عاجل - سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الاثنين 18-8-2025 في البنوك    «الإحصاء»: 6 حالات إشهار الإفلاس خلال عام 2024 مقابل حالة واحدة 2023    إزالة 39 حالة تعدي على أراضي زراعية فى أسيوط    قافلة المساعدات الإنسانية ال17 من مصر إلى غزة تدخل القطاع عبر معبر رفح    "نؤمن بالانتصار بوجودكم".. رسالة من شيكابالا لجماهير الزمالك بعد التعادل أمام المقاولون    خبر في الجول - معروف لم يرسل تقرير إضافي بإدانة هاني.. والعقوبة المتوقعة    الجهاز الفني للزمالك يستقر على مهاجم الفريق في لقاء مودرن سبورت    ضبط مدير مكتبة بحوزته 18 ألف كتاب خارجي بالمخالفة للقانون    "صيف بلدنا" ببورسعيد يواصل لياليه باستعراضات متنوعة لفرقة المنيا للفنون الشعبية|صور    وزير الخارجية: مصر بقيادة الرئيس السيسي لن تدخر جهدا في دعم صمود الشعب الفلسطيني    "ذا ناشيونال": مصر وقطر يعدان مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    الوادي الجديد تعتمد النزول بسن القبول في المدرسة الدولية "IPS"    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    بروتوكول بين "البحوث الزراعية" والكلية الفنية العسكرية لإنتاج الأسمدة البوتاسية محليا    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    ضبط أطراف مشاجرة بالسلاح الأبيض في المقطم بسبب خلافات الجيرة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    غرق شاب بأحد شواطئ مدينة القصير جنوب البحر الأحمر    استشهاد 4 فلسطينيين بينهم طفلة بعد قصف إسرائيلي لمدينة غزة ومخيم النصيرات    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    إيرادات أفلام موسم الصيف.. "درويش" يتصدر شباك التذاكر و"روكي الغلابة" يواصل المنافسة    "ماتقلقش من البديل".. حملة لرفع وعي المرضى تجاه الأدوية في بورسعيد    من 5 فجرا إلى 12 ظهرا.. مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    إصابة عامل في حريق شقة سكنية بسوهاج    «وقف كارثة بيع قطاع الناشئين».. نجم الزمالك السابق يثير الجدل بتصريحات قوية    وزير الرياضة ورئيس الأولمبية يستعرضان خطط الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    ريهام عبدالغفور عن وفاة تيمور تيمور: «كنت فاكرة أن عمري ما هتوجع تاني»    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    استشاري مناعة: مبادرة الفحص قبل الزواج خطوة أساسية للحد من انتشار الأمراض    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    جامعة مصر للمعلوماتية تستضيف جلسة تعريفية حول مبادرة Asia to Japan للتوظيف    حلوى باردة ومغذية فى الصيف، طريقة عمل الأرز باللبن    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    وفاة عميد كلية اللغة العربية الأسبق ب أزهر الشرقية    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر وأنا ..وجها لوجه للمرة الأولي "3 "
نشر في المساء يوم 10 - 03 - 2012

اتاحت ظروف عمل المفكر والكاتب الكبير عبده مباشر في بلاط صاحبة الجلالة لأكثر من نصف قرن فرصا للاقتراب من رؤساء مصر الثلاثة ناصر والسادات ومبارك.. وعن الظروف والاسباب يكتب مجموعة من المقالات يكشف فيها الكثير من الاسرار والخفايا التي كانت تجري في الشارع الخلفي بعيدا عن الأضواء.. وعلي هذه الصفحة تنشر "المساء الأسبوعية" مقالات الكاتب الكبير.
