إذا كانت الظروف المادية القاسية تضطر أعدادا من المواطنين البسطاء إلي بيع عافيتهم. بالعمل في عمليات الهدم والبناء والترميم. فإن السؤال الذي كان يفرض نفسه بإلحاح: ما المبرر الذي يدفع دارساً متفوقاً لبيع جهده العلمي ممثلاًًًً في رسائل الماجستير والدكتوراه. يتقاضي الثمن. لينسب غيره ما لم يفعل شيئاً إلي نفسه؟! الظاهرة السلبية امتدت إلي أعمال إبداعية ما بين روايات ومجموعات قصصية ومسرحيات. يبيعها أصحابها لمن يدفع الثمن. لا يلبث أن يحصل بها علي عضوية اتحاد الكتاب ونادي القصة وغيرهما من الهيئات الثقافية. دون أن يعرف ألف باء الكتابة الإبداعية. في رأي د. حسين حمودة أن علينا للأسف الشديد أن نسلم بأن هذا الاتهام له جذور أنبتته في حياتنا الثقافية العربية. وقد سمعت الكثير عن تجارب أدبية نسبت إلي عدد من الأسماء التي لم يعرف أصحابها أن لهم صلة بالإبداع. بل سمعنا عن بعض الكتاب الذين ألفوا بعض الأعمال التي في أدبنا العربي. مثل صدام حسين ومعمر القذافي. هذه الظاهرة لها امتدادات قديمة. ليس في أدبنا العربي. وإنما في بعض الآداب الإنسانية الأخري. ولعل أشهر مثال علي ذلك الجدل الذي ثار لمرات متعددة. حول تجربة وليم شكسبير نفسه. فهناك شبه قرائن علي أن هناك كاتباً مغموراً في الفترات التي عاش فيها شكسبير. وأن هذا الكاتب المغمور قد باع للاسم الذي عرفناه. أي وليم شكسبير. والأمثلة علي هذه التجارب المؤسفة كثير. خاصة في مجال الصحافة التي صار فيها عدد من "الكتاب" الذين لا علاقة لهم بالكتابة. والذين يعتمدون علي كتاب ناشئين يكتبون لهم. وفي النهاية. فإنه يمكن لناقد مدقق ومتعمق أن يكتشف. ويكشف. هذا التدليس. وهذا كله يعني أن تجربة الأدب ليست منزهة تنزيها كاملاً ومطلقاً. وأن الحياة الأدبية عبر التاريخ. وعبر الثقافات. كانت جزءاً من الحياة الاجتماعية التي لا تخلو من مزاعم. ومن زيف: ومن نفوس إلي الشهرة علي حساب كل الأخلاقيات. تجاوز ويعتبر د. أحمد عتمان أن الطرفين يتساويان في درجة الإجرام. بمعني أن أي أديب. إذا صح أن تطلق عليه كلمة أديب. هو مجرم مثل الذي دفع له عن هذا التزوير. نحن نحكم علي المزورين إن زوروا شهادات أو صحكوك. ولابد من تجريم مثل هذا. وبالتالي المطلوب أن نخليهم إلي القانون. وحتي تلك اللحظة. فإن القانون فيه ما يجرم ذلك. في حين أن العالم كله يتحرك في الملكية الفكرية. ويمكن إضافة نص لتجريم هذا الفعل. أما القيمة الأدبية والمضمونية فالسؤال هو: كيف لطرف أن يقبل هذا. سواء من دفع. أو من دفع له. أديب والتسمية فيها تجاوز يعتمد علي أديب آخر كلياً. تصبح له قيمة غير حقيقة. مثل هذا الشخص لا يستحق أن يوضع في قوائم المبدعين. الإبداع لا يشتري. وهذه الظاهرة تعبير عن إفراز المجتمع وثقافته. بحيث يمكن للأغنياء أن يصبحوا أدباء وشعراء وموسيقيين. من المقبول أن تجري في نص ما تعديل وتصويب. وأن تعاد صياغته. ولكن من غير المقبول أن يشتري شخص إبداع غيره. لقد اعتمد ملوك ورؤساء علي حاشيتهم علي نقل ما يكتبون. مع إجراء تصويبات. أو إعادة صياغة خطب الملوك والرؤساء.. لكن من المستحيل أن يصنع المال الشخص فاقد الموهبة أديباً له إسهاماته التي تعطيه مكانة لا يستحقها ! ممنوع السكوت ويقول الروائي أحمد الشيخ: لا أحد يجرؤ علي فعل هذا الشيء. ومن يفعل ذلك هو متجرد من كل المشاعر البشرية. فالمفترض أن الكاتب حالة من حالات الرقي الإنشائي. فهو يبحث عن الجديد والمفيد للبشر. ويسعد الناس. أما من يفعلون هذا الفعل فهم مرضي. ولا أعرف كيف يتم استئصالهم. كيف يحدث هذا. وكل المشتغلين في مجال الإبداع يتفرجون. وكأن الموضوع لا يخصهم. هذا أمر لا ينفع السكوت عنه. فهو يعني مهادنة مع من لا يجوز مهادنته. علينا أن نعرف أن هذا البلد ليس سوقاً. نحن محتاجون لصياغة العقل المصري. وأعتقد أن ثورة 25 يناير كانت ترجمة لشعب رفض أمثال هذه النماذج المهترئة. وخاطب الشعب ببساطة وعفوية. علي كل الكسالي أن يشاركوا. وعلي من كانوا يمارسون هذه الادعاءات أن يختفوا. من يقوم بهذا الأمر عليه أن يخجل من فعله. ومن يتواطأ معهم أن يخجلوا من مثل تلك الكائنات التي فقدت إنسانيتها. وهي تأخذ أي حاجة. وتحولها إلي تجارة فاسدة. وعلينا جميعاً أن نواجه. ونكشف الألاعيب. ويدين الشاعر مجدي عبدالرحيم هذه الظاهرة لا لمجرد أن مبدعاً يبيع موهبته. وإنما لأن هذه الموهبة من الله. فهو قد باع شيئاً خصه به الله. إضافة إلي أن ما يحدث هو تزوير بكل المقاييس. فقد أفاد آخرين بموهبته ليحققوا مكانة زائفة. تتيح لهم مواردهم المادية أن تكون أعلي مما يستحقه أدباء يمتلكون مواهب حقيقية. لكنهم يعجزون أحياناً عن مجرد تسويق فنهم. أو نشره بأية وسيلة. بينما تفتح كل الأبواب للأدعياء والمزيفين. ولا تبرئة لبائع موهبته بحجة أنه يحتاج إلي مال. فمن واجبه أن يدافع عن موهبته. ولا يصح في النهاية إلا الصحيح. زائد أن بعضهم يتنازل عن موهبته مجاملة. أو لأنه مازوشي الطبع. إنه أشبه بمن منحه الله رزقاً وفيراً. فأنفقه في غير مجاله. بحيث يجب أن يقام عليه الحد. أما شاري الموهبة فإن من حق المجتمع ممثلاً في الدارسين والنقاد والإعلاميين أن يدينه ويفضحه. ويزيحه من الحياة الثقافية.