أمامنا ثلاث قضايا حيوية ولابد أن نسير فيها جميعاً دفعة واحدة.. لأنها مثل الأواني المستطرقة.. كل واحدة تؤدي حتماً للأخريين. القضايا الثلاث هي: المعونة الأمريكية. وقضية التمويل الأجنبي للمنظمات الدولية. واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. * بالنسبة للمعونة.. فإنه لا يشغل بالي مطلقاً إذا استمرت أوقطعت.. أو هل التهديد بالقطع موقف رسمي أم غير رسمي. كما ادعي ليونيل جونسون نائب رئيس غرفة التجارة الأمريكية. وكما قلت سابقاً فإن لدينا بدائل كثيرة ويمكننا أن نجمع ونوفر أضعاف قيمة المعونة.. وليسمح لي د.صلاح جودة مدير مركز الدراسات الاقتصادية أن أقتبس بعض كلامه وأرقامه: 1- إن لدينا 183 سفارة بواقع سفارة في كل دولة من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة. في حين أن أمريكا بجلالة قدرها لديها 73 سفارة فقط. حيث خصصت سفيراً واحداً لعدد من الدول كما هو الحال في "النمسا ولوكسمبورج وألمانيا". وأيضاً في الدول الإسكندنافية "السويد والنرويج وفنلندا". وهكذا.. هذا التقليص إذا نفذناه سوف يوفر لنا 3 مليارات دولار دفعة واحدة أي 18 مليار جنيه. وهو ما يساوي مرة ونصف المرة قيمة المعونة. 2- بند الأجور في الموازنة يقدر ب 76 مليار جنيه.. فإذا وضعنا حداً أدني للأجور 1100 جنيه وأقصي 30 ألف جنيه شاملاً كل شيء.. فإن هذا البند سينخفض بمقدار 20 مليار جنيه. مع تحقيق العدالة في توزيع الأجور. وهو مطلب شعبي كاسح. 3- بند السيارات يستهلك 13 مليار جنيه.. فإذا بعنا سيارات المسئولين وقطع الغيار الموجودة بالمخازن وتعاقدنا مع شركات خاصة لتوصيل هؤلاء المسئولين فسوف نوفر 10 مليارات جنيه. إضافة إلي عدم إهدار المال العام. 4- بند الإعلانات والحفلات إذا ألغي فسوف نوفر 15 مليار جنيه. ومن يرد من المسئولين نشر إعلان أو تهنئة أو تعزية أو إقامة احتفال فعليه أن ينفق من جيبه بطريقة "الغاوي ينقط بطاقيته".. وليس بطاقية الشعب. هذه البنود الأربعة فقط. ومن المؤكد أن هناك بنوداً أخري تجعلنا نوفر 63 مليار جنيه. بما يساوي 10.5 مليار دولار. أي خمسة أضعاف المعونة.. ناهيك عما توفره حملة الشيخ محمد حسان "المعونة المصرية". إذن.. بدائل المعونة الأمريكية موجودة.. لكن المشكلة ليست في 2.1 مليار دولار. بل في أنها تدخل في إطار العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا. وأحد بنود معاهدة كامب ديفيد وليس من الصالح العام أن تنهار هذه العلاقات وتلك المعاهدة والاتفاقية القائمة عليها. في نفس الوقت.. من حقنا أن تقوم هذه العلاقات علي احترام سيادة الدول وأن تعلم أمريكا جيداً وكذلك إسرائيل أن مصر تحررت فعلاً من أي وصاية أو تبعية. نعم للمعونة. خاصة العسكرية.. ولكن يجب وضع ضوابط لها.. بحيث لا يحرمنا قبولها من حرية اتخاذ القرار بتنويع مصادر السلاح ويضمن عدم التدخل في شئوننا الداخلية. * وبالنسبة لقضية التمويل الأجنبي.. فسواء كان الطريق الذي اتخذناه هو الأمثل. خاصة بعد الكشف عن مؤامرة لتقسيم مصر أو كان هناك طريق أفضل يحافظ علي المودة والعلاقات.. فإن القضية برمتها الآن أمام القضاء ولابد أن تفهم أمريكا أن الأوضاع اليوم غيرها من سنة. وأن رغبة وسعي أمريكا لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط لن يكونا أبداً علي حساب سيادتنا وكرامتنا. وحرية قرارنا. إذا كانت أمريكا تدعي أن المعونة أحد أوجه إقامة التوازنات الاستراتيجية وتزعم أنها تدعم الديمقراطية من خلال المنظمات الدولية أو الأهلية فعليها إثبات ذلك بأن تحترم الديمقراطية والقانون بشكل عملي. وإلا ظهرت كمحاربة للثورة مما يشوه صورتها أمام العالم. أنا شخصياً لا أعتقد أن الأحداث الفردية مثل هذه القضية يمكن أن تعقد المشاكل السياسية وتصل بها إلي طريق مسدود. العلاقات مع أمريكا يجب أن تقوم علي المصالح المشتركة وفقط دون إملاءات أو تدخل في الشأن الداخلي أو هيمنة أو استحواذ أو انبطاح أمام واشنطن. القضية يمكن حلها بالتفاوض.. ويكفينا جداً أن هذه المنظمات "فُضحت" أمام العالمين وتعرت تماماً.. وعلينا أن نحاسب أكثر "المصريين" الذين خانوا وطنهم وقبضوا الثمن. * وبالنسبة لاتفاقية السلام.. فإنها تتضمن مواد وفقرات تحتاج إلي تعديل سواء استمرت المعونة أو قطعت.. لكن المشكلة هي من سيسمح لمصر بالتعديل. خاصة بالنسبة للترتيبات الأمنية والمناطق المحدودة التسليح؟! الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من الاتفاقية تنص علي أنه يتم بناء علي طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها وتعديلها باتفاق الطرفين. السؤال: هل ستوافق إسرائيل علي إجراء أي تعديلات في هذا الشأن بالذات؟!.. النصوص الحالية تنتقص من سيادتنا علي سيناء.. فما الذي ستستفيده إسرائيل من تعديلها؟!.. هل تحبنا لا قدر الله بما يجعلها تتنازل عن هذا "الكلابش"؟ من المؤكد أن إسرائيل سترفض وستضعنا بين نارين: السكوت علي العوار الموجود في الاتفاقية أو رفضها كلية بما يعني رفض السلام وإعلان الحرب. هذا الموضوع بالذات شائك جداً وسنعود له بالتفصيل فيما بعد. خلاصة القول.. ليس في صالحنا ولا صالح أمريكا ولا إسرائيل أن نتصادم مع واشنطن أو تل أبيب.. فالخلافات لا يمكن حلها بفتح الصدر وفرد العضلات والشعارات الجوفاء. كل شيء في ظل علاقات متوازنة ومتكافئة يمكن حله بالتفاوض.. أكرر.. التفاوض.