في إطار جهود منظمة التنمية الإدارية العربية المستمرة لمكافحة الفساد والحد من انتشاره لخطورته علي استقرار وأمن المجتمعات وتقويض لخطط التنمية. انتهت أعمال الملتقي العربي الرابع الذي أقامته المنظمة علي مدار يومين بالتعاون مع المنظمة العربية للشفافية تحت عنوان "ادماج الأسس الدولية لمكافحة الفساد في أعمال الإدارة" وذلك لمناقشة كافة السبل والإجراءات وتبادل الرؤي والتجارب المتبعة في مواجهة أبعاد الظاهرة وكشف مواطن الخلل لكي تستطيع الدول من تحقيق نجاحات في آليات التصدي بجانب الاستفادة من تجارب الدول والاتفاقيات الدولية. شارك في أعمال الملتقي العديد من الخبراء والمتخصصين في مصر وسوريا والعراق وتونس والمغرب. أكد د.ناصر القحطاني مدير عام منظمة التنمية الإدارية العربية ان الفساد وسوء استخدام المنصب العام سلوكاً ينطوي علي تخطيط مسبق وسوء نية مبيتة يمارسها بعض الموظفين ضعاف النفوس لتحقيق مصالح ومكاتب شخصية لذلك من المطلوب المشاركة المجتمعية لأنها أساس مهم في توحيد الجهود الحكومية لمكافحة الفساد. أضاف أنه من الضروري فتح قنوات اتصال شفافة وتواصل مع الموظفين والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني والتركيز علي النشاطات الوقائية التي تستهدف بناء الإنسان والتركيز علي برامج التوعية وتحفيز الوازع الديني والأخلاقي والقيمي. طالب بتحويل مدونات السلوك الوظيفي إلي مدونات ذات أحكام ملزمة كالقوانين وتضمينها أحكام توضح المخالفات والإجراءات التأديبية وكذلك تضمين المدونات الأحكام التي تنظم تعارض المصالح وإجراءات الإنفاق العام والإبلاغ عن حالات الفساد. أوضح ان النظر إلي موضوع تعارض المصالح باعتباره سلوكاً بشرياً وليست جريمة يتطلب رفض الجزاء التشريعي ا لقائم علي مكافحتها وهذا يعني ضرورة الإسراع نحو تطبيق إجراءات الحكومة المفتوحة من إتاحة وتبادل المعلومات والبيانات بين الجهات الحكومية المختلفة من ناحية ومع متلقي الخدمة من ناحية أخري وبالتزامن مع نشر إجراءات الحوكمة الإلكترونية كالربط بين إقرارات الإفصاح عن الدفة المالية والمعاملات البنكية للموظف العام ولذلك فمن المهم إصدار قانون الحق في الحصول علي المعلومات ووضع إجراءات عملية للتأكد من التزام كافة الجهات للإفصاح من حالات تضارب المصالح. قال إنه من الضروري ان تنص قوانين مكافحة الفساد في كل البلدان العربية بإلغاء كافة الإجراءات التي تتخذ بحق الموظف العام الذي يبلغ عن شبهات فساد مع فرض العقوبات التأديبية مع عقوبات علي عدم الالتزام بهذا النص. لابد أن يكون الإبلاغ عن حالات الفساد أمراً متاحاً ومباشراً دون حاجة لالتزام المبلغ بالتسلسل الإداري مع اتباع أساليب تشجيعية للموظف الذي يبلغ عن حالات فساد أو تضارب مصالح. قدم العقيد أشرف محمد من الرقابة الإدارية ورقة عمل حول استرداد موجودات الفساد والأموال المنهوبة موضحاً ان جرائم غسل الأموال ونقلها للخارج يعد من أكثر جرائم الفساد خطورة علي كافة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية فهي مشكلة تتسم لآثارها السلبية التي تهدد القيم الأخلاقية وتخل بمبادئ العدالة والمساواة. أشار إلي أن القيادة السياسية قدمت كل الدعم لإنقاذ القانون لمنع الفساد بجميع صوره وأشكاله للحفاظ عل ثروات ومقدرات الشعب والعمل علي خلق مناخ يشعر فيه المواطن بالعدالة والمساواة. أشار إلي أن تتبع الأصول المنهوبة يتطلب إجراءات متعددة نتيجة اندماج الأموال في النظام الدولي عبر نظم الكترونية مشفرة ولذلك فهي عملية معقدة وصعبة تحتاج لأطر ونظم واستراتيجيات وخبرة في عمليات