عاد المشهد الثوري في ميادين التحرير يحيل "الكادر" كله دما عاد للسينما سوي ركن محدود من اهتمامات الجماهير التي نقلت مركز تركيزها من الشاشة إلي الميدان المفتوح في العاصمة وكثير من مدن الجمهورية. في إحدي القاعات السينمائية المطلة علي النيل توافد يوم الأربعاء جمهور ليس مشغولاً كثيراً بما ينشغل به أغلبية المصريين في هذه الأيام. جاءوا يشاهدون برنامح البانوراما الأوروبية التي تنظمها المخرجة ماريان خوري في الفترة من 23 29 نوفمبر وتشاء الصدفة أن يتزامن افتتاح الدورة الرابعة من هذه البانوراما السينمائية. مع ذروة الموجة الثانية للثورة المصرية. وبينما يسقط في الميدان عشرات الشهداء أمام الرصاص والغازات والقنابل المسيلة للدموع. يجلس جمهور أغلبه من الجاليات الأجنبية ونسبة من المثقفين داخل السينما لمشاهدة فيلم الافتتاح "الفنان". أحد الأفلام الفرنسية الجميلة. التي تصور حياة نجم سينمائي. كان معبوداً للجماهير في فترة السينما الصامتة. يصوره الفيلم لحظة.. غروب شمسه وأفول نجمه بعد أن دخل الصوت إلي السينما في نهاية العشرينيات من القرن العشرين. فأصبح الفيلم الصامت في ذمة التاريخ. ونجومية "البطل" وقد انتهي عمرها الافتراضي.. إنها لحظة دراماتيكية نموذجية. لحظة سقوط نجم وصعود نجمة صغيرة كان الأول سببا في الدفع بها تحت الأضواء والزحف إلي النجومية هذه أيضا لحظة دراماتيكية يعيشها الشعب المصري. سقوط نظام تهاوي ويرفض الرحيل. ويقاوم من أجل البقاء بوحشية. ونظام آخر يولد ويعاني من مخاض متعثر. المقارنة سخيفة ربما. ولكنها قفزت وسيطرت علي تفكيري وأنا عاجزة سيكلوجيا عن متابعة البانوراما عمليا وإن كانت أفلام كثيرة منها شاهدتها في مهرجان كان .2011 فكلما أصر المجلس العسكري علي إجراءات الانتخابات في موعدها أصرت ماريان أيضا علي إقامة البانوراما دون تبديل فارق بين التزام المجلس. واصرار ماريان التي أكن تقديراً وأعجابا بالتزامها وقدرتها علي فرض الانضباط في أي مشروع تتولاه. ولذا تحتل "البانوراما" التي تقام للمرة الرابعة حاليا أهمية بالنسبة لجمهور ثابت تقريباً وجاهز وهو بالتأكيد ليس الجمهور المعتاد للسينما التجارية ولا المتابع للتيار الرئيسي للأفلام التي تعرض في مصر.. ف"البانوراما" خارج خريطة التوزيع. وذات طابع خاص. وتضم دائما أفلاما ذات طابع ومستوي فني متميز. أفلام "مهرجانات" قوية لفنانين أثبتوا أحقيتهم في المشاركة في المهرجانات الدولية الكبيرة "كان وفينسيا وبرلين ......... و........." و"البانوراما" تضم هذه المرة حسب البرنامج المعلن ثلاثين فيلماً روائيا وتسجيليا معظمها إن لم يكن كلها شارك في مهرجانات هذه السنة 2011 وفيلم "الفنان" The Artist حاصل علي جائزة أفضل ممثل. وأفضل "كلب" وهو متعة حقيقية وبالرغم من أنه عمل "صامت" المفروض إلا أنك لا تملك إلا أن تصرخ بأعلي صوت إعجابا.. تلك الأيام في تقديمه لهذا الفيلم البديع يقول أحد النقاد الغربيين "لا اتذكر اسمه": حفل تذكر تلك الأيام حين كانت السينما في أوج مجدها. ساحرة. وصامتة؟ لا أتذكرها وكذلك أنت ولكن هذه المرحلة الصامتة التي رحلت من الذاكرة تتحول إلي أسطورة يجسدها فيلم "الفنان" للمخرج مشيل هازانا فيكيوس وبطولة جان دي جاردان والممثلة برنيس بيجو أنه تحفة سينمائية مدهشة. قطعة فنية. وليست عملاً من تاريخ السينما وإنما الأحري أنه عمل سخي فني مؤثر وتعبير جموح. ومنطلق عن الغرام بالسينما وعلي الرغم من أن بطل الفيلم ينعي وصول الصوت فإن الفيلم نفسه يحتفي بمدي قدرة السينما علي إثارة المشاعر والدهشة والجمال حتي أنك لا تشعر بالحاجة إلي استخدام الكلمات للتعبير عن هذا كله انه فيض من العنين إلي تلك الأفك والقديمة المبهية. دروس في فن صناعة الروائع