علي مدي السنوات الماضية كانت العلاقات بين مصر وأمريكا فيها شيء غير عادي. علاقات تبدو من نوع خاص يختلف عن العلاقات مع أي دولة أخري فيها إلي جانب التبادل الدبلوماسي والتجاري العادي جوانب غامضة تستغل فيها مصر من جانب أمريكا استغلالا غير محمود ولا يليق بمصر ومكانتها في المجتمع الدولي. عرفنا وسمعنا ان أمريكا كانت ترسل سجناء سياسيين من دول عربية وآسيوية لتعذيبهم في مصر وإجبارهم علي الاعتراف بأنهم ينتمون لمنظمات "إرهابية". وعرفنا وسمعنا انه تم استغلال الأجواء المصرية في حرب العراق وكانت الطائرات الأمريكية تقلع من حاملات الطائرات مخترقة أجواءنا لضرب العراق بالقنابل.. وعرفنا وسمعنا انه كان هناك تعاون مخابراتي بين البلدين لخدمة الأمن الأمريكي وليس لخدمة الأمن المصري. ورغم كل ذلك كانت أمريكا تمن علينا كل عام بالمعونة الاقتصادية والعسكرية التي تعطيها لنا.. وكانت هذه المعونة محل مساومة دائما في العلاقات مع مصر وتستخدم كأسلوب من أساليب الضغط علينا لتجعلنا دائما تابعين لواشنطن. وفي مقابل هذه التبعية كان يتم الاعتماد علي أمريكا في عملية التوريث ليصبح جمال وريثا لوالده حسني مبارك في حكم مصر. واتضح أخيرا انه من ضمن اختراقات أمريكا لمصر استغلال أنشطة ما يطلق عليها منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في العمل لصالح واشنطن والقيام بأعمال تصب في صالحها علي حساب السيادة والمصلحة المصرية العليا. زرعت أمريكا في مصر منظمتين تحت مسمي "المعهد الديمقراطي" و"المعهد الجمهوري" للقيام بأنشطة سياسية واجتماعية وربما اقتصادية دون ان تأخذ أي موافقة من أي جهة رسمية في مصر ومولت هذين المعهدين بأموال طائلة تحت حجة دعم الحريات في مصر دون ان تدري الحكومة المصرية شيئا عن أنشطتهما ولا عن الأموال التي تأتي إليهما وكيف وفيما يتم إنفاق هذا المال. هذا بالإضافة إلي منظمات أخري كثيرة من منظمات المجتمع المدني تمولها أمريكا وأشهرها مركز ابن خلدون للدراسات السياسية والاستراتيجية. وعندما اتضح خطورة هذه المنظمات في القيام بتمويل جماعات تعمل ضد ثورة 25 يناير تم تضييق الخناق عليها وقامت جهات تحقيق قضائية ببحث هذا الموضوع وتبين وقوع مخالفات ترقي إلي مرتبة الجنايات من قبل هذه المنظمات حيث وجهت إليها تهمة مخالفة القوانين للقيام بأنشطة داخل مصر دون الحصول علي إذن من أي جهة رسمية. ومن هنا قرر قاضيا التحقيق اللذان يحققان في هذه القضية إحالة 43 متهما من جنسيات مصرية وأجنبية إلي المحاكمة الجنائية منهم 13 مصريا و19 أمريكيا واثنان من الألمان ولبنانيان وأربعة من الصرب واثنان من النرويج وفلسطيني واحد لإخلالهم بمبدأ السيادة المصرية.. وقرر النائب العام منع هؤلاء من السفر انتظارا لما تسفر عنه المحاكمات. كان من الطبيعي ألا يعجب هذا التصرف أمريكا حيث صرحت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية بأن هناك مشكلات في العلاقات بين البلدين نتيجة لهذا الموقف وهدد بعض أعضاء الكونجرس بقطع المعونات الاقتصادية عن مصر. ورد محمد كامل عمرو وزير الخارجية المصري بأنه علي جميع المنظمات العاملة في مصر أياً كانت جنسيتها أن تتبع وتخضع للقانون فيما يتعلق بإجراءات التسجيل والعمل وممارسة أنشطتها. واشنطن لم تدرك بعد أن الدولة التي يسودها نظام ديمقراطي غير الدولة التي تحكم بنظام ديكتاتوري.. الأولي ليس فيها أسرار ولا غموض والثانية تجري فيها مياه من تحت سطح الأرض.. وأمريكا التي تتشدق بالديمقراطية والدعوة لنشرها في العالم تتصرف عكس ما تقول. لابد أن تدرك أمريكا أن الدنيا تتغير.. وأن معونتها لن تذلنا.. ولتذهب هذه المعونة إلي الجحيم.