الصدفة البحتة قادتنا إلي هذا المكان ففي طريقنا إلي منطقة اسطبل عنتر بمصر القديمة أو كما يحلو لأهلها أن يسموها "مصر العتيقة" مررنا علي طريق الفسطاط "عاصمة مصر التي بناها عمرو بن العاص عقب فتح مصر عام 641م في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب والتي تعد أول عاصمة عربية في قارة أفريقيا" ثم تجولنا يمينا كي نصل إلي منطقة المفارق ومنها نتجه شمالا إلي نفق الطريق الدائري للمعادي ونعبر النفق في طريق مرتفع يأخذنا إلي قمة هضبة القاهرة التي لا نعلم جميعا عنها اي شيء وهزمتها العشوائيات وتحولت إلي بيوت وشوارع حتي نصل إلي قمة الهضبة المسماه عزبة خير الله حتي نسلك هبوطا الطريق إلي أسطبل عنتر وهناك انتابتنا انا وزميلي المصور حالة من الذهول والحماسة والغضب الشديد. لقد أصابتنا الصدمة بعد مرورنا من شارع ضيق لنصل إلي ساحة كبيرة جدا بهذا المبني الأثري الضخم الشاهق الارتفاع الذي لم نكن نتوقع أن نشاهد مثله في هذا المكان وبهذا الإهمال والتسيب ملقي علي جوانبه بقايا الخشب المستخدم في عمل الديكورات في الأفلام والمسلسلات والبرامج وتحيطه القمامة المشتعلة التي يعلو دخانها الأسود لكي يطمث أي أثر لهذا المبني العملاق ولكن هيهات. مبني علي شكل مستطيل يبدو من الخارج أشبه إلي حد كبير بالجامع الأزهر ولكن بدون مأذن مجرد سور كبير أثري من زمن المماليك علي ما يبدو لم نتبين اسمه ولا توجد عليه أي علامة مميزة أو يافطة تقول ما هو. منظر مألوف شاهدته في أفلام كثيرة مثل "الناصر صلاح الدين" و"عنتر بن شداد" و"وا اسلاماه" وغيرها. له بوابات ضخمة ونوافذ كبيرة وطابيات كالتي توجد في القلاع الحربية والمدن الاسلامية القديمة وطرازه المعماري ينتمي إلي العصر المملوكي أو الأيوبي تحيطه القمامة من كل جانب تنتشر علي جدرانه المبنية من الحجر الأبيض الجميل آثار الحرق تخنقه المباني العشوائية من كل جوانبه يتوسطهم هو عملاق يقف وسط الميدان و"بالفعل المكان يشبه الميدان" يتحدي الجميع بالرغم من شيخوخته. طار عقلي وأنا أمر بجوار السيارة ونسيت تماما مهمتي الصحفية التي أتيت إلي هذا المكان من أجلها وبحثت عن أحد من أهالي المنطقة حتي يأخذنا في جولة داخل هذا الأثر ولم يتأخر أهالي المنطقة "عزبة خير الله" في اصطحابنا فالجميع يبدو في قمة الغضب من حال هذا الكنز الأثري الموجود في منطقتهم. أفاد أهالي المنطقة بأنهم لا يعرفون عنه سوي بعض القصص منها انه كان السجن الحربي في عهد المماليك أو إنه مخزن الذخيرة في عصر محمد علي باشا. كان هناك صعوبة في الحصول علي صورة بانورامية للموقع لان المباني تحيطه من كل جانب وقريبة منه جداً ولتصويره بشكل كامل يحتاج إلي طائرة علي ارتفاع كبير حتي نستطيع التقاط صورة توضح شكل المكان بالكامل. عندما دخلنا إلي البوابة العملاقة المصنوعة من الخشب ذات الباب الواحد بصحبة أحد شباب المنطقة ويدعي أحمد رجب وجدنا البوابة الأخري الداخلية وهي عبارة عن بابين يغلقان معا أحدهم ملقي علي الأرض والثاني مازال صامدا وبه فتحة صغيرة يمر منها رجل واحد فقط وهو منحني "بالفعل أشعر انني في فيلم أنتقل بنا