كان كازينو اوبرا أول مكان التقيت فيه نجيب محفوظ. اخترت موضعاً في طرف القاعة. بعيداً عن الطاولات التي ألصقت بالقرب من النوافذ الزجاجية. المطلة علي ميدان الأوبرا. يلتف حولها. وحول نجيب محفوظ. مثقفون من كل الأجيال. يتحاورون. ويبدون الرأي في قراءات وتطورات ثقافية وسياسية ومجتمعية. ظللت مكتفيًاً بالإنصات. حتي واتتني الجرأة - ذات ظهيرة - فاقتربت من نجيب محفوظ. قدمت له نفسي صحفياً ناشئاً. واستأذنت في أن أجري معه حواراً. قال محفوظ وهو يتهيأ للانصراف: أنتظر أسئلتك مكتوبة لأجيب عليها. أمضيت الأسبوع في كتابة الأسئلة. ومراجعتها. أضفت. و حذفت. وبدلت. وحورت. أ خشي ألا يجد في أسئلتي ما يستحق الرد! قبل أن يجلس في الموضع الذي اختاره لنفسه. في نهاية الطاولة. وقرب النافذة. مددت له يدي بورقة. كتبت فيها عشرة أسئلة مطبوعة علي الآلة الكاتبة.طوي الورقة. ودسها في جيبه. ووعد أن يسلمني الأجوبة في الندوة التالية. أدركت أن الرجل يحياً نشوة الاحتفال بعيد ميلاده الخمسين. طرح الفكرة وأعد لها. صديقي الكاتب المسرحي الراحل صلاح طنطاوي. وإن شارك في الحفل أم كلثوم والحكيم وهيكل وغيرهم من نجوم المجتمع الثقافي. اكتفي محفوظ بكلمات قليلة. رداً علي كل سؤال. لكنني وجدت فيها ما يعين خطواتي الأولي في "المساء". تعددت لقاءاتنا فيما بعد. حسب تعبير الصوفية. فقد اخترته شيخاً. وحرصت أن أتبعه كلماً تيسر الوقت - وقته لا وقتي! - ترددت - بصورة شبه يومية - علي مكتبه بمؤسسة دعم السينما. وقصر عائشة فهمي وقهوة عرابي. وقهوة ريش. وغيرها. أسجل ردوده علي أسئلتي. وعلي أسئلة الآخرين. أعد لكتاب ناقشني في مادته قبل أن أصدره. حين زارني محفوظ في الجريدة. تكرر مطلب رئيس التحرير أن أجري حواراً مع الروائي الذي ملأ الدنيا. وشغل الناس. ضمن محاولات تطوير الجريدة! قدمت الرجل في أحد حواراتنا بأنه نجيب محفوظ عبدالعزيز السبيلجي. نقلت لقب السبيلجي من مقالة لصديقه محمد عفيفي. أهملت - في بلادة غريبة - سؤال محفوظ نفسه عن لقب عائلته. الطريف أن تحقيقات ودراسات كثيرة تالية. نقل أصحابها ما كتبت. دون أن يعنوا بسؤال الرجل عن اسمه الكامل. تبينت - متأخراً - أ ن تسمية السبيلجي ليست إلا دعابة أطلقها محمد عفيفي علي محفوظ لولعه بأسبلة القاهرة المعزية. ظل الشعور بالذنب يعاودني. وأنا أقرأ التسمية الدعابة في كتابات كثيرة. حتي أشار محفوظ إلي اسم العائلة الحقيقي. وهو "الباشا". عائلة من رشيد. انتقل بعض فروعها إلي القاهرة. وكان من أوراقه هذا الجميل: نجيب محفوظ.