حين وقع اختيار رسول الله صلي الله عليه وسلم علي معاذ بن جبل ليتولي شئون اليمن في ذلك الوقت. كان سيد الخلق علي يقين أن هذا الصحابي يتمتع بالكفاءة والخبرة التي تمكنه من أعمال الإدارة علي أساس العدل وتحقيق المساواة وبذل أقصي الجهد من أجل إصلاح هذه الأمة التي تقع في حيازة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم باعتباره الحاكم والمسئول عن هذه البلدان التي تم فتحها علي أيدي المسلمين وانتشر بها الإسلام دين الحق والحرية ومخاطبة الناس بالحكمة والموعظة. خاصة أن معاذ تربي في رحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فاستقر الإيمان في قلبه وكان صاحب ضمير يقظ لا يخشي في الله لومة لائم. وقبل أن يتحرك معاذ للقيام بهذه المهمة ذات الأبعاد المتعددة استدعاه رسول الله صلي الله عليه وسلم لكي يطمئن أكثر في إطار حرصه علي كل أهل البلاد الإسلامية ولكي يضع أمام الناس جميعاً القواعد التي يجب أن يتعامل علي أساسها الحاكم مع الرعايا المسئول عنهم وفي مشهد إنساني يعتبر نموذجاً لأي رئيس أو قائد حين يكلف أي رجل يتولي مسئولية من أمور العباد أو البلاد. إنه رسول الله معلم البشرية الأول. صاحب الخلق العظيم وهو ناصر الحق بالحق. وهو القائل لأسامة بن زيد حين جاء يستشفع في عدم إقامة حد من حدود الله: "والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها" رحيم لكن في إطار العدل ولا تأخذه رأفة في دين حتي تستقيم أمور الأمة ويتحقق الاستقرار والأمن لكل من يعيش في نطاق الأمة الإسلامية. المشهد أمام جموع من الصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم يسأل: يا معاذ بم تقضي بين الناس إذا عنَّ لك قضاء أي إذا جاءتك قضية ما؟ بكتاب الله قال الرسول صلي الله عليه وسلم: وإذا لم تجد؟ بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال سيد الخلق فإن لم تجد؟ اجتهد رأيي ولا آلو أي لا أقصر.. أعمل قصاري جهدي لتحقيق ميزان العدل. في هذه اللحظات انشرح صدر رسول الله صلي الله عليه وسلم وبدا البشر في وجهه. وفي غبطة واعجاب ومحبة ضرب "معاذ" في صدره بمودة قائلاً: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلي ما يحبه الله ورسوله. وودع معاذ بحنان ورفق متمنياً له التوفيق في مهمته. هذا العمل من جانب رسول الله صلي الله عليه وسلم يضع أمام العالم الإسلامي الضوابط التي يجب الالتزام بها عند اختيار أي إنسان يتم تكليفه للنهوض بأي عمل من أعمال الدولة. تلك مبادئ الإسلام السامية التي تحفظ لكل إنسان حريته وتضعه أمام مسئوليته والتعرف علي كيفية إدارة هذه المهام المسندة إليه. ولاشك أن معاذ بن جبل أحد الرجال الذين اغترفوا من نبع رسول الله صلي الله عليه وسلم خلفاً وعملاً واجتهاداً. لا يعرف التواكل أو اليأس إنما الجد والاجتهاد والعمل ليلاً ونهاراً. وقد استطاع معاذ أن يحقق أمل رسول الله صلي الله عليه وسلم وأدار شئون اليمن بهمة ونال رضا أهلها في كل الأمور. طبق القواعد التي أشار إليها أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم. هناك أيضاً رجال آخرون أبلوا بلاءً حسناً وكانوا علي مستوي المسئولية ها هو حمزة بن عبدالمطلب يخرج في سرية من ثلاثين مقاتلاً تنفيذاً لتعليمات رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد استطاع حمزة عم رسول الله الوصول إلي المكان المحدد لمقابلة أبي جهل بن هشام في ثلاثمائة مقاتل من أهل مكة فلم يهتز ولم تفتر عزيمته وأصر علي الملاقاة لكن مجري بن عمرو الجهني استطاع الحجز بين الفريقين وقد انتهت بلا قتال وعادت السرية إلي رسول الله وهي علي أتم استعداد للنهوض بأي تكليف. هناك أيضاً عبدالله بن جحش خرج في سرية بتكليف من سيد الخلق صلي الله عليه وسلم في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة قاصداً مكاناً يطلق عليه اسم "نخلة" بين مكةوالمدينة وذلك لمراقبة قريش والوقوف علي أخبارهم ولتأمين المدينة وحدودها. وهناك رأوا تجارة لقريش فتصدوا لها وقاتلوا رجالها وأسروا منهم رجلين واستولوا علي الإبل التي كانت تحمل السلع وذلك في إطار مهمة سلاح الحدود. وقد رجعوا منتصرين وقد أسلم أحد الأسيرين حين لقي أفضل معاملة وأحسن أسلوب في التحاور معه فدخل في دين الله طواعية وهو "الحكم بن كيسان" وأما الثاني فهو "عثمان بن عبدالله" فقد مات كافراً. تلك نماذج من رجال تحملوا المسئولية وقامت علي أكتافهم الدولة الإسلامية التي أرسي دعائمها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فكانوا نجوماً نيرة أضاءوا سماء الدنيا بالحق والعدل وانتشر الإسلام في ربوع الأرض وقد كانت المسئولية وأعباؤها حملاً ثقيلاً لكنهم لم يهنوا ولم يحزنوا ولقنوا الآخرين دروساً في البطولة والفداء والعمل الجاد واضعين نصب أعينهم قول الله تعالي: وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون". نضع هؤلاء الرجال وتصرفاتهم أمام أجيال هذه الأيام ليتعلموا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وليكونوا قادة في عالمنا المعاصر ضاربين المثل في الشجاعة والتفاني في العمل وخدمة الأمة والوطن. لأن بلادنا في أشد الحاجة هذه الأيام للاسترشاد بهذه النماذج لكي تجتاز مصر هذه المرحلة بكفاءة واقتدار. نتطلع إلي الشباب وكلنا ثقة في أنهم لن يتوانوا عن النهوض بمهمتهم. إن الوطن في انتظار العمل وبذل أقصي الجهد من أجل الإنتاج وتجويده لكي يخطو الوطن خطوات اقتصادية تحقق آمال أبناء الوطن في كل المجالات ويجب أن تكون العزيمة والجهد والعرق هي طوق النجاة للخروج من هذه المرحلة ومصر أشد قوة في المبني والمعني وعلي الله قصد السبيل. **** دعاء اللهم إنك حليم كريم تحب العفو فاعف عنا. ربنا قنا شر أنفسنا والشيطان. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا وقنا شر الظلم والظالمين. ونسألك ربنا أن تولي أمورنا خيارنا ولا تول أمورنا شرارنا. وارزقنا رجالاً صالحين يحققون عدل الله في الأرض.