التتبع وكل هذ ه الخطوات تستغرق وقتاً طويلاً. قال إن التعاون الدولي أمر مهم للغاية يعطي دفعة لاسترداد الأموال وذلك في إطار تنفيذ الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية الأممالمتحدة ومبادرة "ستار" التي أطلقها البنك الدولي ومبادرة "شراكة" التي أطلقتها مجموعة الدول الثماني في فرنسا عام 2011 وكذلك الاتفاقية العربية واتفاقية الاتحاد الأفريقي لأن كل هذه الاتفاقيات والمبادرات حددت نصوصاً واضحة باسترداد الأموال المهربة إلي الخارج باعتبارها ظاهرة عابرة للحدود لا يمكن مواجهتها إلا بالجهود الدولية. أوضح ان هناك معوقات قانونية تتمثل في الإجراءات القضائية ومعوقات إدارية تتمثل في عدم كفاية الأدلة والخبرة المحدودة في إعداد هذه الملفات وبالتالي لابد من التنسيق الكامل بين الجهات المختلفة وتقديم المساعدة القانونية المتبادلة. أوضح ان الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر القرار 28 لسنة 2015 بشأن تنظيم اللجنة القومية المعنية باسترداد الأموال حفاظاً علي حقوق الدولة والمواطنين وهذه اللجنة يرأسها النائب العام و12 عضواً من ضمنها الرقابة الإدارية وتم وضع استراتيجية لاسترداد الأصول المهربة بجانب تلقي طلبات الصلح من قوائم المتهمين مؤكداً ان المسئولين يتواصلون مع الجهات التي أعلنت عن وجود أموال مصرية لديها من أجل استمرار تجميد هذه الأموال وعدم إعادتها تحت تصرف مهربيها مشيراً إلي أن جميع التعاملات في هذه القضية تجري بشكل قانوني عبر مسارات التفاوض والتعاون. قال إن اللجنة تلقت أكثر من 200 طلب للتصالح يتم دراستها لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها وحتي هذه اللحظة تم استعادة خمسة مليارات جنيه. طالب بضرورة إصدار الدليل العربي الاسترشادي بجانب توقيع اتفاقيات تعاون ثنائية وإصدار تشريعات وفقاً لأحدث النظم العالامية لمواجهة تهريب الأموال ولتسهيل عملية الاسترداد لأن قضايا الفساد لا تحارب من خلال الشعارات ولكن بإجراءات شاملة تشخص المشكلة وتقترح العلاج. قدم د.علي صديق محمد خبير مكافحة الفساد ورقة عمل تحدث فيها عن الإطار التشريعي لتجريم أفعال الفساد أوضح فيها ان السنوات الأخيرة شهدت تزايد التوافق الدولي حول ضرورة بذل أقصي الجهود لمواجهة هذه الظاهرة سواء من حيث الوقاية أو المنع أو من حيث التجريم والملاحقة وفي هذا الإطار بدأت معظم دول العالم إجراء الإصلاحات التشريعية والمؤسسية وتعزيز التعاون الدولي. أوضح ان اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد تعد الإطار الدولي والمتضمن واجبات الحد الأدني التي يفترض بكل دولة ان تقوم بها لتضمن فعالية وجدية جهود المكافحة داخل حدودها وعبرها وتبنت الاتفاقية من خلال الفصل الثالث المختص بالتجريم وإنفاذ القانون إطاراً تشريعياً للتجريم والعقاب يتسم بعدة سمات أهمها توسعها في تجريم الفساد الذي يقع من القطاع الخاص والأشخاص الاعتبارية لإضفاء مزيد من الحماية علي الأموال العامة والخاصة. إضافة إلي أنها تركت المجال أمام الدول لتقرير وإضافة ما تراه مناسباً من جرائم في تشريعاتها العقابية. ويتسم النظام الجزائي بالتنوع ويضم صوراً متعددة من الجزاءات المالية مثل المصادرة والتعويض عن الضرر وكذلك فسخ العقود وإلغاء حقوق الامتياز. أشار إلي قيام كافة الدول بإنشاء محكمة وطنية مستقلة متخصصة في جرائم الفساد يتولاها قضاة متخصصون لأن قضايا الفساد من أكثر القضايا تعقيداً وتتطلب خبرات متخصصة لملاحقتها وكشفها إضافة إلي سرعة البت فيها بما يكفل ضبط الجريمة بالسرعة المطلوبة وملاحقة ومعاقبة الفاسدين. د.