الإسلام دين الرحمة والسماحة ونشر الحب والمودة بين سائر البشر علي اختلاف عقائدهم. كل بني آدم لديه في معيار واحد رسول الإسلام يؤكد ذلك "كلكم لآدم وآدم من تراب" آيات القرآن الكريم تؤكد هذه الحقائق "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" 70 الإسراء. كما انه ترك للبشر حرية الاعتقاد "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" كما حرم الإسلام الوقوف في وجه أهل الديانات الأخري ومنع أن يكون المسلم خصيما لغير المسلم "إنا نزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما" 105. 106 النساء. فهل بعد ذلك صراحة في معاملة الإسلام لغير المسلم عدالة وتشريع بقدر حرمة بني آدم فلا تفضيل لانسان علي آخر إلا بقدر جهده وبلائه أما الدين فحسابه لله عز وجل "لكم دينكم ولي دين" ويكفي أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "وقف حين مرت أمامه جنازة رجل مشرك" وعندما قيل له يا رسول الله تقف لجنازة يهودي فيقول - صلي الله عليه وسلم - ردا عليهم "أليست نفسا" فأي تقدير بعد ذلك لحرمة البشر وتقدير لمكانة الانسان. وقد تعجبت أشد العجب من صاحب رأي رفض أن تكون هناك مودة بينه وبين أخ مسيحي يشاركه في الوطن وأصر علي عدم تهنئته بعيده متعللا بأقوال تتنافي مع سماحة الدين الحنيف وطبيعة تعامله مع غير المسلم فها هو الإسلام يحرص علي أن يكون المسلم نموذجا وقدوة في تعامله مع البشر دون النظر إلي اختلاف الدين ففي سورة التوبة يقول ربنا "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" 6 التوبة. فالآية الكريمة صريحة إذ توضح للمسلم صحيح العقيدة إذا استأمنك غير المسلم فأجبه إلي طلبه حتي يسمع كلام الله أي القرآن تقرأه عليه وتذكر له شيئا من أمر الدين وهو يستمتع بالأمان فإن قبل ذلك بمحض إرادته وإلا فليصل إلي مأمنه استكمالا لمهمة المسلم مما يؤكد ان الإسلام شرع الأمان لهؤلاء ليعلموا دين الله ولكي تنتشر دعوة الحق في عباد الله في سائر الأرض ولهذا كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يعطي الأمان لمن جاء مسترشدا فقد جاءته جماعة من رسل قريش فرأوا مدي تعظيم الرسول لدي أصحابه ومعاملتهم التي تتسم بأسمي آيات التقدير والاحترام والمودة والحب وقد انبهرت هذه الجماعة بهذا الرقي وتلك الحضارة التي لم يشاهدوها عند ملك أو قيصر فرجعوا إلي قومهم وأخبروهم وكان هذا التعامل وآثاره في القلوب والبصائر نحو قيم الدين الحنيف التي تذكر الاحسان لغير المسلم مما يعطي الآخرين ان الإسلام لا يعرف لغة التعصب أو التعالي في التعامل مع غير المسلمين تأكيدا علي أن غير المسلمين تتجاوب نظرتهم مع هذه القيم الانسانية السامية وبذلك تنمو علاقات الحب بين طوائف البشر ويدرك غير المسلم أن الإسلام يعترف للآخرين بكامل حقوقهم أحياء وأمواتا وبالتالي تتسامي لغة التعامل والتخاطب بين المسلمين وغيرهم من أهل الديانات الأخري ويدركون مدي عظمته في تقدير واحترام غير المسلم وبذلك تسمو لغة التعامل بين الناس وتتوقف حملات التشويه والتعصب بين أتباع الديانات المختلفة وتتنامي لغة الحوار بين أهل الحضارات ويختفي التصادم وتتواري لغة التعصب التي تنشر الحقد والبغضاء وتجعل نيران الغضب تشتعل في الصدور ونتيجة لتعصب بعض المسلمين وكذلك بعض أهل الديانات الأخري مما يؤدي إلي حروب وخلافات تجني البشرية ويلاتها ولن ينجو منها أحد ويكفي أن نلقي نظرة علي ما يجري من وقائع وأحداث نتيجة لغة التعصب. الكل خاسر ضرر هذا اللون من التعامل أكثر من نفعه. ولعل أشد ما أثار غضب أهل العلم المستنيرين