الليلة الماضية هي ليلة الإسراء والمعراج ومازلنا نتحدث عن هذه الليلة المباركة العظيمة بنفس مصطلحات ومرادفات العصور القديمة وكأن العالم لم يتغير حولنا.. وكأننا لا نعيش زمن الحوت الأزرق ولعبة مريم الراعيتين للانتحار وراح ضحيتهما شباب كثير ومراهقون.. حتي في مصر. ما علاقة هذه المناسبة الكريمة التي خص الله سبحانه وتعالي بها حبيبنا رسولنا محمداً صلي الله عليه وسلم بما يحدث الآن من كوارث باسم التكنولوجيا وألعاب الانترنت؟ لو قيل للناس في عصر النبوة إن هناك انترنت وسماء مفتوحة.. وإن ما يحدث في بلاد الروم والفرس سيشاهدونه في بلاد العرب لكذبوك واتهموك بالسحر واستخدام الجن. وعندما أسري نبينا محمد صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي.. ثم عرج به إلي السماء حتي سدرة المنتهي ونزل إلي المسجد الحرام ثانية.. كذبه الكفار.. بل إن بعض المسلمين الذين كانوا أقل إيمانا ارتدوا بسبب هذا الحدث.. لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال قولته الشهيرة. "لو قال ذلك لصدق.. فإني أصدقه في خبر السماء يأتيه". أول درس هو الثقة في الله والإيمان المطلق برب العباد وبرسول الله صلي الله عليه وسلم هو الثقة الكاملة في خبر السماء وما يحدث.. أما الدرس الثاني فهو أن الله سبحانه وتعالي إذا أحب عبداً لم يتركه لنفسه في أحزانه لذلك جاء الإسراء والمعراج عقب عام الحزن الذي فقد فيه الحبيب المصطفي عمه أبا طالب وزوجته خديجة بنت خويلد.. فكانت التسرية والدرس والمعني.. وهذا ما يتوافق مع خطاب الله لحبيبه المصطفي في صورة الضحي "وللآخرة خير لك من الأولي ولسوف يعطيك ربك فترضي" حيث فسر بعض أهل العلم ان المقصود بالآخرة ليست الدار الآخرة فقط.. بل أيضا آخرة كل عمل.. فإذا جاء الألم أولا والتعب في البداية فنثق إن كنت مؤمنا بحق ان فرج الله قريب وستكون آخرتك أفضل بدليل الآيات بعد ذلك.. "ألم يجدك يتيما فآوي.. ووجدك ضالا فهدي.. ووجدك عائلا فأغني".. كانت البداية اليتم والآخرة أن أواه الله ومن أحسن وأفضل من الله في ذلك الخير.. والبداية أن تضل.. والآخرة هداك الله.. والبداية أن تعول وتنفق والآخرة ان يغنيك الله بغناه. هذا الدرس لو عرفه كل مؤمن وأيقن به لتوكل علي الله أحسن توكل.. وكان الله وحده هو حسبه ووكيله ونصيره. التطور التكنولوجي في هذا العصر لا يصل برغم كل تطور.. إلي حادث الإسراء والمعراج لأنه إذا أمكن في ثوان الانتقال بصورة من مكان إلي مكان.. فإن محمدا صلي الله عليه وسلم انتقل بذاته وجسده وروحه ورأي ما رأي.. "وعلم الانسان ما لم يعلم" فعلم الله يؤتيه من يشاء بحساب وقدر.. لأن الله يرزق من يأخذ بالاسباب بقدر جهده" ولا يكفي أن تكون مؤمنا تقياً لتأخذ العلم.. لأن علم الدنيا له اسبابه ومنطلقاته وعلم الآخرة له الايمان والتقوي..!! ولعل هذا ما يدفعنا للبحث عن علاقة هذا الحدث العظيم.. بالحوت الأزرق.. أو لعبة مريم القاتلة.. فهذه الألعاب شكل من أشكال استخدام العلم سلبا.. فالعلم له وجهان والتكنولوجيا كذلك قد تكون مفيدة للبشرية بشكل رائع كالعلاج والاستخدامات السلمية التي تحقق للانسان راحة ورفاهية وتستجيب لمتطلباته في الخير وللخير.. لكنها ايضا قد تستخدم للقتل والدمار.. وقد شاهدنا كيف أن نوبل الذي اخترع الديناميت ووجد أنه أصبح سلاحا للدمار والقتل.. تبرع بجائزته من أجل السلام..!! المهم.. أن استخدام التكنولوجيا بهذا الشكل أمر طبيعي.. لأن الله خلق الشر كما خلق الخير.. وخلق الظلام كما خلق النور.. فمن شاء اختار ما يريد.. ولكن المؤمن يعرف أن الخير هو سعادة الدنيا وحسن الختام في الآخرة.. وأن الشر قد يحقق سعادة وقتية في الدنيا لكن نهايته سوء في الدنيا والآخرة. لقد شاهد الحبيب المصطفي في رحلة الإسراء والمعراج نماذج وصورا للخير والشر بين البشر وحكاها لنا.. وهو ما يحدث الآن.. فنحن نشاهد مع كل تطور تكنولوجي خيرا.. وشرا وهنا نسأل أنفسنا. وكيف نحمي شبابنا من هذا الشر؟ الإيمان والثقة بالله.. والاستفادة من كل ما يربطنا بالايمان هو الوقاية والعلاج. الشباب والفراغ مفسدة خاصة اذا كانت هناك سعة مادية ومالية.. وأعني بالشباب ليس الشخص بل سن الشباب لأنها سن التجارب والمغامرة وهذا ما حدث في تلك الألعاب الخطرة ولكن الشباب اذا تم استخدامه في الخير وتم ملء الفراغ بقضايا مهمة.. كما كان يفعل رسولنا الكريم مع الشباب فهل يصدق أحد مثلا أن اسامة بن زيد وهو دون العشرين كان قائدا لجيش الإسلام وفيه من الصحابة من هم أفضل منه وأكبر؟ لقد علمنا الرسول الكريم.. وعلمتنا الحياة أيضا ان الشباب سلاح ذو حدين.. إما أن يكون هو سلاح الدولة وقوتها نحو التنمية والفلاح وهو سلاحها لمواجهة الإرهاب والفساد والتخلف وإما أن يكون سببا لتخلفها وافسادها وارهابها. الدين الصحيح الوسطي بداية لإعداد جيل من الشباب الذي يعرف الخير ويسير بالخير ويصل إلي الخير .. العلم والعدالة والمساواة وروح الوطنية الحقيقية اسلحة لشباب الخير في مواجهة الحوت الأزرق.. لذلك أتمني لو تم تنظيم مسابقات شبابية حقيقية في كل مجالات الخير من اختراعات وابتكارات علمية وبحثية إلي الفن والرياضة بكل اشكالهما كالفن التشكيلي والغناء والتمثيل والتلحين وغيرها ورياضات القدم والسلة والطائرة واليد والرياضات الفردية.. مسابقات حقيقية يتم بثها عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الحديثة وحشد الشباب للمشاركة بكل الوسائل حتي يبعده أولا عن الطريق السلبي بهدف درء المفاسد.. ثم جلب المنافع من خلال التعليم والتعلم والتدريب والمشاركة في الحياة من خلال هذه المسابقات وما بعدها.. حتي من خلال متابعتها بشغف واهتمام وتشجيع.