ربما لم يسمع جمهور السينما عن أسماء أغلب المخرجين والنجوم المبهرين في أفلام البانوراما الأوروبية فنحن لا نري هذه الأعمال إلا في المهرجانات رغم أنها دليل وشهادة يمكن للسينمائيين الشباب أن يستفيدوا منها.. علي سبيل المثال مخرج فيلم "الفنان" الذي اشرت إليه انفق وقتاً طويلاً في البحث والدراسة ومشاهدة عشرات الأعمال الصامتة والتي تعتبر الأكثر شهرة في تاريخ هوليود أبان فترة العشرينات حيث تدور أحداث فيلمه عام 1929 نفس السنة التي نطقت فيها السينما حتي يقدم عملاً صامتاً ودون أن يلجأ كثيراً إلي العناوين المكتوبة علي الشاشة ولكنه يكتسب فيلمه نفس الروح وأسلوب الأداء. ونوع الترفيه طويل المفعول الفنان فيلم كوميدي يحاكي أفلام هوليود الكلاسيكية الصامتة وينجح بقوة في زمن الكمبيوتر والمؤثرات الرقمية والأبعاد الثلاثية. ومعجزات التكنولوجيا. يقول الناقد رايان دازي يوم الخميس 24 نوفمبر. وأنا أهم بالخروج من السينما حاولت أن أتذكر متي تركت دار العرض وإنما أشعر بكل هذه السعادة" إنه كوميديا لكل الأزمنة. من الأفلام الجديرة بالمشاهدة في هذه الدورة الرابعة من البانوراما الأوروبية فيلم "مانخوليا" mclancholia للمخرج الدنماركي لارس فون تريبر "1956 -....." وكان أيضاً ضمن الأعمال المعروضة في مهرجان كان ومخرجه تريبر. يعد أهم أكثر صناع الفيلم طموحاً وتميزاً من حيث لغته البعدية وأسلوبه. وأكثر المخرجين الحاليين أهمية في بلاده الدنمارك منذ المخرج كارل دراير الذي سبقه إلي الحضور السينمائي العالمي بنحو 60 عاماً وقد استطاع أن يجذب صناع وجمهور السينما في العالم ويحصل علي عدد من الجوائز وترشيحات الأوسكار عن أفلامه "كسر الأمواج" "1996" الذي حصل علي جائزة مهرجان كان. وكان الجزء الأول في ثلاثية تركز علي الجنس في حياة المرأة. وأحد أهم الأعمال السينمائية العاطفية في تاريخ السينما.. ثم "راقصة في الظلام" "2000" الذي يتبادل قصة امرأة من شرق أوروبا تضحي كل شيء فعلاً من أجل تجنيب فلذة كبدها نفس المرض الذي أصابها في عينيها وجعلها تعاني طوال حياتها والفيلم من أوائل الأفلام التي تم تصويرها بالتكنولوجيا الرقمية Digital وقد حصل علي جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 2000 ووصل ببطلته النجمة والمغنية الايسلندية إلي ذروة الشهرة بعد قيامها بالبطولة وتأليف موسيقي الفيلم.. وفيلمه الأخير "مانخوليا" ومعناها اكتئاب أو حزن. ينتمي إلي سينما الخيال العلمي ويتناول العلاقة المتوترة نوعاً بين شقيقتين يواجهان تحدياً كبيراً أيضاً الفيلم البلجيكي "الصبي علي الدراجة" للأخوان لوك وجان بير داردين والفيلم من إنتاج "2011" وكان أحد الاختيارات الرسمية في مهرجان كان والإخوان داردين من الأسماء المهمة في السينما البلجيكية وقد حصلا مرتين علي السعفة الذهبية الأولي عام 1999 عن فيلم "روزيتا" والثانية عام 2005 عن فيلم "الطفل" Lصenfont وهذا الفيلم الذي يشاهده جمهور البانوراما في القاهرة عرض ضمن المسابقة الرسمية وهو دراما اجتماعية تتسم بالواقعية وتدور أحداثها في إحدي الضواحي حيث يرتكز الموضوع حول علاقة "الأب - الابن" والانتقاد العميق للعاطفة والحميمية في هذه العلاقة التي يعالجها الفيلم ويحقق بأسلوبه الحساس في تناولها تعاطفاً وإعجاباً بالفيلم. تجارب فنية جميع أفلام البانوراما تجارب فنية تشكل ملامح مهمة جداً في قسمات الإنتاج الأوروبي في فرنسا واسبانيا والدنمارك وأنجلترا وبلجيكا وهولندا وألمانيا والبرتغال وصربيا وسلوفنيا وتجربة من كندا.. واللافت أن بعض هذه التجارب تنطوي علي جرعات ترفيهية عالية التأثير بالمعني "التجاري" الذي يكن يتذوقها الجمهور باختلاف ثقافاته مثل فيلم "بوليسي" و"الفنان" الفرنسيان.