ما الذي يجعل مخرجة شابة لديها أسلوب وتستطيع التعبير بلغة سينمائية جيدة. أن تبدأ تجربتها الأولي علي الشاشة الكبيرة لفيلم مأخوذ عن فيلم مصري. مقتبس بدوره عن فيلم أمريكي؟؟ وماذا يجبرها أن تغامر بدفع المتلقي إلي المقارنة وهي تعلم أن ترتيب فيلمها سيكون رقم 3 من حيث القيمة الفنية والترفيهية؟ الاجابة هنا ومن دون تردد هي الإفلاس وغياب ملكة الابتكار.. فالافلاس في السينما المصرية علي مستوي الابتكار أمر واقع وظاهر للعيان في أفلام العيد.. كلها دون استثناء أعمال "سكندهاند" أو "يرد هاند" أي درجة ثانية أو ثالثة وسبق استخدامها. السيناريو الذي كتبه كل من كريم فهمي وهشام ماجد يبدأ بافتعال يبدد أي قدرة علي الاندماج مع الحكاية. إذ بني علاقة البطلين بيبو وبشير علي فكرة ليست محتملة الحدوث. ألا وهي صعوبة الحصول علي شقة مفروشة مقابل ألفي جنيه. وهذا هراء لأن الشقق المفروشة في القاهرة "علي قفا من يشيل" والعثور عليها في حدود هذا السعر متاح. وليس من الضروري أن تكون في منطقة باب اللوق وسط القاهرة الصعوبة التي لم يلتفت إليها الكاتبان هو توفر ألفين جنيه لمدرس ألعاب أو مترجم لغة سواحيلي. ولعازفة درامز في فرقة هواة مغمورة. أيضاً فكرة الجمع بين "بيبو" و"بشير" من دون علمهما في شقة مفروشة واحدة دون علمهما بعد وضع شروط للإقامة وتحديد مواعيد التواجد داخل الشقة لكل واحد منهما. هي أيضاً من قبيل الكلام الفارغ صعب التحقيق.. ثم مسألة أن يتصادف وجودهما في أمكنة بعيداً عن الشقة المستأجرة وهما يجهلان أنهما شركاء داخل جدران مشترك يعتبر أمراً غير وارد. والفيلم يبني علي هذا "الجهل" مواقف وبدعًا لإثارة الضحك لا تقنع أحداً ولا تحقق الحد الأدني من الفكاهة المتوقعة في فيلم كوميدي. مثل حكاية العفاريت والزيارة المفتعلة أيضاً لأسرة "بيبو". من البداية إذن علينا أن نستقبل الفيلم كمجموعة منفصلة من المواقف أو النمر وألا نلتفت إلي التفاصيل صعبة التصديق. ولا نبالغ ونتوقع والأمر كذلك أننا ازاء تجربة مترابطة ومتسقة. وقبل حتي أن تبدأ الحكاية. وقع اختيار الكاتبين علي فكرة ليست أصيلة. وقاما بزرعها في سياق مجتمعي يلفظها شكلاً وموضوعاً. حتي لو كانت بفعل صديق مشاكس وسمسار جشع.. يقول الافتعال فضلاً عن رسمة الابتذال بعض النكات المصورة. علي سبيل المثال مشهد الجماع الجنسي بين كلبين أحدهما ضخم "انثي" والآخر ضئيل الحجم "ذكر". ثم توليد الضحك من المفارقة بين الحجمين مع استخدام مؤثر صوتي يرافق المشهد يعبر عن حالة النشوة التي تشعر بها الكلبة.. طبعاً لا أعرف كيف استطاعت المخرجة أن تنفذ هذا المشهد وكيف "أدارت" العملية وخططت لها!! وما أريد أن أشير إليه هنا أن المخرجة الشابة المتعلمة. انجرفت وراء أسوأ "داءات" السينما التجارية. تحديداً الفبركة والابتذال وغياب كلي للابتكار وأضيف للتأكيد علي وجهة النظر العلاقة شديدة التكلف بين صفية العمري وعزت أبو عوف برغم محاولات الاستظراف في الأداء التمثيلي للأخير أيضاً الشخصية الهزلية التي لعبها باسم السمرة التي لم تكن مصدراً للفكاهة بقدر ما كانت مناسبة للقرف إلا بمناسبة المشاهد "كريهة الرائحة" تسوق مشهد "حمادة"" الصديق المهرج لبطل الفيلم "بشير" في دورة المياه. وهو مشهد لم أفهمه في البداية. وأقل ما يوصف به أنه قليل الذوق. والمفارقة قدرة هذا الممثل نفسه محمد ممدوح علي أداء المشاهد الدرامية في نفس الفيلم علي نحو أفضل والتي تحتاج إلي مهارات تمثيلية تتجاوز التعبير الخارجي إلي الايحاء بأحاسيس ومشاعر تتجاوز الملامح الظاهرة. ولكن لست أريد مما تقدم أن أنسف بالكامل هذه التجربة الأولي للمخرجة مريم أبو عوف. بل قد يستطيع القارئ أن يستخلص الشعور بالخسارة أمام عمل يعكس لغة حية ومميزة تدل علي امكانيات تملكها ظهرت في مواقع من الفيلم بعيداً عن الحبكة ومنطق سير الأحداث. عنصر إدارة الممثل وتصميم الحركة داخل اطار الصورة يؤكد قدرة المخرجة علي الإمساك بمفردات العملية الاخراجية والسيطرة علي اجواء المشهد.. فالفيلم يتضمن مشاهد تقتضي منطق للحركة واحساس بدلالتها