عندما قدم المخرج أكرم فريد عام40 فيلمه الأول فرح فكرت أن أكتب مقالاً عن التجربة بعنوان دفتر أحوال السينما المصرية لا أقوم فيه بتحليل الفيلم فلم يكن هناك ما يستحق تحليله أو حتي مشاهدته بل لتحليل الظروف السينمائية والفنية التي تجبر مخرج شاب موهوب ومتفوق دراسيا ومتمكن تكنيكيا من الانحناء لظروف السوق حتي تكاد رقبته أن تقصف ويحصل فيلمه علي المركز العاشر في ترتيب أفلام ذلك الموسم.. كان أكرم يحاول منذ تخرجه عام 10 أن يقدم فيلما ذا مستوي جيد يليق ببداية ناضجة ومحترمة وكان الجميع يستبشر بتجربة سهر الليالي التي وضعت أنف سينما الموجة الكوميدية في التراب ومن قبلها تجربة فيلم مافيا إلا أن أكرم في النهاية وتحت ضغط الحاجة للعمل وإثبات الذات أو وضع أصبع علي أول الطريق الاحترافي قدم فيلم فرح مدركا أو غير مدرك أن هذا الأصبع قد انغمس في وحل السينما التجارية المسفة فاختل توازنه وأخذ معه ثقل الجسد كله منكبا علي وجهه ليصبح رتبة مهمة في جيوش الظلام السبكية التي سكبت الكثير من القطران والزفت السينمائي إن كان هناك ما يسمي بالزفت السينمائي علي رأسنا خلال السنوات الست الماضية بداية من حاحا وتفاحة مرورا بأيظن وعمر وسلمي الجزء الأول وانتهاء بالحب كده.. المشكلة أنه خلال تلك السنوات كان أكرم يصاب بحالات اكتئاب متفاوتة القوة كلما عُرض أحد الأفلام الجيدة أو المهمة كان أكثرها قسوة تلك التي سببها فيلم بحب السيما لأسامة فوزي! كان يشعر أن لديه القدرة علي تقديم تجارب مماثلة لو اتيحت له الفرصة لكنه لم يكن ليتوقف عما يفعل! فقد ارتفع أجره بعد حاحا وتفاحة واستطاع أن يحصد خمسة ملايين جنيه إيرادات لفيلم بطولة طلعت زكريا في أول مساحة منفردة له وبعدها توالت الخلطات التجارية الملوثة التي كانت تعكس مدي احتقار أكرم للوسط السينمائي الذي يتحرك فيه وللظروف الجماهيرية والإنتاجية والتجارية التي أجبرته علي تقديم هذه الأعمال. في رأيي وهذا ليس دفاعا عن أكرم ولكنها محاولة لتحليل نفسيته الفنية من خلال تجاربه السابقة، أن الأمر كان أشبه برد فعل عكسي لسوء الظروف وقبح الملامح وسيطرة الضحالة وتسيد القيم الفاسدة والعناصر الدونية حتي إن حجم الإسفاف والسفالة في فيلم أيظن بلغ ضعف مساحته في حاحا وتفاحة، وكأن صانع الفيلم يتلذذ في مازوخية بتلويث كل شيء!! فيما بعد انقطع أكرم عن تقديم أي تجارب من هذا النوع واعتذر عن الجزء الثاني من عمر وسلمي، وقرر مغادرة يافطة محلات السبكي التي كان أحد نجومها المميزين ولأكثر من عام ونصف العام اختفي تماما حتي أنجز تجربته الحالية عائلة ميكي. هنا نستطيع أن نتوقف لنقول إن هذا الفيلم هو أول تجربة حقيقية بعد ست سنوات من التردي والانحطاط تتاح له أن يقدمها..إنها خباثة الموهبة -بالمعني الإيجابي- التي تمكن صاحبها من اكتساب خبرات ومراكمة رؤي وتصورات حتي من خلال تجارب سلبية وسيئة وغير هادفة، لقد وضع أكرم نفسه بعائلة ميكي في أول صفوف مخرجي أفلام الكوميديا الاجتماعية من خلال تكنيك إخراجي مميز وناضج وإيقاع مونتاجي يتناسب فيه الشكل مع المضمون والزمن الفيلمي واختيارات ممثلين تستحق الإشادة وحالة لونية جيدة سواء علي مستوي الديكورات أو الإخراج الفني العام..صحيح أنني لم أشاهد كل أفلام موسم العيد، لكن من واقع ما شاهدته أستطيع أن أقول إن عائلة ميكي هو الأول فنيا عن استحقاق.