوله إنني مع سياسات القمع سواء في إيران أو غيرها. ولكنني ضد سياسة أمريكا. وأراها "الغول" و"الإرهابي" الأعظم وسبب جميع العلل والكوارث فوق هذا الكوكب. ولا يجب أن نغفل السيناريوهات المحكمة جداً التي تضعها الإدارة الأمريكية وتنفذها الأجهزة والمؤسسات والقوي الرهيبة المنتشرة علي طول امتداد خريطة العالم. وفي تصريح آخر للوكالة الفرنسية عبر المخرج فار هادي أنه بصدد عمل فيلم جديد في فرنسا. ولكنه أبداً لم يفكر في الهجرة من إيران. وليس مستعداً أن يستبدلها بأي بلد آخر. والفيلم ليس بعيداً عن معارك السياسة والأفكار والحرية. يوم الإثنين الماضي حين قررت جماعتان سينمائيتان في إيران وهما: "مركز المخرجين الإيرانيين" و"المجلس الأعلي للمنتجين السينمائيين الإيرانيين" إقامة احتفال بسيط يعبرون فيه عن امتنانهم للمخرج ولفيلمه "انفصال" بسبب الإنجاز العظيم الذي حققه للسينما الإيرانية. رفضت السلطة السماح بهذا الاحتفال ربما لأن الحفل سيكون مناسبة للخوض في قضايا تتجاوز موضوع الفيلم وفي مقدمتها حرية التعبير والحريات الممنوحة للمثقف. وللسينمائي الذي يدفع ضريبة قاسية تصل أحياناً إلي حد السجن لو تجاوز الخطوط الحمراء. إن العمل من أجل انتزاع الحرية ينبغي أن يكون عقيدة وإيماناً لا يتزعزع لأنها شمعة الحياة وخبزها أيضاً. ولكن ليس بالاستقواء بالخارج. وليس بالتحدي العصبي والشرس للثوابت حتي لا تقف ضده السلطات فقط. بل أيضاً الناس. علينا للحصول علي هذه الحرية وأعني بشكل خاص "حرية التعبير" أن نعمل أولاً علي تغيير الناس بمحو أميتهم. وبالتثقيف والوعي والإقناع بقيم التقدم وهي معركة تطول. ومن المهم أن نبدأها بالثورة علي التخلف والظلم والاستمرار دون كلل لتحقيق الحرية المنشودة.