أسوأ ما حدث في أزمة سفر المتهمين الأجانب الأمريكيين تحديداً في قضية منظمات التمويل الأجنبي هو اغتيال الشفافية والثقة والمصداقية.. وهو المثلث الذي تصورنا أننا فزنا به كإحدي الثمار العزيزة الغالية لثورة 25 يناير. لقد عمدت القيادة المصرية إلي أن تعطينا درساً قاسياً تقول فيه بكل وضوح إن دولتنا الجديدة التي فرحتم واستبشرتم بها.. وتخيلتم أنها تقوم علي احترام إرادة الشعب وكلمته ومشاعره تعاملت مع ملف منظمات التمويل الأجنبي بالضبط كما كانت تتعامل دولة مبارك.. تتحدث عن الشفافية ولا تمارسها.. وتجد لذتها في أن تفاجئكم بالقرارات والاجراءات وتأخذكم علي غرة.. لأنها لا تثق في قدرتكم علي أن تعرفوا الحقائق وتتحملوا المسئولية. وأقصد بالقيادة المصرية هنا كل من له أدني علاقة بالقرار وخيوط اللعبة المتشابكة.. المجلس العسكري وحكومة الجنزوري والبرلمان المنتخب.. وربما أطراف أخري كان لها إسهام في الصفقة التي تمت من وراء ظهورنا وآثرت الصمت حتي تتركنا نضرب أخماساً في أسداس. كل هذه الأطراف تكاتفت في الواقع لتخفي عنا الحقيقة.. إدراكاً منها أننا شعب قاصر.. وأن ولي أمرنا وكفيلنا وزعيمنا أياً كان اسمه لابد أن يتحمل عنا المهام الجسام.. ومن ثم فقد آثرت هذه الأطراف ألا تكشف عن الدوافع والمبررات لما حدث مثل أي حكومة محترمة تتعامل مع شعب حر.. في دولة ديمقراطية. كان هناك اصرار علي أن يتركونا تائهين هائمين ونحن نشاهد فيلم الرعب.. ونعتمد في تفسيراتنا لما يحدث علي تخمينات وتكهنات.. وفي أفضل الأحوال علي تسريبات من هنا وهناك قد تكون صادقة أو كاذبة. ليس المهم الآن أن ما حدث من تطورات أدت إلي سفر أو تهريب المتهمين الأمريكيين والأجانب جميعاً كان صائباً أو خاطئاً.. ليست هذه هي القضية.. فكل اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ.. لكن القضية التي يجب أن نقف عندها وقفة احتجاجية قوية ولا نتركها تمر حتي لا تتكرر هي تجاهل الشعب وكلمته.. والتعتيم علي الاجراءات الخطيرة حتي تنتهي بسرعة ويسافر المتهمون. هل نحن نستحق ذلك من قادتنا؟!.. وهل هؤلاء القادة مازالوا مؤمنين بعدم أهليتنا للمعرفة والمشاركة في القرار مثلما كان يؤمن مبارك ورجاله؟!.. ومازالوا مؤمنين بأن القرارات التي تتخذ في الغرف المغلقة هي الأفضل لمصلحتنا باعتبارنا غير جديرين بأن نعرف أين تكمن مصلحتنا؟! إن طلب الغاء قرار منع سفر المتهمين كان يمكن أن يقدم في وضح النهار ويقضي به القاضي في وضح النهار.. أو يتنحي القاضي ويأتي غيره ليفصل في الأمر في وضح النهار.. وكان لابد أن نعرف أسباب التنحي في وضح النهار.. لا شيء في ذلك.. بل كان من الأفضل والأكرم أن يسافر هؤلاء المتهمون في وضح النهار وليس خلسة كما لو كان يتم تهريبهم من وراء ظهر الشعب المصري. وبعد أن وقعت الواقعة.. وتم المراد.. راح أعضاء مجلس الشعب يتساءلون عما حدث.. ويقدمون استجوابات وطلبات إحاطة.. كما لو كانوا في دولة غير الدولة.. مع أن ماحدث واضح للجميع.. عملية استغفال