تشهد القاهرة حالياً حدثاً سينمائياً مُهماً. يحرث الطريق أمام عروض سينمائية مختلفة لأفلام ليست أمريكية وإنما لروائع من السينما الأوروبية. الحدث يقام تحت لافتة "بانوراما الفيلم الأوروبي" تعود أهمية البانوراما إلي كونها "بانوراما" فعلاً وتتسع لأفلام من فرنسا وألمانيا وايطاليا وأسبانيا وبلجيكا وهولندا وإيرلندا وفلسطين التي تدخل تحت عباءة البانوراما الأوروبية من خلال انتاج مشترك مع هولندا وبريطانيا. فلولا المؤسسات الثقافية الغربية لما استطاع أي مخرج من المخرجين الفلسطينيين صنع أفلامهم الروائية الطويلة. فإن ما يسمي بالسينما الفلسطينية ليست سوِي ثمرة تعاون أوروبي. وبفضل هذا التعاون وصلت الأفلام الفلسطينية إلي المهرجانات الدولية وإلي جمهور ما يسمي بالوطن العربي.. ومن الانتاج الفلسطيني تضم البانوراما آخر أفلام المخرج الفلسطيني مشيل خليفي بعنوان "زنديق" الذي سبق عرضه في مهرجان دبي وحصل علي جائزة. أهمية البانوراما مرة ثانية أن الأعمال المعروضة من انتاج العامين الأخيرين وكلها حائزة علي جوائز في المهرجانات السينمائية. ومنها أعمال ذاع صيتها جداً علي المستوي النقدي قبل أن تصل إلينا في مصر. وهذا التقدير النقدي يشير إلي حجم الفائدة الفنية والمعنوية التي تعود علي عشاق السينما في مصر وبالذات ممن لا تتوفر لهم الفرصة لمتابعة الانتاج العالمي غير الأمريكي خارج مصر.. ومن ثم التعرف علي أنواع من الموضوعات تعكس هموماً وقضايا ونماذج لشخصيات. فضلاً عن بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة. بالإضافة إلي أساليب في التناول وقوالب متينة ليست مألوفة ونجوم جديرين بالمشاهدة غير هؤلاء المسجلين في ذاكرة الجمهور المعتاد للسينما التجارية التي تمثل التيار الرئيسي. هناك ملاحظة تستحق أن نوليها قدراً من الاهتمام. أن هذه "البانوراما" التي تعقد للمرة الثالثة أصبحت تستقطب جمهوراً أكبر من المثقفين المهتمين فعلاً بالسينما كفن وليس فقط وسيلة للترفيه الاستهلاكي. بالإضافة إلي جمهور الأجانب المقيمين في مصر.. وقد بدأت البانوراما كحدث فني تخطي بقدر غير قليل من الاهتمام الإعلامي. وقد تحولت دار العرض يوم الافتتاح مساء الأربعاء الماضي إلي قبلة لجمهور عريض لم يجد بعضهم مكاناً داخل الصالة التي تعرض الفيلم. هذا الاهتمام يعني أن البانوراما تشكل حدثاً ثقافياً ناجحاً. والنجاح لا يأتي بالصدفة وإنما يحتاج إلي قدرة تنظيمية واعداد ودراسة وامكانيات.. ومن اللافت أن من تقف وراء هذا الحدث منذ بدايته المخرجة والمنتجة ماريان خوري ومعها امكانيات الشركة العالمية "يوسف شاهين" وماريان تمتلك الخبرة والحس السينمائي والتراث الممتد الذي أسسه يوسف شاهين في مجال الانتاج المشترك مع أوروبا.. ولا شك أن ما تملكه هذه السيدة من خبرة وعلاقات بالإضافة إلي إيمان بضرورة كسر احتكار الفيلم الأمريكي لصالح السينما الأوروبية وأنواع مختلفة من الأفلام تفتح ولو كوة صغيرة في الجدار الصلب لهذا الاحتكار الأبدي. البانوراما تعتبر نموذجا لما يمكن أن يكون عليه النشاط السينمائي الموازي حين يحظي بالتنظيم وحماس الجمهور وتشجيعه.