بعد ان تمكنت من اجراء حديث مع الملك فيصل قرر التعجيل بالعودة إلي القاهرة سعيا وراء نشره وقطف ثمار هذا النجاح فالحديث كان الأول للملك منذ اللقاء مع الرئيس جمال عبدالناصر بمدينة جدة في اغسطس عام 1965 والذي تم تتويجه بتوقيع اتفاقية لانهاء المشكلة اليمنية التي استنزفت موارد مصر الاقتصادية وتحولت إلي مستنقع كبير لمصر وقواتها المسلحة وبالرغم من ان اللقاء مع مسئولين سعوديين آخرين إلا ان التعجيل بنشر حديث الملك هو الأكثر جدوي.
وبتعجيلي العودة كنت اعرف انني سأفتقد الصحبة الجميلة للفنان سعد عبدالوهاب جاري في الفندق وكان قد قرر تجربة حظه في السعودية بعد نجاحه في مصر وكنا نجتمع احيانا في المساء مع عدد من اصدقائه من البيت السعودي وغيرهم من نجوم المجتمع في جدة من المصريين والسعوديين وبمثل هذه الصحبة تضاءلت مشاعر الغربة طوال فترة الزيارة.
وخلال هذه الفترة كان من الصعوبة بمكان إجراء اتصال تليفوني واملاء الحديث أو أي تقارير صحفية كما ان ارسال المادة الصحفية بالفاكس لم يكن متاحا لأنه لم يكن قد تم التوسع في استخدامه مثلما هو الحال الآن ومع أنه كان في امكاني اللجوء إلي السفارة المصرية لارساله عبر شبكتها اللاسلكية إلي مقر الوزارة بالقاهرة ومنها يتم ارساله إلي الجريدة إلا انني لم أكن أريد للسفارة ان تعرف بما دار بيني وبين الملك السعودي. لذا كانت العودة هي الاختيار الأنسب.
وكنت أحمد الله سرا وعلنا علي لقاء الملك السعودي والفوز بهذا الحديث ولأنه وفقني إلي انجاز يجعلني اشعر انني لم أخذل هؤلاء الاساتذة والزملاء الذين رشحوني بالإجماع في مجلس التحرير للسفر في هذه المهمة ووفقا لما اجريته من حسابات رأيت ان الحديث صالح جدا للنشر بل يعد خبطة صحفية كبيرة خاصة ان ما ورد علي لسان الملك فيصل من مديح وتقدير للرئيس جمال عبدالناصر يعد قوة مساندة لفكرة النشر ومثل هذه الحسابات كانت تفتقد للخبرة الصحفية والفهم الجيد لمجريات الأمور والأهم فهم شخصية الرئيس عبدالناصر بكل عمقها وابعادها وجوانبها الظاهرة والخفية.
كان العود مازال أخضر وقد تغلب الطموح والحماس علي ما أجريته من حسابات أما حسابات مصطفي أمين فكانت أكثر عمقا وابعد ادراكا فقد توقع ان الرئيس سيكون له موقف آخر والاحتمال الأرجح ان لم يكن المؤكد انه سيرفض نشر مثل هذا الحديث.
وكان مصطفي "بك" علي بينة من ان ما جاء علي لسان الملك سيضيء للرئيس ابعادا كانت خافية عليه وسيكشف له جوانب جديدة في شخصيته بالاضافة إلي ازاحة الستار عن صور من حنكة فيصل.
أما صورة الملك العف اللسان المتسامح الذي يتجاوز عن الاساءات التي نالت منه علنا والتي وردت في خطب الرئيس عبدالناصر ومنها "ننتف ذقنه" ويزجي المدرع في الوقت نفسه لمن اساء إليه ويلتمس له الأعذار فقد رأي مصطفي أمين بخبرته وفطنته وحصافته وذكائه انها تدعم صورة الملك فيصل لدي المصريين والعرب وتضيف إليها عددا من الصفات الايجابية وان ذلك سيكون خصما من رصيد عبدالناصر ومن ثقة الجماهير فيه كما ان النشر سيجعل من المقارنة بين من يشتم ومن يمدح ومن تجري علي لسانه الألفاظ النابية والملك العف اللسان وهذا ما لا يريده الرئيس المصري حرصا منه علي صورته الجماهيرية ومكانته وايضا علي سياسته وتوجهاته التي تتصادم مع سياسة الملك والمملكة.