كاملة للشعب.. وإهانة كاملة للشعب.. وتحقير كامل للشعب.. والغريب أن أحداً لم يعتذر.. ولم يتقدم ببيان واضح يكشف فيه الحقائق حتي الآن. لقد قتلوا روحنا المعنوية.. وقتلوا عزتنا وكرامتنا.. وذكرونا بأننا مجرد متفرجين في لعبة ليست من اختصاصنا ولا يجب أن يكون لنا دور فيها.. وبأننا يمكن أن نشارك في انتخابات نزيهة نعم.. لكن هناك ملفات وقضايا فوقية ستظل بعيدة عن متناول أيدينا. لماذا لم يسارع المجلس العسكري بإعلان تفاصيل الصفقة.. ويقول للناس كما تردد أننا تعرضنا لضغوط أمريكية هائلة لإنهاء الأزمة وتلقينا تهديدات حقيقية لضربنا.. وأننا اخترنا أخف الأضرار ليسافر المتهمون علي أن تستمر القضية ويصدر الحكم فيها غيابياً وفي المقابل ستحصل علي 32 مليون دولار وسيعود خمسون مصرياً في السجون الأمريكية من بينهم الشيخ عمر عبدالرحمن. وإذا كان المشير طنطاوي غير قادر علي أن يعلن ذلك بنفسه فلماذا لم يعلنه د. الجنزوري رئيس الوزراء أو وزير العدل؟!.. ولماذا لم يتم إشراك البرلمان في القرار وإعلان موافقته علي الصفقة من خلال بيان لرئيس مجلس الشعب تأكيداً واحتراماً لدور المؤسسات الديمقراطية؟! وبكل صراحة.. نحن الشعب نشعر الآن بخيبة أمل كبيرة.. وبحزن مزدوج يعمنا في المدن والقري.. حزن علي الرضوخ للضغوط الأمريكية التي انتهكت سيادتنا واستقلال إرادتنا.. وحزن علي إهانتنا وإهدار كرامتنا واسقاطنا من الحسابات التي جرت بإخفاء الحقائق عنا.. والتعامل معنا كأننا من سقط المتاع. ولأننا لا نعرف.. فإننا نتمني ألا يكون تنفيذ الصفقة قد تم علي جثة القضاء المصري النزيه الشريف.. فقد حدث ذلك كثيراً في زمن مبارك إلي الدرجة التي جعلت حلفاءه الأمريكيين يسمعون كلاماً عن استقلال القضاء واحترامه يبتسمون ابتسامة سخرية معروفة.. وكان بودنا أن تتغير هذه الصورة الكريهة بعد الثورة.. لأنه لو لم يحدث هذا التغيير فلن ترفع رؤوسنا ثانية أمام أمريكا.. ولن نسامحكم. اعتذروا للشعب فوراً.. قولوا بأعلي صوت إنكم أخطأتم في حقه.. وأن شعبكم العظيم لا يستحق أن يعامل منكم بهذه الطريقة المهينة.. وتذكروا دائماً أنكم أجراء عند الشعب ولستم زعماء ولا حكماء ولا فراعنة. إشارات : * نجحت الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية في أن تشغل كل بلد عربي بمشاكله وأزماته الداخلية حتي تنفرد إسرائيل بالفلسطينيين وتحسم خطتها لهدم المسجد الأقصي.. ناموا يا عرب.. ناموا ولا تستيقظوا. * الجسر البري بين مصر والسعودية لا يحتاج كل هذا الجدل.. نرجوكم اتفقوا.. وسيكون انجازاً حضارياً تشكركم عليه الأجيال القادمة. * كتب وائل غنيم عبر صفحته الشخصية علي موقع "يوتيوب" مخاطباً النائب محمد أبو حامد: "ارحمنا من نظريات المؤامرة".. المؤكد أن أبو حامد لن يرحمنا. * معقووول.. جريدة الوفد مازالت تكتب عن جابر عصفور أنه مفكر تنويري كبير.. ياناس الدنيا اتغيرت والحقائق ظهرت.. اقرأوا ما كتبه الشاعر حسن طلب عن المفكر التنويري في "الأهرام".. واحكموا.