لم تحتل صورته المكانة اللائقة به علي صدر الجرائد.. ولم تكتب فيه مقالات التقريظ والثناء.. بل لم تأت بعض الصحف علي ذكره مطلقاً.. والبعض الذي ذكره اكتفي بخبر وفاته وجنازته في صفحة الحوادث.. لم تتحدث باسمه برامج التوك شو.. ولم تخرج المظاهرات تهتف له.. رغم أنه شهيد.. شهيد ورب الكعبة. اتحدث عن ضابط الشرطة البطل الشاب إكرام محمد الناجي الذي استشهد وهو يؤدي واجبه تجاه وطنه وشعبه ومجتمعه.. دفع حياته وهو يدافع عنا جميعا.. ويواجه الشر الذي يهدد أمننا واستقرارنا. خرج البطل الشهيد علي رأس قوة لضبط أحد الخارجين علي القانون بقرية حجازة مركز قوص بمحافظة قنا ويدعي محمد حسن عيد متهم هارب في جناية قتل عمد واحراز سلاح ناري بدون ترخيص.. وأثناء القبض عليه كان الضابط الشهيد في مقدمة المواجهة ففاجأه المتهم بفتح طفاية حريق في وجهه ثم أطلق عليه وابلا من الرصاص اخترق أسفل الابط واستقر في القلب. نموذج مثل هذا الضابط الرائع كان يجب ان تحتفي به وسائل الاعلام.. وتسعي لتكريمه.. وتخرج المظاهرات اعلاء للقيمة التي وهب حياته لها.. أداء الأمانة بشهادة ورجولة ووطنية.. حتي نسترد ثقتنا في أنفسنا وفي شبابنا وفي جهاز الشرطة الوطني الذي ظلمناه بكثير من التعميم والسطحية.. ونسينا في هوجة الظلم أن ضباطه وجنوده هم اشقاؤنا وأبناؤنا.. واننا حين نظلمهم فاننا في الواقع نظلم انفسنا. في زمن التناحر السياسي والمطالب الفئوية والتكالب علي المناصب والامتيازات والسباق الرهيب للفوز بالتمويل المحلي والأجنبي والانفلات الأمني والاخلاقي عندما يستميت ضابط شاب في أداء واجبه ويقدم روحه فداء لهذا الواجب فقد كان علينا جميعا ان نتوقف كثيرا أمام هذا المعني لنتعلم.. ويتوقف الحريصون علي الدنيا من الشباب والعجائز ليأخذوا العبرة. كان يجب أن يكون استشهاد الضابط إكرام محمد الناجي فرصة للعودة بهذا المجتمع إلي العقل وإلي القيم الأصيلة.. وكان يجب أن يكون استشهاده إلهاما لكل صاحب مسئولية وحامل أمانة.. لكل موظف وعامل وجندي وضابط.. أن يتقي الله عز وجل في الأمانة التي في رقبته والمسئولية التي يتولاها.. والوظيفة التي يقوم عليها.. لكننا- للأسف- تغافلنا وسهونا ونسينا.. ومر بنا الحادث كأن لم يكن. لقد ظهر الضابط الشهيد مثل طاقة نور في ليلنا المظلم.. وكان يجب أن يضيء هذا الليل ويكشف سوءاته ويرد الينا الروح.. جاء في زمن عز فيه النموذج وعزت فيه القدوة.. وصار كل شخص يبحث عن المقابل الذي سيحصل عليه قبل أن يقدم العمل ويؤدي الأمانة.. لكننا لم نعطه حقه.. ولم ننتهز المناسبة الجليلة لكي نحيي شعيرة العطاء من أجل الوطن ومن أجل الناس. أبناء قريته "عطف افوه" ببني سويف هم الذين خرجوا بالآلاف لتشييعه إلي مثواه الأخير مع ابناء القري والنجوع المجاورة.. وقادة وزارة الداخلية هم الذين ذهبوا إلي هناك لكي يتقدموا الجنازة ويؤدوا واجب العزاء.. كانوا يريدون أن تكون الجنازة رسمية لكن الجماهير الغفيرة التي تقدر قيمة الشهادة وقامة الشهيد فرضت رأيها فجاءت الجنازة شعبية مهيبة. كان الشاب إكرام يستعد للزواج العام القادم.. وكانت أسرته التي تعيش في القاهرة تنتظر عودته علي أحر من الجمر لكنه ذهب إلي ربه ملفوفا في علم مصر.. مصر التي لا يعرف كثير من مدمني الشعارات والهتافات قدرها إلا بوزن ما يحصدون من المكاسب. ارجع يا بني إلي ربك راضيا مرضيا واتركنا في هذه الدنيا التي لا تزن عند الله جناح بعوضة.. ارجع إلي ربك حيث الرحمات والبركات وجنة الخلد والفردوس الأعلي ان شاء الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وحسن أولئك رفيقا. وعزاؤنا لوالديك ولأسرتك وللشرطة المصرية أنهم قدموا لهذا البلد رجلا عظيما شهما شجاعا.. وقدموا شهيداً لا يموت بقيمه وسموه وجلال عطائه وانما سيظل حيا عند ربه وفي قلوب المصريين الوطنيين.