لذا قرر ارسال الحديث كما كتبته يطلع عليه عبدالناصر ويقرر ما يراه. كنت جالسا علي مقعد أمام مكتب مصطفي أمين وأحاول ان اقرأ ملامح وجهه وهو يقرأ ما كتبت في احيان كنت أراه مندهشا وأحيانا أخري ينظر إليّ نظرة سريعة مشفقا عليّ ومرة أخري معجبا بتلميذه وفي النهاية قال بعد ان ابدي اعجابه بما كتبت. انه يجب ان يرسل الحديث للرئيس عبدالناصر وطلب مني ألا اغادر المبني دون ان أخبره واستجبت لطلبه وظللت اترقب نتائج ارسال الحديث للرئيس بقلق وتوتر وخوف وكنت اتساءل وأين الخطأ؟
تبخرت وبسرعة احلام النشر وتبعثرت ثمار الانجاز ولم يبق سوي الوساوس والمخاوف واستعدت ما كتبت مئات المرات ولم أجد سببا لما أعانيه من مخاوف ولكن القضية ليست ما أراه بل ما يراه عبدالناصر وبعد فترة وجدت اصواتا كثيرة تنادي عليه "مصطفي بيه عايزك" فصعدت إلي الدور التاسع حيث يوجد مكتبه وما ان فتحت الباب حتي طلب مني التوجه بسرعة إلي مكتب الرئيس بمنشية البكري.
وطوال الطريق تناوشتني المخاوف وتعددت سيناريوهات هذا الموقف الذي لم اتوقعه ولم احسب له حسابا وكنت بين الحين والحين اطمئن علي وجود شريط التسجيل الخاص بالحوار في جيبي ووجود فواتير الاقامة في كل الفنادق التي اقمت بها خلال هذه الزيارة سواء في جدة أو الرياض أو المدينة وكنت احمد الله علي انه ألهمني ان اشتري جهاز تسجيل قبل لقاء الملك واستئذان الملك في تسجيل الحوار فعملية التسجيل والاعتماد عليها في الكتابة وعدم الخروج عنها والاعتماد دائما علي ما قاله الملك حرفيا ستؤكد انني قابلت الملك وان الحوار كما كتبته موجود ومسجل كما ان الفواتير ستدحض أية ظنون أو شكوك حول الزيارة وفي النهاية لم أجد أفضل من التسليم لله وقراءة القرآن.
وعندما وصلت منشية الكبري مررت بأسوار الأمن الذي كان لديها نبأ عن وصولي ومن صالة أو مكتب انتظار إلي مكتب آخر إلي أن وصلت إلي مكتب سكرتير الرئيس الذي استقبلني بجفوة واضحة وبعد قليل أي بعد ان فرغ من النظر في أوراق أمامه والرد علي عدة مكالمات تليفونية تحدث إلي مهاجما الحديث الذي اجريته مع الملك فيصل بقسوة ومتهما من يفعل ذلك بخدمه السياسة السعودية المعادية لمصر والرئيس جمال.
كان يتحدث وهو يضغط علي الحروف والكلمات ثم تساءل عن الأسباب التي دفعتني إلي ذلك؟ ولماذا ذهبت أصلا إلي هناك؟ ووصل الموقف إلي ذروته عندما قال ان السعودية علي استعداد لدفع الكثير من المال لكل من يقف موقف العداء من الرئيس جمال وأثرت الصمت وان تساءلت بيني وبين نفسي أهذا هو أول القصيدة؟! وظللت اتقلب علي جمر القلق والغضب مما قاله سكرتير الرئيس وكثيرا ما فكرت في الرد علي هجومه إلا ان الأمر لم يتجاوز حدود التفكير وبعد فترة لم تطل طلب مني هذا السكرتير ان اتوجه إلي مكتب "سيادة الرئيس".
وبعد أن دلفت من الباب وجدت نفسي أمام الرئيس مباشرة. صافحني الرجل وهو ينظر بعينيه النافذتين في عيني وكأنه يحاول قراءة ما افكر فيه.
الرجل قوي الشخصية بلا جدال ويمتلك قوة حضور طاغية ولكنه آسر وقادر علي السيطرة علي افكاره ومشاعره وبود شديد وضع يده اليمني علي كتفي اليسري ومدها لتصل إلي الكتف اليمني وتبينت ان طول قامته ساعده في السيطرة علي قدرتي علي الحركة وبشكل يتيح له ضبط خطواتي وبدأ في السير بخطي بطيئة داخل حجرة المكتب وطلب مني ان أحكي له قصة لقائي بالملك منذ البداية.
وبدأت أحكي منذ لحظة قرار مجلس التحرير الذي لم أحضره بسفري إلي السعودية لمتابعة الموقف في أعقاب اتفاقية جدة وقد حدث ذلك دون طلب مني بأي صورة من الصور بل ولم يكن الأمر مطروحا أمامي لكي أفكر فيه أو أطلبه وقلت له.. ربما شجعهم علي ذلك ما حققته من نجاح في عملي كمحرر عسكري بالاضافة إلي نشاطي خارج هذا المجال.
ثم قصصت عليه قصة التأشيرة التي تأخرت من شهر اغسطس حتي شهر ديسمبر 1965 إلي أن وصلت إلي اللحظة التي وجدت نفسي فيها واقفا وحدي أمام مدخل القصر الملكي بالرياض وسردت بالتفصيل كيف دخلت القصر وسرت في ردهاته وممراته إلي أن وصلت إلي اللحظة التي دخلت فيها مكتب الملك وكيفية اجراء الحديث وظل الرئيس واضعا يده علي كتفي بمودة شديدة ونحن نقطع حجرة المكتب سيرا علي الاقدام في خط دائري وبعد ان وصلت إلي النهاية طلب مني ان اعيد عليه ما حدث مرة أخري ثم طلب ذلك للمرة الثالثة.
كان الرجل يستمع بتركيز شديد ونادرا ما ندخل بسؤال استفساري.
وكان كلما طلب ان أروي له القصة أرويها بحماس وان خمنت انه يبحث عن ثغرة أو تناقض أو تعارض فيما أرويه يمكنه منها ان يحطم روايتي ويكتشف كذبي لو كنت كاذبا بعدها توجه للجلوس إلي مكتبه واشار إلي أن أجلس ثم أمسك بالأوراق التي كتبت عليها حواري مع الملك وسألني عما قاله كل من الأمير عبدالله الفيصل والمستشار كمال ادهم فذكرت له ما قالاه بالتفصيل وردي عليهما ثم سألني ولماذا رويت للملك ما قالاه. ولماذا سألته عن ذلك؟ فقلت للرئيس لقد أردت ببساطة ان يعرف الملك انني التقيت بشخصيتين هامتين في المملكة وان لهما موقفا سلبيا وسيئا تجاه النظام والرئيس المصري وانهما لم يتورعا عن اعلان ذلك أمامي كصحفي مصري كما أردت ان اسمع رده علي ذلك فسألني عما إذا كنت قد شعرت بالخوف في أي لحظة خاصة وانني وحدي هناك فأجبت بأنني كنت أؤدي عملي بكل ما يفرضه عليّ من مسئوليات والنزامات ولم افكر في الخوف اطلاقا ولو كنت قد خفت لما رددت عليهما فورا ولما نقلت ما قالاه للملك.
ثم سألني عما إذا كنت وصلت إلي مكتب الملك دون ان يعترضني أحد فعلا أو حتي يسألني من أنا؟ أو إلي أين أنا ذاهب؟ فأكدت له ان حدا لم يستوقفني ولم يسألني وتذكرت انه حتي مدير مكتب الملك لم يطلب ان يري أي وثيقة تثبت من أنا أو أين أعمل؟ وكان واضحا ان الرجال يحاول ان يكتم دهشته من مثل هذا الأمر.
