رد الفعل اللافت الذي أحدثه رحيل الأديب أحمد توفيق أثار قضية أدب الخيال العلمي. وإقبال الشباب عليه بصورة تفوق إقباله علي بقية الأجناس الأدبية. وإذا كان البعض قد اعتبر كتابات الخيال العلمي والجريمة وسيلة لتنمية عادة القراءة في نفوس الشباب. بحيث ينتقل منها إلي إبداعات كبار الأدباء. فإن الكثيرين يرون في أدب الخيال العلمي إثراء للحركة الأدبية. والحياة الثقافية عامة. لأن العلم هو سبيل العالم الثالث للحاق بدول العالم المتقدمة. وثمة آراء تذهب إلي أن الخيال العلمي هو مستقبل الأدب. الخيال بشكل عام- في تقدير د. عبدالناصر حسن- ركيزة أساسية من ركائز الإبداع. ولا يخلو أي إبداع من الخيال. فهو يرسم الصورة. ويعكس المشهد. نستطيع من خلاله تقديم الرؤية. فيعتبر أدب الخيال العلمي بالتالي عنصراً مهماً جداً في مجال الإبداع. سواء في الخيال العادي أو العلمي. أما أن نقول إن الخيال العلمي هو مستقبل الأدب. فلا أعتقد ذلك. هو جزء من مستقبل الأدب. لأن الأدب يقوم علي الخيال. وعلي الصورة والحدوتة والحوار. ثمة عناصر كثيرة تشارك في العملية الإبداعية. وقد قرأت رواية هالة البدري "مدن السور" فلاحظت أنها تؤدي إلي أشياء كثيرة. وتفتح أبواباً كبيرة. أعتقد أنها من أهم روايات الخيال العلمي الصادرة مؤخراً. يضيف د. عبدالناصر: في رأيي أن ما قدمه أحمد خالد توفيق يعد نمطاً واحداً من أنماط الخيال. وشكلاً من أشكاله المتعددة. ومن الصعب أن نقف عند هذا الحد. أو السقف من الثقافة. آفاق الأدب رحبة. وواسعة. يأتي الخيال العلمي كواحد من أنماطها. ظواهر وحقائق ويري د. حسين حمودة أن أدب الخيال العلمي يمثل مساراً مهماً من مسارات الأدب. وإن يصعب القول إنه سوف يمثل المسار الأساس. أو الأكبر للأدب في المستقبل. ما يقدمه أدب الخيال العلمي يرتبط بظواهر وحقائق علمية. ويرتبط أيضاً بصياغة أدبية متخيلة لهذه الحقائق. لكن هناك دائماً مجالات أخري يمكن للأدب أن يستكشفها في البشر والأماكن والعلاقات الاجتماعية والأحلام والكوابيس إلخ. وهذه كلها يمكن أن تقع في مجالات أخري بعيدة عن الخيال العلمي. وباختصار فإن أدب الخيال العلمي رافد واحد فقط من روافد متعددة يمكن للأدب أن يمر بها. أو يسير فيها. وتذهب د. وداد نوفل إلي أن الخيال العلمي- في فترة سابقة- كان مجرد خيال علمي. فحينما كنا نقرأ كتاباً فيه خيال علمي. أو أحلام. كنا ننبهر بذلك. ثم عشنا فترة التطور التكنولوجي المذهل. وخروج الكثير من الأبحاث العلمية المتطورة إلي الضوء. لم يتوقف الأمر عند نقطة بعينها. وإنما فاق الخيال في الأثاث والديكور. بل والمطبخ. التطور سابق جداً. كلما نري خيالاً علمياً. نشعر أن المزيد سوف يأتي. ومنها فكرة شغف التوقع الذي ارتفع كثيراً لدي المتلقي. أو المشاهد. الآن فكرة تجميع الصوت من الهواء. ومعالجته. لمعرفة كيف كان يعيش الإنسان. نحن لا يمكن أن نغفل دور الخيال. وطريقته المؤثرة في فكرنا وتلقينا. التقدم العلمي. أو الخيال العلمي. وكثرة الاختراعات. والأعمال الإبداعية التي وظفت ذلك الخيال. جعلتنا نسأل: أين الإنسان؟ لقد حدث نوع من التشبع بهذا الفن. ومن ثم فعندما نري عملاً يتحدث عن الإنسان ومشاعره وأحاسيسه. بين الأهل والأصدقاء. فإننا نتلقفه بدهشة وفرحة. رؤي مستقبلية ولاشك- في تقدير الروائي وائل وجدي- أن هناك اختلافاً بين أدب الخيال العلمي. القائم علي حقيقة عملية غير مكتملة الأركان. فيكملها أدب الخيال. كرؤية مستقبلية. والأدب الفانتازي. القائم علي الخيال فحسب دون أساس علمي أو نظرية علمية.. فجون فرن كتب "2000 فرسخ تحت الماء". وتنبأ باختراع الغواصة. ورائد الخيال العلمي العربي نهاد شريف أبدع روايته "قاهر الزمن" التي طرحت السؤال: هل من الممكن أن يتم تجميد الإنسان ليحيا بعد مرور سنوات عديدة؟ لذلك فإني أميل- بذائقتي الأدبية- إلي أدب الخيال العلمي. وأري أنه أدب خليق بالمؤازرة لمن يبدعه في مصر والوطن العربي. ومن الخطأ أن ننظر إلي هذا الأدب نظرة دونية. أو أنه ليس إبداعاً. والتقليل من دوره. ورؤيته العلمية المستقبلية. ويري الشاعر بهاء الدين رمضان أن أدب الخيال العلمي قديم قدم التاريخ الإنساني. فالأدب- في مجمله- خيال. يدل علي هذا الخيال الشعراء القدامي الذي تحول فيما بعد لعلوم واختراعات. لم يتخيلها بشر من قبل. فالشاعر- علي سبيل المثال- يقول: ولي كبد مقروحة.. من يبيعني بها كبداً.. ليست بذات قروح. ويأتي العلم- بعد ذلك- فيحقق خيال الشاعر. ويقول مجنون ليلي: بكيت علي سرب القطا إذ مررن بي.. فقلت ومثلي بالبكاء جدير.. أسرب القطا هل من معير جناحه.. لعلي إلي من قد هويت أطير. ثم حاولا عباس بن فرناس تحقيق ما تخيله الشاعر. ثم ظهر اختراع الطائرة من خلال رؤية الفنان دافنشي. ولأننا في عصر يعتمد التكنولوجيا أساساً للحياة. وصار العالم كله أشبه بقرية واحدة. فقد استطاع أدب الخيال العلمي أن يبشر بأدب المستقبل الذي يستطيع من خلاله الكاتب أن يسبق عصره. ولا يتخلف عن ركب العلم الذي يجري بنا بأسرع مما نتخيل. لكن أدب الخيال العلمي يحتاج إلي مبدع دارس للعلوم. وبخاصة ما تدور في فلكه أحداث الرواية أو القصة. فنحن نحتاج لرؤية مستقبلية لهذا العلم. ربما تصبح نبوءة علمية كما حدث في بعض قصص وروايات الخيال العلمي لدي كتاب الغرب.