يستعد الأزهر الشريف لإعلان مشروع وثيقة عربية علي غرار الوثيقة المحلية التي أطلقها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في شهر يونيو الماضي والمتعلقة بالشأن المصري ومستقبل البلد بعد ثورة 25 يناير وإقامة الدولة الديمقراطية الدستورية الحديثة. تتضمن وثيقة الأزهر العربية رؤي الأزهر لإصلاح الشأن العربي وتحقيق الديمقراطية.. كما تتضمن مختلف جوانب الشأن العربي اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا. كما تقترح الوثيقة سبل تحقيق الإصلاح الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وحسن توزيع الثروات العربية وتحسين الأوضاع الاقتصادية العربية وفق مبادئ الحضارة والشريعة الإسلامية السمحاء وبما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة العربية ويلبي مصالح وطموحات شعوبها لتستعيد الأمة العربية والإسلامية ريادتها التي فقدتها علي مختلف الأصعدة. استطلع "المساء الديني" آراء بعض علماء الدين في هذه الوثيقة وما هي الاقتراحات الجديدة التي من الممكن اضافتها حتي تخرج علي أكمل وجه وتنجح في لم شمل العرب. يقول د.أحمد عمر هاشم - رئيس جامعة الأزهر الأسبق - إن كل عمل يجمع شمل الأمة في هذه المرحلة ويوحد صفها تحت راية الحق والعدل فهو أمر مطلوب وبلا شك عندما يكون نابعا من أرض الكنانة ومن قلعة الإسلام "الأزهر" يكون له مصداقيته وفعالياته خاصة أن أمتنا في هذه المرحلة تحتاج إلي عقول أبنائها العقلاء وفكر المفكرين وحكمة الحكماء من أجل أن تقف علي أرض صلبة ومن أجل أن تترسخ معالم مستقبل واضح لا غموض ولا تعتيم فيه إذ ان هذه المرحلة اتصفت بالغرور من فصائل متباينة في الغاية والمضمون والهدف فبرزت عناصر ضلت الطريق وأخري اتخذت من البلطجة والعنف معتما لها وكل هؤلاء وأولئك يصب اتجاههم في مصلحة عدو الأمة مما يجب علي أهل الرأي والفكر أن يقفوا وقفة لله والوطن لتدارك المستقبل قبل أن تطيح به أيدي الآثمين الذين يركبون كل موجة ويناهضون الحق والعدل. أضاف د.هاشم انه مما لاشك فيه ان دعوة مثل هذه الوثيقة عندما تدعو الأمم العربية والإسلامية إلي وحدة الصف فهذه استجابة لأمر الله سبحانه وتعالي عندما أمر بالاعتصام بحبله وألا نتفرق حتي لا تضعف شوكة العرب والمسلمين. يقول الشيخ شوقي عبداللطيف - وكيل أول وزارة الأوقاف - من المفترض الوحدة في الأمة الإسلامية فقد قال سبحانه وتعالي: "إن هذه أمتكم أمة واحدة" وترك الرسول - صلي الله عليه وسلم - الدولة الإسلامية والخلفاء الراشدين وهي تجتمع علي كلمة سواء يتعاون أفرادها فيما بينهم لا تفصلهم الحدود الجغرافية ولا تمنعهم من التكاتف والتآلف ولهذا ارتفعت راية الدولة الإسلامية عالية خفاقة وتعدت حدود الزمان والمكان بحضارتها وتقدمها ورقيها. اضاف الشيخ شوقي ان الأزهر قلعة العلم والنور ومن هذا المنطلق اقترح الأزهر هذه الوثيقة انطلاقا من دوره الوطني والتاريخي والحضاري لبلورة الفكر الإسلامي الوسطي ومع خبرته الثقافية والعلمية والشرعية وانعكاسا لأمانته في حمل هموم الأمة وسعيه للحفاظ علي هويتها وحضارتها وثقافتها العربية والإسلامية. لكن للأسف عندما سيطرت الأنانية وتفضيل المصالح الشخصية انقسمت الدولة الإسلامية وتفرق شملها وضاعت هيبتها.. وفي هذا الزمن التي تواجه فيه الأمة تحديات عدة في الداخل والخارج كان لزاما علي الأزهر الشريف وهو منبر الاشعاع للأمة الإسلامية بأثرها والملاذ الآمن لأبنائها أن يقترح هذه الوثيقة للم شمل العرب ويحقق التكامل والتآلف بين أبناء الأمة حتي يكون العرب أقوياء انطلاقا من قوله تعالي: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". أكد الشيخ شوقي أن هذه الوثيقة سوف يكون لها تأثير في تقوية أواصر الإخوة العربية لأنها مبنية علي تعاليم الإسلام وسماحته. تعاليم الدين يقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد - وكيل وزارة الأوقاف الأسبق - من المؤكد أن