خالد المهايني وزير المالية السابق بسوريا قال إن الفساد لا يخص مجتمعاً بعينه أو دولة وإنما ظاهرة عالمية تشكو منها جميع الدول ولخطورته علي الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والمالي والإداري استحوذ علي اهتمام المجتمع الدولي وتعالت النداءات بضرورة الحد من انتشاره لذلك صدرت اتفاقية الأممالمتحدة وكذلك الاتفاقية العربية بجانب مجموعة من المبادرات الدولية والإقليمية والعربية لمكافحة الفساد. أوضح ان ممارسات الفساد تتركز في المجالات التالية العقود والإيرادات الحكومية والإجراءات البيروقراطية والتوظيف وتوزيع المناصب العامة. طالب بضرورة تطوير أدوات وبرامج الإصلاح المالي والإداري مع تقييم ومتابعة عمليات الإصلاح بجانب تقوية أساليب الرقابة وإشراك المجتمع المدني ومؤسسات الإعلام لتعميم ونشر ثقافة المكافحة والمواجهة. أكد إنشاء مراكز علمية وبحثية ومعاهد متخصصة في تدريب الكوادر العاملة في الكشف والتحقيق. إدخال برامج ومناهج تعليمية في جميع المراحل الدراسية لتنشئة أجيال تنبذ الفساد وتفعيل المحاسبة والمساءلة باعتبارها ركيزة أساسية لتفعيل الرقابة. ثورة كاظم عضو بالبرلمان العراقي أوضحت ان انهيار المستوي الاقتصادي واحد من أهم أسباب انتشار الفساد مثل ما حدث بالعراق عام 91 مؤكدة أهمية إصدار التشريعات المجرمة وفقاً لأحدث المعايير الدولية. ليث الشاهد و زارة البترول- العراق أكد أهمية الالتزام بشفافية باعتبارها السبيل للوصول إلي التنمية الشاملة موضحاً ان العلاقة بين الشفافية ومحاربة الفساد علاقة عكسية بمعني أنه كلما قلت الشفافية زاد الفساد لذلك لابد من إصدار تقارير دورية حول أداء وعمل الحكومات في إطار اتباع نهج شامل ومتعدد الجوانب للمنع والمكافحة بصورة فعالة. وفي ختام أعمال الملتقي تم إصدار مجموعة من التوصيات منها ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد مع ضرورة الإفصاح عن خطة عمل واستراتيجيات دقيقة بمشاركة المجتمع المدني كذلك وضع مناهج تربوية وثقافية بواسطة وسائل الإعلام لإرساء ثقافة النزاهة وحفظ المال العام. تطوير منظومة تشريعية للمارسات الحكومية وتشديد العقوبات علي جرائم الغش والفساد في جميع الجوانب الإدارية والمالية إلي جانب منح مؤسسات الرقابة ومكافحة الفساد الضمانات القانونية والفعلية لتأدية مهامها بشفافية وفاعلية وأهمها الاستقلالية عن السلطة التنفيذية والعمل علي تفعيل وسائل المحاسبة والمساءلة ومنح هيئة مكافحة الفساد صلاحيات واسعة لتعقب الظاهرة وضرورة نشر الحكومة تقاريرها الدورية والسنوية لكافة الأعمال بما يعزز ثقة المواطن وإسهامه في التصدي للفساد والتأكيد علي إلزام جميع موظفي الدولة والمسئولية مهما كان موقعهم بالإفصاح عن ممتلكاتهم ونشر الذمم المالية لكبار المسئولين ومتابعة الزيادات التي تطرأ عليها تطوير أدوات وبرامج الإصلاح وترسيخ سيادة القانون وتحديث وسائل وأساليب الرقابة واستخدام التقنيات الحديثة مع رفع درجة الوعي لدي المواطنين لحثهم علي الإبلاغ عن وقائع الفساد وتوفير مجموعة من الضمانات تكفل سلامة الشهود والمبلغين وتحسين الأجور والمرتبات للموظفين الحكوميين وفرض محاكمات علنية علي المتورطين في قضايا نهب المال العام مع استرداد جميع الأموال والممتلكات المنهوبة. وأخيراً دعوة جامعة الدول العربية إلي اعتماد آليات قوية لتقييم آثار الاتفاقيات الثنائية بين المنظمات الدولية ودول العالم العربي مع التأكيد علي ضرورة التعاون الدولي العربي في تنفيذ الأحكام القضائية فيما يتعلق باسترجاع الأموال المنهوبة.