بعدها سألني عما إذا كنت قد سجلت الحديث فأجبته بالإيجاب بسرعة من يبحث عن النجاة من الغرق وواصلت قائلا كما ان معي الفواتير التي تثبت ان اقمت علي حسابي طوال فترة الزيارة وسلمته شريط التسجيل والفواتير وبسرعة ألقي نظرة علي الفواتير ثم اعادها لي ثم قال سنسمع معا الحوار ووضع الشريط في جهاز تسجيل كان موجودا بجواره وبدأ يستمع لنص الحوار وفيما بين الحين والحين يوقف الاستماع ويسألني عن رد فعل الملك وملامح وجهه فأجيب بأمانة وبقدر ما تسعفني الذاكرة ومرات أخري أوقف شريط التسجيل ليستفسر عن فقرة أو جملة ما وكنت استرسل في الحديث حتي يدرك ويقتنع انني لا أخفي شيئا وبدا ان الرئيس قد عرف كل ما كان يريد ان يعرفه وانه وجد اجابات لكل الشكوك التي دارت بخلده.
وخلال استماعه للفقرة التي اخبرت فيها الملك فيصل بأن ابنه وصهره سيعملان علي ان يركع عبدالناصر وانني قلت لهما انه لن يركع. ابتسم ابتسامة رضا وكان واضحا انه يقدر جيدا الموقف الذي كنت فيه ومع ذلك لم اتردد في ان اعلن رأيي ولكنه لم يتوقف ليسألني. لقد سألني من قبل وسمع مني اجابة وربما لو سأل مرة أخري لقلت له انني كنت ادافع عن رئيس مصر وعن رمزها في تلك اللحظة ولم أكن ادافع عن شخص الرئيس بل عن مكانه ومكانته.
ووصل عبدالناصر إلي ما يريد فابتسم في النهاية وهو يشكرني علي شجاعتي وأمانتي ثم بدأ يسألني عن عملي وعن دراستي فأدركت انه طلب معلومات عني قبل ان يستقبلني ثم قال ان الحديث عمل صحفي ممتاز وخاصة لصحفي في سنواته الأولي واستطرد قائلا انني تحدثت وحاورت الملك فيصل كصحفي فاهم شغله" وبالرغم من كل ما فعله الرئيس لبث الاطمئنان في قلبي منذ اللحظة التي دخلت فيها مكتبه لمرة الأولي في حياتي فإنني لم اشعر بالاطمئنان حقيقة إلا وهو يوجه لي الشكر ومع ذلك كان هذا الاطمئنان مشوبا بالحذر.
ثم سألني عما إذا كنت سأحزن كثيرا إذا لم ينشر هذا الحديث فأجبته قائلا ان مصالح مصر أهم من أي حديث صحفي فقال انه يري عدم نشره ثم اخبرني انه سيحتفظ بالشريط وعندما وقف ايذانا بانتهاء اللقاء ومد يده ليصافحني مودعا سألته وإلي أين سأذهب؟ فابتسم وعلي وجهه ملامح حيرة وسألني ماذا أقصد؟ فقلت له ان بعض الزملاء في الجريدة قد قالوا لي وأنا في الطريق إلي سيادتك انهم سيشترون لي خبزا وحلاوة فضحك الرجل وقال هذه المرة ستعود إلي عملك ومنزلك وضحك من جديد.
ووجدت الفرصة سانحة لأخبره ان سكرتيره قد أوقع الرعب في قلبي ربما بصورة اكثر من زملائي بالعمل قبل ان انال شرف اللقاء فاستوضح الأمر فرويت له ما قاله سكرتيره فاتصل به طالبا حضوره وسأله بغضب واضح عما إذا كان قد قال ذلك؟ فصمت الرجل فوبخه توبيخا شديدا ووجه له اللوم وقال له ان الاستاذ عبده أدي عمله بوطنية وبكفاءة وشجاعة ولو ان الكل فعلوا مثله لتغيرت الصورة كثيرا ثم أمر بأن اعود إلي جريدة الاخبار في سيارة من سيارات الرئاسة وادركت في هذه اللحظة انني كسبت عدوا قويا بمكتب الرئيس وان الرجل لن ينسي ولن يغفر ذلك ابدا.
