الأديان هي القادرة علي تغيير السلوك الإنساني وتحقيق التوازن والانضباط فيه لأنها تباشر القلوب والأفئدة وتخاطب الأرواح والعقول في آن واحد ولقد قام رجال التصوف في تاريخنا الإسلامي بهذا الدور. دور التربية الروحية والوجدانية. والمساهمة في تعديل السلوك الإنساني نحو الفاضل والرشيد. والسمو علي اللذات والشهوات التي تهوي بالإنسان في الحيوانية والجمود. والأخلاق سواء كانت التزاما فرديا أو جماعيا فهي في المنظور الديني معان موصولة بالعقيدة. والعقيدة هي ارتباط الارض بالسماء وارتباط الإنسان بخالقه وارتباط السفلي بالعلوي. وعليه فإنها تؤمن للإنسان السمو والعلو وعدم الانحراف وراء السلوكيات الدنية كالجشع والأنانية والكبر. من هنا نؤكد أنه لا أمن حضاريا بدون أمن روحي. ولا أمن روحيا بدون أخلاق. ولا أخلاق بدون دين. وأن الدين هو أيقونة التكامل بين الروحي والمادي. والعقلي والوجداني. والدنيوي الأخروي. أو كما عبر فلاسفة الإسلام عنه بالشريعة والحقيقة وهو الدور الذي قام به متصوفة المسلمين وأولياؤهم ويجب ان يقوم به المفتي والمعلم في وقتنا المعاصر. وعلي الرغم من تطور حياة الإنسان وانطلاقه نحو آفاق بعيدة المدي في تحقيق أسباب الرفاهة والدعة إلا أنه لم يبلغ كنه السعادة بعد. ولم يستطع ان يدخل بذاته في إطارها وحيزها. بل لم يزد وعيه إلا ضحالة وبعدا عن سبيلها. نعم تمكن الإنسان بتقدمه العلمي والتكنولوجي أن يحقق لنفسه تيسير المعيشة من الناحية المادية. وكان ظنه واعتقاده ان تلك الناحية هي نهاية المطاف وغايته في تحقيق السعادة. ولكنه وجد الأمر علي غير ذلك. وجد الفراغ الروحي والحيرة امامه. وصارت حياته كحياة الاشباح التي لا روح فيها. وأدي إهمال الجانب الروحي في حياة الإنسانية إلي انتشار ازمات فرضت نفسها علي كل شخص تقريبا في العالم المعاصر. وهذه الازمات رصدها علم الاجتماع. وحار في ايجاد الحلول والعلاجات الناجحة لها. وأبرز تلك الازمات هو سيطرة القلق والحيرة والاكتئاب والتشتت علي شخصية الإنسان. وافتقاده للهدف والأمل في حياته فصار يعيش بلا هدف يعمل لأجله. وبلا أمل يسعي لتحقيقه.. وظهرت عوارض لذلك القلق والتشتت في لجوء الإنسان إلي تدمير ذاته بالمخدرات أو الشذوذ. أو العنف والاحتراب. أو الانتحار. د. علي جمعة مفتي مصر السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف