* يسأل محمد عبدالحليم تاجر مصوغات ببولاق الدكرور: تنوعت الفتاوي هذه الأيام من مختصين وغيرهم تبعث علي الغرابة وتسبب بلبلة وحيرة.. بل منها ما يسبب التلاعب بالأحكام الفقهية.. فما رأي الدين في ذلك؟! ** يجيب الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر:كل من أقدم علي الفتيا. وتوثب عليها. ومدّ باع التكلف إليها. جاء بالمصائب. وأفتي بالشذوذ والغرائب. وهكذا ديدن كل من تسلّق مقام الفتيا بلا تأصيل ولاتحصيل. إن الشريعة الغراء مبنية علي الأخذ بالحزم. والتحرز مما عسي أن يكون طريقا إلي الفتنة والاختلال وفساد الأحوال. قال الله جل شأنه "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم" سورة النحل للمجترئين علي الفتيا نذكرهم بعد الآية المحكمة يقول سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم "أجرؤكم علي الفتيا أجرؤكم علي النار" حديث حسن رواه أصحاب السنن بالنظر في أقوال أئمة العلم فيما يتصل بالفتيا في دين الله عز وجل يتضح الخطر في إطلاق اللسان والخوض في دين الله تلاعبا أو تعاميا أو تغابيا! قال الإمام مالك "كان أصحاب النبي "صلي الله عليه وسلم" ورضي الله عنهم تصعب عليهم المسائل. ولا يجيب أحدهم في مسألة حتي يأخذ رأي أصحابه. مع ما رزقوا من السداد والتوفيق مع الطهارة. فكيف بنا الذين غطت الخطايا والذنوب قلوبهم. وقال القاسم رحمه الله تعالي: والله لأن يقطع لساني أحب إليّ من أن أتكلم بما لا أعلم". وقال محمد بن الحسن رحمه الله تعالي: ليس من أخلاق المسلمين الفرار من أحكام الله تعالي بالحيل الموصلة إلي إبطال الحق. ورسول الله "صلي الله عليه وسلم" يقول: لا ترتكبوا ما ارتكب يهود فاستعلوا محارم الله بأدني الحيل". مما يدعو للأسف في زماننا ظهر مخادعون بثوب الاصلاح. وبمظهر النصح والاشفاق. اتخذوا من زخارف المقال حبالا يصطادون بها ضعيف الرأي. يخوضون في الحلال والحرام بمجرد الآراء والأهواء. حتي أمست قضايا فقهية تراثية ومعاصرة يخوض فيه كل جاهل. ويتناولها كل عاطل. ويدلي فيها كل مستشرف لشهرة شعبية أو لمنصب. إن الوقاية مما تخشي عاقبته وعقوبته طريق المتقين قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتي يدع مالا يأسي به حذرا مما به بأس". إن من أصول العمل العلمي السليم أنه عند وقوع اشتباه في مسائل. وظهور معارضة ومخالفة في أدلة. يتعين علي أصحاب التخصص الفهم السليم للأدلة ورودا ودلالة ومقاصد. والبصر بالمصالح والمفاسد فيما يعرف بمآلات الأحكام وإعلاء العزائم من الأحكام. والتريث في الترخص خاصة للعوام. وإخلاص النية لله عز وجل والبعد عن الحيل والأقوال المرجوحة والآراء الضعيفة والشاذة. ومراعاة أحوال المتلقين. فليس كل ما يعلم يقال! ويجب علي غير أهل التخصص وهم كثر في زماننا مراجعة علماء الشريعة الراسخين خاصة غير المتذهبين بمذاهب اعتقادية أو حركية أو غيرها. لأن الرجوع إليهم أمان من شرك المبطلين. وتحريف المفسدين. قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لايزال الناس صالحين متماسكين ما آتاهم العلم من أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم ومن أكابرهم. فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا". والعلماء الراسخون وإن كانوا الآن ندرة أقدر الناس علي الاستنباط السليم وإعمال المرجحات وتبيان المشتبهات. ما أحوج الأمة إلي الورع في الفتيا تعظيما للدين ومراعاة لحدوده.