وبعد ان خرجت إلي شارع الخليفة المأمون سألني السائق إلي أين؟ وبسرعة طلبت منه التوجه إلي فندق شبرد فلم اكن اريد العودة إلي الجريدة قبل ان ارتب افكاري ولقد كنت اتردد علي صالة فندق شبرد القديمة لاحتساء الشاي وسماع عزف البيانو والكتابة أو القراءة ولم يكن الأمر يكلف سوي أقل من 25 قرشا وقت ذاك وبهذا القرار تجنبت اسئلة السائلين واسفتساراتهم.
ورأيت بعد اعادة النظر في الأمر انه ليس من حقي ان ابوح لأحد بما قاله الرئيس لي لأنه أمر يخصه وليس من حقي افشاؤه ولكن كان من الضروري الاتصال بمصطفي أمين لابلاغه بأن الرئيس قرر عدم نشر الحديث وانني سلمته شريط التسجيل وطوال الايام التالية تعمدت البقاء بعيدا عن دار اخبار اليوم وعن منزلي تجنبا لأي اسئلة من أي كان واغتنمت الفرصة لتكثيف نشاطي بالقوات المسلحة وزيارة اكبر عدد ممكن من القادة خاصة خارج القاهرة.
وخلال الايام التالية للقاء الرئيس عبدالناصر تذكرت علاقتي التي توثقت خلال النصف الأول من الستينيات بالمشير عبدالحكيم عامر وان مثل هذه العلاقة لا يمكن ان تغيب عن عبدالناصر وسنثير أمامه الكثير من علامات الاستفهام وقلت ربما اسهمت هذه العلاقة في مضاعفة شكوك عبدالناصر في الحديث الذي أجريته مع الملك فيصل خاصة إذا اقتنع انني من معسكر المشير عامر وكان الرجلان قد اختلفا بعد الانفصال السوري عام 1961 وتحول الاختلاف إلي صدام عندما قرر الرئيس عبدالناصر تشكيل مجلس للرئاسة عام 1962 يضم بجانب المشير عددا من اعضاء المجموعة اليوليوية والسياسيين المدنيين وبما كان يعني ان المشير لم يعد نائبا أول لرئيس الجمهورية ولجأ المشير إلي الاختفاء في مرسي مطروح وقرر قادة الافرع الرئيسية من كبار القادة التوجه إلي مرسي مطروح والبقاء بجوار المشير.
وكان يسيرا ان يفهم عبدالناصر ان ما جري هو انقلاب عسكري سلمي عليه وان القوات المسلحة قد انحازت إلي المشير في الصراع الدائر بينهما فقرر التراجع عن موقفه وألغي مجلس الرئاسة وعمل علي استرضاء المشير وتقاسم معه النفوذ والسلطة وتساوي كلاهما في المخصصات المالية التي يحصلان عيها وبما يؤكد للجميع انهما في مستوي قيادي واحد.
وبما ان الرئيس كان يحاط علما بعلاقات المشير عامر ويعرف كل من يتردد عليه وبما انه طلب معلومات عني قبل ان يستقبلني فقد رأيت ان ذلك ربما ضاعف من شكوكه قبل ان يراني ويسمع مني وربما كانت محاولته للعثور علي ثغرة في روايتي انعكاسا لهذه الشكوك وربما لم يكن الأمر كذلك ولكنني فكرت فيها كمجرد احتمال.
المهم ان المحصلة النهائية ان الرئيس تأكد من حسن نيتي وإلا ما شكرني بهذه الحرارة وكان الأمر فرصة سنحت لكي يعرفني الرئيس شخصيا. هذه المعرفة وبالصورة التي تمت بها تركت بصماتها علي كل ما جري بعد ذلك من احتكاك مباشر أو غير مباشر بيننا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.