لولا متاعب الشيخوخة والمشكلات المزمنة التي أصابت عيني في السنوات الأخيرة وجعلتني أري بصعوبة شديدة ما توقفت عن مراسلة بابكم المفضل ومتابعة كل ما ينشر فيه ومع ذلك حاولت وأمسكت بالقلم من جديد لأكتب لكم عن حديث دار مؤخرا بيني وبين اثنين من أصدقائي من محبي الشعر والتراث والمهمومين بأوجاع الناس ورصد الخلل الذي أصاب كثيرا من تعاملاتنا هذه الأيام. صديقي المهندس مصطفي إسماعيل" 63عاما" يري أنه رغم الأزمات وضغوط الحياة فالدنيا لا تزال بخير فالمتصدقون في السر والعلن موجودون بيننا وهم لا يختلفون عن قصة "المتصدق المجهول" التي تتناقلها كتب التراث عن ذلك الثري الذي كان يمتلك منزلا كبيرا من عدة طوابق يسكن هو وأسرتة بالطابق الثاني أما الطابق الأرضي فأقام به أربعة دكاكين الأول أجرّه لجزار والثاني لخباز والثالث لصيدلي والرابع لتاجر أقمشة. وفي يوم جاءه مجموعة من الفقراء يطلبون منه صدقة فلم يعطهم شيئا وصرفهم في أدب فاتهموه بالبخل ثم ذهبوا للجزار يطلبون صدقة فأعطي كلا منهم قطعة لحم بلا مقابل وتكرر ذلك من الخباز والصيدلي وتاجر القماش حين أعطوهم ما طلبوه مجانا واستمر الحال هكذا إلي أن مرض صاحب المنزل مرضا شديدا ولم يزره أحد وفي يوم من أيام رمضان مات الرجل ولم يخرج في جنازته سوي أهله ومستأجري الدكاكين الأربعة. وحين عاود الفقراء طلب الصدقة من هؤلاء التجار لم يعطوهم شيئا وقالوا لهم: مات بالأمس من كان يدفع لكم ثمن ما كنتم تأخذونه بالمجان.!! أما صديقي "باسم محفوظ " فمضي يعرب عن استيائه من الذين لا يملون الفصال عند الشراء للفوز بأقل سعر ممكن من البائع متناسين أنه له الحق تماما مثلهم في الكسب والعيش وانتقي لنا حكاية أخري من التراث عن ذلك الرجل الذي اراد شراء حصان فأرسل في طلب بائع الخيول الذي اتي له بحصان عربي أصيل. فسأله بكم تبيعه؟ قال: بثلاثمائة دينار. فقال الرجل: لا اشتري بمثل هذا المبلغَ! فظل البائع يقلل الثمن مرة واثنتين ومع ذلك رفض الشراء حتي فاجأه قائلا : أشتريه منك بأربعمائة دينار فقد أتيت لي بافضل الخيول وأنا من الذين يعملون بقوله تعالي: "ولا تبخسوا الناس أشياءهم". لقد رأيت في حديث هذين الصديقين ما يستحق أن نتوقف عنده لنراجع كثيرا من تعاملاتنا مع الآخرين عند الأخذ والعطاء. شاعر الخطاطبة: أحمد جعفر المنوفية المحررة : عودى أحمد يا صديق الباب لا حرمنا الله من مشاركاتك التي تحمل دائما طابعا مختلفا عن السائد في هذا الباب لكن في النهاية تصب فيما نرمي إليه من نشر الروح الإيجابية والأخذ بأيدي المحبطين واليائسين إلي دنيا التفاؤل والأمل. وما أروع ما تحمله لنا كتب التراث من قصص وعظات نجد فيها العلاج الناجح لكثير من الأمراض الاجتماعية التي باتت تشيع في حياتنا اليوم كالبخل والجشع والكبر والتعالي في بعض الأحيان وما أجلها جلسات السمر والحكايات بين الأصدقاء حين يكون الحديث عن كيفية استنهاض القيم والأخلاق النبيلة في كل تعاملاتنا. فذلك المتصدق المجهول لم يزعجه اتهامه بالبخل لأنه يعلم تماما ما بينه وبين ربه. وذلك المشتري الأمين الذي ظهر جليا في تصرفه قول الحبيب المصطفي "صلوات الله عليه وسلامه": "رحم الله عبدا سمحا إذا باع. وسمحا إذا اشتري. وسمحا إذا قضي. وسمحا إذا اقتضي". وأخيرا يبقي دعاؤنا لشاعر الخطاطبة بأن يمن الله عليه بالشفاء وأن يديم عليه تلك الصحبة الطيبة وفي انتظار مزيد من الرسائل.