من المعروف أن الشعوب الصحراوية كانت قبائل مترحلة. ولهذا لم تكن لها فنون مرئية ثابتة كالرسم والنحت ولهذا كانت فنونها منطوقة كالشعر والسجع وغيرها من فنون القول. وعندما كانوا يحصلون علي تمثال أو مجسم ضخم كانوا يقدسونه ويعتبرونه شيئا أسمي من البشر وأفضل منهم.. بينما الشعوب الزراعية مثل المصريين وسكان بين النهرين فقد كان لديهم فنون القول الي جانب الفنون المرئية والعمارة المرتفعة.. وكان المصريون القدماء يصنعون التماثيل للكائنات المقدسة والأولياء والملوك ولم تكن تماثيلهم للعبادة مثل الشعوب الصحراوية والبحرية مثل الاغريق "اليونانيون القدماء". عند الاغريق كانت القصص الأدبية والأساطير التي تصاغ شعرا. هي نفسها موضوع الفنون الجميلة.. ومنذ عهد الشاعر هوميروس أصبح العمل الأدبي منفصلا ومستقلا عن الرسم والنحت. ولكن موضوع الفنون الجميلة ظل هو تصوير الآلهة والأبطال الذين كانت لهم نفس صفات البشر. لكن حدة التقسيم ازدادت بعد ذلك واتجهت الفنون الجميلة الي التعبير عن الجمال الانساني "ممثلا في الرجل الرياضي" كانت الفكرة الفلسفية التي تقول بالجمال الالهي للأنا العليا المتجسد في الانسان هي الأساس في الجمال.. وفي الفن القوطي والبيزنطي وهي الفنون التي ازدهرت خلال العصور الوسطي في عهد الاقطاع الأوروبي كانت الموضوعات الدينية هي نفس مجالات التعبير الفني. فكانت الرسوم والأشكال المعروفة حتي الآن هي تعبير تشكيلي عن قصص التوراة والانجيل. بالاضافة الي تسجيلها للمعارك الحربية والبطولات وحياة الملوك والأباطرة. والتي كانت في نفس الوقت ميدانا للتعبير الأدبي. وبعد عصر الانحلال في الفنون الاقطاعية وظهور عصر النهضة الأوروبية نجد نفس الأمر في اعمال "رفاييل ومايكل انجلو" التي كانت تعبر عن قصص مستمدة من التوراة والانجيل. باعتبار هذه القصص هي شكل من التعبير الفني التشكيلي عن العمل الأدبي والديني المتداول في ذلك الحين. لكن حدث الانفصال الكامل بين الأدب والفنون التشكيلية خلال العصر الرأسمالي.. منذ قيام الثورة الفرنسية "وهي بداية العصر الرأسمالي" ظهرت في الفنون الجميلة مدارس متتابعة. وكانت الظاهرة السائدة في الفنون التشكيلية هي الانعزال عن العمارة وعن الناس. وقد تسبب ذلك في وجود فترات من الانفصال الكامل بين الأدب والفنون الجميلة. ومن الملاحظ أيضا عند تتبع الفن ان فترات انحلال الحضارات العريقة كانت الفنون والأدب يستعيد كل منهما ما سبق في ميدانه ويحوم حول نفس الموضوعات والأشكال التي ظهرت في أوج تلك الحضارة المنحلة.. في هذه الفترات لم يكن الانحلال في هذا الفن انعكاسا للاغلال في ذاك بل هو انعكاس لانحلال الحضارة برمتها.. في تلك الفترات كان الانفصال تاما بين الأدب والفنون الجميلة. خلال القرن التاسع عشر تكونت في أوروبا جماعات من الأدباء والفنانين الشبان. كانوا يحملون لواء التجديد في هذين الميدانين.. وكان أعضاء هذه الجماعات يقضون لياليهم علي المقاهي يناقشون قضايا الفن والأدب وتقييم الأعمال الفنية. ويحتفلون بعضهم ببعض.. وفي إحدي المناسبات ألقي الشاعر أبو لينير قصيدة في الاحتفال بالافراج عن الرسام هنري روسو المعروف باسم الجمركي أو رائد الفن البدائي. وكان الراعي لهذا الاحتفال هو "بابلو بيكاسو". لقد كانت علاقات الفنانين والأدباء حتي بداية القرن العشرين علي هذا النحو من التوطد.. وتحكي سارة نيو ماير في كتابها عن الفن الحديث انه في عام 1907 التقي بيكاسو بجورج براك. وما لبث الاثنان أن أصبحا زعيمي جماعة من الفنانين والكتاب الشبان الذين كانوا يجتمعون كل ليلة في مطعم صغير من مطاعم مونمارتر. فيحتد بينهما النقاش حول القديم والجديد في الأدب والفن عامة. وحول الفن البدائي عند مختلف الشعوب علي وجه أخص. وفي هذا المطعم الصغير طبقا لرواية الرسام فلامنك كان مولد النظريات التكعيبية. ولقد شهدت تلك الحقبة من الزمن أي قبل الحرب العالمية الأولي نشأة العديد من المذاهب الفنية والحديثة. وكانت باريس مرتعها الخصيب.