من زمننا هذا إلي زمن المماليك ولكن بفعل الروائح الكريهة عاد بنا الزمن إلي وقتنا الحاضر" والبوابات الكبري تفتح عند دخول القوات أو الرجال بخيولهم وعند المرور من البوابتين نجد انفسنا في ساحة كبيرة يتوسطها مبني مستطيل ايضا والذي اكتشفنا ان به مبني داخل مبني ايضا ويتوسطه ساحة فارغة وكله حجرات من الداخل وليس مجرد سور خارجي فقط وانما غرف تحيط بساحة كبيرة وفارغة بفعل الزمن من اي بناء سوي من مسطبة قيل لنا انها مسطبة الشنق وبجوارها بيارة تلقي فيها الجثث أي اننا في وسط ساحة الإعدام!! وعند النظر في البيارة نكتشف أن الساحة الخالية التي نقف عليها في هذا الخلاء هي سقف لحجرات أسفل الأرض فعلي ما يبدو من قام ببناء هذا السجن نحت في الصخر أسفله ثم بني فوقه هذا السور الضخم الذي يحيطه وأكد لنا مرشدنا في هذا المكان الغامض أن هذا كان موقع تصوير العديد من الافلام كما اخبرنا سكان المنطقة فلقد تم تصوير أفلام "صلاح الدين الأيوبي" و"عنتر بن شداد" و"وا اسلاماه" في هذا الموقع اذا المكان ليس مجهولا بنسبة للسينمائيين أو وزارة الثقافة. فالمكان عبارة عن سور ضخم مستطيل الشكل بداخله غرف ثم ساحة فارغة في وسطها مبني مستطيل ضخم عند الدخول إليه نكتشف إننا في وسط ساحة أصغر وبه أيضا حجرات داخلية ولا يوجد سوي الرمال والأتربة والأحجار المحطمة والغرف مظلمة ولا يوجد بها أي وسيلة للإضاءة مما يجعل الدخول إليها لا تحمد عواقبه. وفي السور الخارجي من الداخل سلالم صخرية تؤدي إلي سطح السور قالوا لنا إن الحرس بخيلهم كان يقف علي هذا السطح بإعلامهم الملونة وحربتهم الطويلة يراقبون القادمين إلي هذا المكان "الحصن" من بعيد نعم انه اشبه بحصن أو قلعة حربية عسكر فيها الجنود في عصور سابقة. الجبخانة بحثنا عن اسم المكان علي الانترنت لنعرف حقيقته وتاريخه فكانت المعلومات الموجودة عنه قليلة جدا وغير دقيقة تقول: أن اسمه "الجبخانه" وهي كلمة تركية تعني مخزن السلاح؟؟ وتم إنشاء الجبخانة عام 1830 وهي تعتبر ثالث "الجبخانات" التي أقامها محمد علي في مدينة القاهرة لحفظ البارود بعد جبخانة القلعة وجبخانة جبل الجيوشي شرق قلعة صلاح الدين ويتكون المبني من المسقط الأفقي للجبخانة وهو عبارة عن مستطيل تحيط به أربعة طوابق في أركانه وهي عبارة عن أبراج مربعة و"الجبخانة" مكونة من طابقين أرضي وعلوي الطابق الأرضي عبارة عن فناء كبير يحتضن مبني مستودع حفظ البارود ويوجد تحت هذا المبني في منسوب منخفض صهاريج كانت مخصصة لحفظ الماء بينما الدور العلوي يحتوي علي بقايا غرف كانت تعلو المدخل وللمبني أربع واجهات متشابهة فيما عدا واجهته الشمالية الغربية التي يتوسطها المدخل الرئيسي وارتفاع الوجهات غير ثابت. أكد الأهالي أن هذا المبني تحول إلي وكر لتعاطي المخدرات والبلطجية نتيجة لتركه دون حراسة من زمن طويل. يقول أحمد رجب: إذا كانت الدولة مستغنية عن هذا الأثر فالأولي أن تمنحه للأهالي للاستفادة به بدلاً من تركه مهملاً ووكراً لتعاطي المخدرات وملجأ للبلطجية فنحن الذين نتولي حماية المكان متسائلاً كيف تترك الدولة هذا المكان الأثري الضخم الذي