إذا استعرنا لغة البحث العلمي. فثمة المصادر والمراجع. المصادر هي النبع الذي يصب في المراجع ليفيد منها الباحثون. وألف ليلة وليلة- في ضوء هذا المعني- هي المصدر الذي أفاد منه عدد يصعب حصره من المبدعين في كل أنحاء العالم. كان بداية تعرف القارئ الاوروبي إلي ألف ليلة في مطالع القرن الثامن عشر. في عام 1704 علي وجه التحديد عندما رآها الباحث الفرنسي جالان. فأعجب بها. وأقدم علي ترجمتها ونشر الترجمة مع ترجمة انجليزية عنها. وفي مدي سنوات كانت ألف ليلة قد أصبحت بعداً هاماً في الثقافات الاوروبية جميعاً يكاد يصل- في أهميته وتأثيره الادبي- إلي مرتبة التوراه والاساطير الاغريقية أثرت ألف ليلة وليلة في التراث القصصي العالمي كله أحب فيها أدباء الغرب: الخيال. الاسطورة الغرائبية ما اصطلح علي تسميته بالواقعية السحرية وصف ستندال ألف ليلة وليلة بأنه كتاب يعشقه وكان من بين من تأثروا بها الروائي الايطالي إليو فيتوريني. مثلت له- علي حد تعبيره- نبع الخيال وكتب جارثيا ماركيث إنه قرأ ألف ليلة فصار مبدعاً وشخصيات الليالي قائمة في أعمال بورخيس. وذهب أ.ل. رانيلا إلي إن للعرب فضل إبداع الحكايات بوصفها أدباًً. فهم قد ثبتوا شكل القص الخيالي المصور للحياة وأجري بعض الباحثين دراسات موضوعية متعمقة حول عناصر التشابه بين حكايات ألف ليلة وليلة وحكايات بوكاشيو الايطالية "الديكاميرون" مائة حكاية يرويها سبع فتيات وثلاثة رجال بعضهم لبعض التأثر لايقتصر علي مادة الحكايات فحسب وإنما يمتد إلي فنية التناول أيضاً من هنا جاء وصف استاذنا طه حسين لالف ليلة بأنها خلبت عقول الاجيال في الشرق والغرب قروناً طويلة ونظر الشرق إليها علي أنها متعة ولهو وتسلية علي انه بعد ذلك خليق ان يكون موضوعاً صالحاً للبحث المنتج والدرس الخصب رأي بعض مؤرخي الادب في مغامرة شهريار تصرفاً لايخلو من الافتعال بأذن لحكايات الرواية ان تتعاقب وتتداخل لكن فنية حكايات ألف ليلة وليلة تتمثل في تداخلها. الحكاية الواحدة تتفرع منها حكاية ثانية وتتفرع من هذه الحكاية حكاية أخري ثالثة.. وهكذا حتي تنتهي الليالي الالف بعفو شهريار عن شهرزاد لطول العشرة ولجمال الحكايات وللاولاد الثلاثة الذين انجبتهم منه دون ان يدرس وشهرزاد- في زمانها ومكانها- هي واحدة من أقوي الشخصيات في تاريخ الادب. إنها تفوق في ثقافتها وسعة خياليها وحسن تصرفها وثقتها بنفسها كل الشخصيات النسائية- أكررر: كل- في الادب العالمي إطلاقاً ولعلي أشير إلي إفادتي الشخصية من الليالي في روايتي "زهرة الصباح". إذا كانت شهرزاد قد أفلحت في النجاة بحياتها بسلاح التشويق. فإن ذلك السلاح تمثل في الكلمة كانت الكلمة هي الاداة الفعالة في السلاح الذي استخدمته شهرزاد حتي تفر من المصير المؤلم لجأت إلي الحكي إلي سرد الحكايات المشوقة التي توالت وتداخلت وامتدت من خلال أداة رئيسية هي الكلمة. الكلمة التي ترسم الحدث والشخصية وتصنع الحبكة التي تحدث التشويق بالتالي. ثم محاولة المتابعة عبارة "وهنا أدرك شهرزاد الصباح" تقف في تقاطعات الحدث الحكائي وتعد باستكماله في تواصل الحكي في ليلة تالية. وهكذا. حكايات ألف ليلة وليلة تؤكد القدرة القصصية والروائية. ليس عند مؤلف محدد وإنما عند العشرات. وربما المئات من الحكائين والقوالين والادباء الذين اضافوا وحذفوا وجعلوا النص مفتوحاً حتي انتهي إلي الصورة التي هو عليها الآن إنها تعبير عن القدرة الحكائية عند الشعب العربي. رواية شريف عابدين "سر شهريار" إضافة مؤكدة إلي الابداعات التي نهلت من نبع ألف ليلة وليلة بدأت حكاياته من قبل البداية لم تعد الزوجة التي انحرفت بطبيعتها الحسية إلي خيانة زوجها لكنها الزوجة والام التي وجدت بتأثير شيخوخة الزوج- الشيخوخة بالمناسبة. هي العمر المتقدم وليست الكهولة كما وصف الراوي شهريار الرواية فالكهولة هي المرحلة من الاربعين إلي الستين! وجدت في حضن العبد الاسود ما ينسيها الزوج والابن وكبرالابن وصار ملكاً وأمام عينيه صور واضحة. وشاحبة للعلاقة الاثمة بين الزوجة الام والعبد وحين قرر ان ينتقم فقد اتجه بالفعل إلي تلك الوسيلة الغريبة: يزفون له كل ليلة فتاة ويقتلها في الليلة نفسها حتي جاءت شهر زاد بحكاياتها فبدلت كل شئ. تشابكت في نسيج الرواية- بفنية متفوقة- استدعاءات التراث. والوصل بين الخيال والاسقاط السياسي. والتأزم النفسي والضغوط المجتمعية وبشاعة القهر والتوق إلي الحرية وحداثة التقنية والاسلوب. تشابك ذلك كله في صياغة رواية شريف عابدين بما جعل منها عملاً فنياً ممتعاً جديداً بالقراءة.