عالمنا العربي والإسلامي ينقاد لتعاليم الدين لأنها جاءت لصالحه واسعاده.. وأول دعامة في صرح بناء المجتمع الاتحاد لأن الاتحاد قوة.. و لهذا نبه الله المسلمين إليها عندما فرض عليهم الفرائض فكأنهم يمارسون الاتحاد بأسلوب عملي تربوي يؤلف بين الجميع بروح المودة والإخوة والتسامح والتعايش مع الآخرين في أمن وسلام من ذلك: الصلاة حيث فرضها الله علي المسلمين خمس مرات في اليوم وأمر ببناء المساجد لتكون هي الملتقي لكل المسلمين يجتمعون في رحابها.. ونبههم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إلي أن صلاة الجماعة لها ثواب عظيم وأجر كبير يزيد علي من يصلي وحده بسبع وعشرين درجة.. وصلاة الجماعة لها إمام هو القائد الذي يضبط ميزان العمل بأداء متزن وأمور تستوجب منه أن يتنبه إلي مسئوليته الخطيرة.. وقد نبهه الله في القرآن إلي ذلك في قوله سبحانه: "وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً. وقال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين". فالظالم هو الإنسان الأناني الجشع الذي يتعالي علي الناس ويسخر منهم ويتكبد عليهم لذلك لا تسند إليه الإمامة لأنها ريادة وقيادة وهذا أول موقف لوحدة المسلمين. الأمر الثاني الصيام وهو أكبر مدرسة تعلم الناس كيف تكون الوحدة لأنها مصدر قوة فجاء شهر رمضان ليكون هو الذي ينبه الناس إلي وحدتهم وإخواتهم وتعاطفهم لذلك قال الله عن فرض الصيام "لعلكم تتقون". الثالث: الزكاة وهي مصدر للتكافل الاجتماعي والتقريب بين الطبقات وادخال السرور علي الفقراء والمساكين فجعلتها بنسب متساوية ليس هناك نسبة لغني وأخري لفقير. الرابع: الحج وهو منسك يكون ختاما للعمل وأعظم شيء يتقرب به الإنسان إلي مولاه شعاره واحد ومواقفه واحدة وزيه واحد والتلبية واحدة ليس هناك مكان لغني وآخر لفقير. يتساءل الشيخ عبيد ما معني هذا معناه إن الناس إخوة أصلهم واحد ونهايتهم واحدة. الخامس القبلة: الاتجاه في الصلاة إلي قبلة واحدة مهما كان موطنك الذي تصلي فيه فلابد أن تتجه إلي بيت الله الحرام. السادس: إن نبينا واحد هو سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد الذي قال الله له: "لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم".. فالله ألف بيننا بمنهج واحد وهو القرآن وبنبي واحد حمل القرآن إلينا وبلغنا رسالة الله وقرأ علينا ما نزل عليه من القرآن "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". أكد الشيخ منصور انه كان الأزهر مؤسس دينية اجتماعية لها شأن عظيم وتاريخ طويل في توحيد الأمة ونشر الوعي الاجتماعي والديني والثقافي في ربوع العالم الإنساني فجدير به أن يتقدم الصف ليقود الأمة العربية والإسلامية يشكل منهم كتلة قوية لأن العالم الآن لا يعترف بالكيانات الصغيرة ويحاول أن يدوس عليها بقدمه يمتص دماءها ويسخرها لخدمته ومنافعه فيستيقظ الأزهر ويهز النائمين ليوقظهم علي الواقع الأليم الذي ينتظرهم ويوضح لهم ان الشرق منبع الحضارة والثقافة ومصدر الخير فإن توحدنا واجتمعنا كان لنا كيان قوي يرد الظالمين خاصة أن منابع الخير في بلادنا ويجب استثمار الخير في بلادنا لكن للأسف فوجئنا بأن حكام بلاد الشرق يمتصون دماء شعوبهم ويستثمرون أموالهم في أمريكا وأوروبا.. فأين الدين؟ ومعالمه؟ وتوجيهاته؟ أن نستثمر أموالنا عند أعدائنا ونترك الشعوب العربية والإسلامية تأكل التراب وتعيش عرايا ينتهكها فلا تجده الغذاء ولا الكساء. أبهذا يأمر الدين الذي شعاره "الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.." أخوه في العقيدة لأن إخوة العقيدة أعظم وأكبر من رابطة النسب. طالب الشيخ عبيد أمة الإسلام بأن تواجه الأعداء بالاتحاد فالاتحاد قوة وإرادة شعب وكيان أمة لها تاريخ وسوف يكون لها حاضر ومستقبل يوم أن تتوحد إرادتكم وتضعون من المواثيق والعهود ما يحقق لنا التضامن والإخوة لنقود قافلة العالم الذي تاه في ظلمات الجهالة والحيرة.