تبلغ مساحته أكثر من 6 آلاف متر تقريباً؟! حكايات أم حيدر عن المقاومة الشعبية الحاج محمد عبدالكريم من سكان المنطقة اصطحبنا في جولتنا الثانية لزيارة هذا الموقع الاثري المهم وتحدثنا معه فقال: انا كنت اسمع من حارسة المكان "أم حيدر" التي اختفت منذ فترة انه مكان كان يختبئ فيه المقاومة ضد الاحتلالات التي مرت بها مصر فكان رجال المقاومة يأتون هنا ويختبئون في "الجبخانة" وينزلون البيارات ويخرجون منها إلي القلعة فإحدي هذه البيارات تصل إلي القلعة وبيارة أخري تصل إلي النيل أي هناك طرق أسفل الجبخانة وممرات كثيرة وأن من انشأها الناصر صلاح الدين الأيوبي كمصنع للذخيرة والعتاد العسكري ولهذا فان بها طريقاً يؤدي إلي القلعة والطريق الآخر يعبر النيل إلي الضفة الأخري واستخدمه محمد علي كمخزن للسلاح وبه سجن قديم للمماليك واخيراً استخدمها قوات الهجانة السودانية كمركز لهم وفي السبعينات كان هذا المكان أثري كان هذا المكان أثري وجميل وكان يتهافت عليه المخرجون والمؤلفون ويزوره السينمائيون ولكن الآن الجبخانة أصبح حالها أسوأ ما يكون فلا يوجد حارس واحد عليها للحراسة المكان وحمايته. الدراسات موجودة ولكن!! ويؤكد خالد حموده رئيس جمعية النور بعزبة خير الله أن خطط التطوير ودراسات الاستفادة من هذا الموقع الأثري المهم حبيسة أدراج مسئولي الآثار منذ سنوات طويلة جدا ويتحججون بوقوع هذا الأثر في منطقة عشوائية وطرقه غير ممهده وكل هذا يسهل علاجه خاصة اننا قريبين من الطريق الدائري ويمكن تطوير المنطقة بالكامل وزرعها وتشجيرها وتنظيف المبني الاثري ترميمه واستغلاله وتحويل المنطقة لمزار سياحي عالمي لو لدي المسئولين الخيال والارادة والوطنية لخدمة مصر هذا الأثر شاهد علي عصر تاريخي مهم وفوق تل كبير اي منطقة مرتفعه عن سطح البحر يمكن تحويلها ببساطة إلي مزار سياحي يدر دخلاً علي البلد كما حدث في القاهرة الفاطمية وهذا حلمنا نحن أهالي عزبة خير الله. والآثار تقول: واخيرا تم العثور علي بعض المعلومات القليلة عن الاثر التاريخي وتبين أنه تم اعتباره أثرا بالقرار الوزاري رقم 10357 لسنة 1951م تحت رقم 623 تاريخ انشائه 1245ه/ 1829م اي في عهد محمد علي بالفعل وكان يستخدم لتخزين السلاح والعتاد والذخيرة والوصف المعماري: عبارة عن مبني ضخم يبلغ طولها 180م وعرضها 115م يتوسطه فناء واسع بما يسمح بإقامة الفعاليات الثقافية لأهالي منطقة عزبة خير الله ويحتوي علي آبار لترطيب درجة حرارة المكان. وذلك لتجنب اشتعال بارود المخزن. وكانت الآبار عبارة عن ممرات تحت الأرض تسمي ب"صهريج" ممتلئة بالمياه. سجن وأشعار ويؤكد أحمد رجب أن علي جدران الحجرات الداخلية للمبني اشعارا مكتوبة باللغة العربية وتدل علي أن كتابها كانوا مساجين ويتمتعون ببلاغة التعبير وفصاحة اللغة ولكن بسبب عدم وجود إضاءة متوفرة داخل المبني لم نستطع التوغل فيه. الاثار أهملت المكان فتحول إلي وكر للبلطجية ليلا ولهو الأطفال نهاراً وكان في الماضي يقوم علي حراسته شرطيان يقيمان في المنطقة.. ويتساءل الأهالي.. لمصلحة من يهمل أثر تاريخي مهم ويترك للنهب والزبالة تنهش جدرانه؟!