وبالذات مشاهد المجاميع علي أرض الملعب. وداخل حجرة الملابس الخاصة بفريق كرة السلة وأثناء الاشتباكات اللفظية بين اللاعبين. وكذلك في معظم المشاهد الرومانسية التي جمعت بين آسر ياسين "بشير" وبين بيبو "منة شلبي" نلحظ بناء جيداً للأحاسيس. كما تلحظ هذه المهارة نفسها في الاحساس العالي الذي تم بوعي من أجل الترويج لروح الفريق والتأكيد علي فكرة التجرد من "الأنا" لحساب "الكل" واخلاص "الكل" لحساب الوطن "مصر" ثم السخونة التي استشعرتها شخصياً في في الربع الأخير وتحديداً اثناء المباراة بين الفريق المصري والتنزاني حيث يحرص الجميع في عفوية من أجل تحقيق النصر.. واعتقد أن المخرجة في هذه المشاهد استعارت روح "الميدان" إن صح حدسي. واجتهدت لإشاعتها. ولم تكن إدارة مثل هذه المشاهد لفريق كرة السلة سهلة حيث الإيحاء بالارتجال وبعنصر العفوية في تصوير الصدام والاشتباكات اللفظية بين أفراد الفريق. مدينة بورسعيد اختيار مدينة بورسعيد كمسقط رأس للفتاة "بيبو" ومكان للمباراة لا يخلو من دلالة. وقد ظهرت بعض معانيها في أسلوب رسم الشخصية. البورسعيدية التي جمعت بين الجدعنة والقوة ومنتهي الخشونة إذا اقتضي الأمر. وبين الرقة والرومانسية في مواقف أخري.. كذلك رسم الفيلم صورة الأسرة البورسعيدية في العلاقة الطريقة التي جمعت الزوجين سلوي محمد علي وهي بالمناسبة ممثلة قوية ومحترمة ومقنعة في معظم الأدوار التي تؤديها. وبين محمد خان الذي نعرفه مخرجاً له اسهامات متينة ممتازة ورؤية اجتماعية نافذة "هند وكاميليا بنات وسط البلد" ويمتلك بالتأكيد خبرة في فن إدارة الممثل وقد ترجم جانباً منها في الدورة الصغير الذي لعبه كوالد محب ل "بيبو". وزوج منصاع ومغلوب علي أمره لزوجته أم بيبو.. أداء الزوجين جاء طبيعياً وعفوياً متحرراً من التكلف. تحصيل حاصل لا يحتاج آسر ياسين أو منة شلبي شهادة عن كونهما من أفضل الممثلين الشباب وأكثرهما موهبة علي خريطة السينما العربية في الحقبة الأخيرة ولكنهما يحتاجان ربما هذه الشهادة عن قدرة كل منها علي تحمل مسئولية جسيمة في ظل المفهوم السائد في مصر عن هذا الجنس الفني الذي تم ابتذاله واختزاله في ماركة مصرية مسجلة من المسخرة. ابتذال للحركة ولغة الجسد. والحوار ولغة الخطاب السوقي.. بعض عناصر هذا النوع لم يتحملها بيبو وبشير في الفيلم ولكن "الكلاب" من ناحية و"حمادة" من ناحية أخري.. بينما اعتمد آسر ياسين ومنة شلبي علي "مواقف" بعضها احتوي قدراً من الفكاهة الفاترة إن صح التعبير. وبعضها جاء طريفاً محملاً بالروح الخفيفة والدعابة. عنصر الموسيقي والغناء ضمن العناصر الايجابية في هذه التجربة الأولي. عنصر الموسيقي. والأغنية علي نحو أخصها وتوظيفها الايجابي لإشاعة اجواء دافئة دعمت الصورة وأضفت علي الانطباع الأخير مشاعر طيبة. والفيلم في محصلته الايجابية المحدودة. يعتبر تجربة شبابية تضم أسماء ليست مألوفة. وتلقي الضوء أكثر علي موسيقار ومغني شاب "هاني عادل" قدم الأغنية بحساسية ومذاق فني وتوجهات مختلفة. وتعتبر بعض اغنياته تعبيراً جميلاً عن روح ثورة 25 يناير. وليس من قبيل الصدفة أن يختار بطلة الفيلم عازفة "درامز" أي "طباّلة" بالبلدي. وهو ما أثار احساساً فكاهياً أولاً من خلال الكلمة التي اعتاد أن يستقبلها الناس كعمل لاسم مذكر "طباّل" وليس لأنثي تعمدت أن تبدو من خلال المظهر والأداء وتسريحة الشعر ولغة التعامل كشيء مزيد غير مألوف.. نفس "الأسلوب" ظهر به آسر ياسين. بالإضافة إلي اللغة "السواحيلي" التي استخدمت في الفيلم كأحد مصادر الفكاهة. حرص صناع الفيلم علي الاحتفاء بفرقة رياضية بعيداً عن كرة القدم التي انفردت بالمزايا الإعلانية والإعلامية والمالية أيضاً وحتي لا يتشابه الفيلم ربما مع "واحد صفر" وحرص أيضاً علي الاحتفاء بأفريقيا ليس فقط من خلال مباراة مع تنزانيا من خلال فريق كرة السلة والأكثر بتقديم بطل مصري مخلط من أب مصري وأم تنزانية وهو أمر غير مستبعد لو تذكرنا حكاية زواج نكروما من سيدة مصرية وابنها الذي أصبح حالياً مصرياً وهو يعمل في مجال الإعلام المصري. آخر كلام