تلك الصيحات التي خرجت من بعض المتعصبين من المسلمين إذا اخذوا بعدم حضور قداس الأقباط ومنع تهنئتهم بالعيد وبذلك تعالت نبرة الخصومة والفتنة بين أبناء الوطن الواحد وهذا الأسلوب من التعامل قد رفضه الله في آيات محكمات في سورة الممتحنة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" فهل هناك اسمي من البر في التعامل مع هؤلاء والبر أرقي أنواع الاحسان والرعاية والاهتمام بهؤلاء فالتهنئة من الاحسان ونشر المودة والحب والتكريم للذين يعيشون معنا بسلام نبادلهم حبا بحب نسعي إليهم للتهنئة في الأعياد وكل المواسم والمناسبات ونقف بجانبهم في السراء والضراء انها تعليمات رب العالمين فكيف نجد هؤلاء المتعصبين الذين يرفضون هذا اللون من التعامل مما انعكست آثاره علي شركاء الوطن وتعالت لغة الاحقاد والبغضاء وتحركت نيران الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في وقت مصر في أشد الحاجة لنزع فتيل الخلافات والوقوف في وجه أي عمل يثير الفتنة التي لعن الله من أيقظها لانها تحرق الوطن بآثارها الضارة. ليت هؤلاء يدركون أن المنهي عنه الذين يناصبون المسلمين العداوة "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي اخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" هذه الطوائف التي نهي الله عن التعامل معها لموقفها العدائي من الإسلام وأهله ولا يتساوي هؤلاء مع الذين لا تنطبق في حقهم هذه الشروط فها هي أم أسماء بنت أبي بكر قدمت أمها لزيارتها وهي مشركة في عهد قريش حين عاهدوا رسول الله فأخبرت أسماء رسول الله وسألته قائلة: إن أمي قدمت وهي راغبة فهل أصلها؟ بكل السماحة قال لها رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: نعم صلي أمك فهل بعد ذلك من تساؤل لاثارة الاحقاد بين الناس في الوطن ولمزيد من الافصاح عن ذلك فقد قال الإمام أحمد في رواية عن عبدالله ابن الزبير قال: قدمت قنيلة علي ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا جلباب وقرط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبلها بهداياها أو تدخلها بيتها فسألت عائشة النبي - صلي الله عليه وسلم - فأنزل الله "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" فأمر الرسول أسماء أن تقبل هدايا أمها وتدخلها بيتها فهل بعد ذلك نري أولئك الذين يحركون الأحقاد ويرفضون أو يحرضون علي عدم تهنئة الأقباط بالعيد أو حضور قداسهم مشاركة في مودة وحب في اطار العلاقات الطيبة بين أهل الديانات إن هذه الصيحات وتلك الفتاوي لا أساس لها من أي أصل من أصول الدين كما رأينا في الآية الكريمة البر والقسط والعدل وفي الحديث الشريف عن سيد الخلق - صلي الله عليه وسلم - "المقسطون علي منابر من نور عن يمين العرش الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا". ولاشك أن آثار تلك الصيحات جاءت بسلبيات ما كان أغنانا عنها حملات شنها بعض المتعصبين في الغرب ضد الإسلام وأهله كما كانت هناك آثار سيئة انعكست علي لغة التخاطب لدي الأقباط فكل فعل له رد فعل .. يا سادة مصر في حاجة للحب والمودة ولا داعي لهذه الاثارة وتهييج الفئات بعضها ضد البعض ارحمونا يرحمكم الله . الإسلام يحترم البشر واختلاف الدين ليس مدعاة للتعصب وبذر نوازع الفتنة وشق الصفوف تمسكوا بالسماحة والرحمة. **** دعاء "ربنا نعوذ بك من الضلال بعد الهدي. نسألك أن توفقنا للعدل في الرضا والغضب. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين. انصرنا علي أنفسنا والشيطان. واختم بالصالحات أعمالنا وهيئ لنا من أمرنا رشدا".