شهدت الأيام الماضية جرائم تحرش واغتصاب مروعة لم يشهدها المجتمع المصري بهذه الصورة الفجة من قبل منها الاعتداء علي طفلة لم يتعد عمرها الثلاث سنوات بما يعرف إعلاميا ب طفلة البامبرز في الوقت الذي تعرضت فيه طالبة جامعية بالشرقية لتحرش جماعي. هذه الحوادث وغيرها يثير تساؤل لماذا انتشرت هذه الجرائم وكيف عالجها الإسلام وما هي العقوبات التي أشار إليها الدين الحنيف ؟. تقول د. آمال عبد الغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا إن الله تعالي أمر بغض البصر وجعله دليل الإيمان لحفظ الأعراض فيقول سبحانه في محكم آياته قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن .. فقد أحاط الإسلام الأعراض بسياج قوي متين للمحافظة عليها ووضع الضوابط وحد الحدود وحرم انتهاكها حيث حفظ العرض والنسل له مكانة سامية تكريما للإنسان فمن أولويات الشريعة ومقاصدها الخمس حفظ الأعراض حيث النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم القائل: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذه رواه مسلم. ووقع الإحماع للأئمة المجتهدين علي حرمة الأعراض ولذا شرعت التدابير الاحترازية والوقائية لحفظ المجتمعات وصيانة الأعراض ونشر العفاف بأمور متعددة منها تحريم الزنا وعده من أكبر الكبائر حماية للأسر ونهي عنه في قوله تعالي : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا وغلظ عقوبته من الجلد والرجم ونهي عن مقدماته فأمر بغض البصر ونهي عن قذف المحصنات وإشاعة الفاحشة في المجتمعات وكذلك يقاس عليها التحرش اللفظي والفعلي ولو بالإشارة وأمر بالاستئذان عند دخول البيوت ووضع حدودا فاصلة للأبناء والبنات كالتفريق في المضاجع .. كما رغب في تيسير سبل الزواج وعدم المغالاة في المهور لإعفاف الشباب والفتيات. أضافت أننا نعيش عصرا مملوءا بالانهيار القيمي والأخلاقي وتدهورا في البنية التحتية للمجتمع ألا وهي الأسرة وانشغال الأبوين بجمع المال والبحث عن سبل العيش وإغفال المسئولية التربوية فصارت هامشية وغياب دور المؤسسات التعليمية بالإضافة إلي غياب الوعي الديني وفقه الأحكام ومعرفة حرمات الله وغياب الدور الدعوي في بيان ما يحل ويحرم وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي والإباحية الخادشة للحياء في الإعلام المتغلل في جميع الفئات حتي صارت المحرمات مباحات وصارت الحرمات منتهكات مع عدم المبالاة وغياب الرقابة من رب العباد صار انتهاك الأعراض كأنه شيء معتاد فنسمع ما لا تصدقه الفطرة السليمة حتي الأطفال لا ترحم من انتهاك العرض فبأي ذنب يعتدي علي طفلة وهي لا تدري ماذا يفعل بها ولذا جعل الشرع الإسلامي انتهاك العرض من أشد الحرمات وشرع له أقصي العقوبات وجعل العقوبة علانية للزجر والردع قال تعالي في حد الزنا : وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين. تطالب د. آمال بتنفيذ العقوبة الرادعة الناجزة المعلنة عبر الإعلام وشبكات التواصل مع إلحاق جريمة الاغتصاب والتحرش والتعدي علي الحرمات بجريمة الإفساد في الأرض وحد الحرابة لأنها جريمة إرهاب وتخويف لكل إنسان آمن مع وضع عقوبة تعزيرية مالية علي أولياء المتحرش أو المعتدي علي حرمة الغير خاصة الأسر لأنها مشاركة في الإثم بإهمال التربية مع تأهيل الدعاة لمعالجة هذه القضايا والتوجيه الإعلامي الصحيح الهادف وتدريس الأخلاق الإسلامية منذ الصغر في المدارس والجامعات وتعليم الآداب الشرعية. تدابير وقائية وزجرية يؤكد د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن الإسلام وضع تدابير وقائية وزجرية معا لاستئصال الجرائم فأما الوقائية فهي معالجة الجرائم قبل وقوعها وسلك مسلك الترغيب والترهيب .. فأما الترغيب بغرس الخشية والإجلال والاعتصام بالله عز وجل ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب وتعظيم الحرمات والتنبيه علي عظم الحدود تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون. ومن وسائل التدابير الوقائية التصدي لكل صور الانحلال في الشوارع والطرقات فكما سمع النبي صلي الله عليه وسلم يذكر محاسن امرأة وكان هذا الرجل يدخل في البيوت فأمر صلي الله عليه وسلم بألا يسمح له بالخلوة بنساء المسلمين .. وفي عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجد بعض النسوة والفتيات المراهقات يتعرضن لشاب وسيم الطلعة اسمه نصر بن حجاج نفاه خارج المدينة. وهناك تدابير زجرية وهي تغليظ العقوبات في أحوال خاصة .. وفي واقعة هذا المعتدي علي طفلة البامبرز فإن عقوبته الإعدام تعزيرا من باب فاعتبروا يا أولي الأبصار وكذلك في واقعة الطالبة الجامعية فيجب إعدام الجناة بعقوبة الحرابة قال الله عز وجل إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض. ويجب عدم مكافأة أحدهم بما رسمه القانون الوضعي المخالف للشريعة الإسلامية في تزويج الجاني من المجني عليها فإفلات الجاني من العقوبة بزعم الستر علي المغتصبة هذا أمر لم يرد في كتاب الله ولا سنة النبي صلي الله عليه وسلم ويأباه التشريع الجنائي الإسلامي.. ولو أن هؤلاء الجناة نفذت فيهم عدالة ناجزة وليست بطيئة ولو أن من يتولون الدفاع عن هؤلاء المجرمين عرفوا قاعدة الشريعة الإسلامية المتسبب كالمباشر فكل من يعين هؤلاء الجناة للإفلات من العقوبة يشاركون المجرمين في جريمتهم. الترغيب في العفة يقول د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر إن الإسلام عالج تلك القضية بطريقتين الأولي الترغيب في العفة والزواج وهذا هو الطريق الشرعي لكسر حدة الشهوة عند الشباب حيث إن الإنسان مقهور بفرجه وبطنه فطالب الإسلام المسلمين بعدم المغالاة في المهور والبساطة في تجهيز البيوت وحث الناس علي الزهد في مظاهر الدنيا لقول النبي صلي الله عليه وسلم خير النساء أحسنهن وجوها وأقلهن مهورا.. ولنا في رسول الله المثل الأعلي حيث تزوج بنسائه فكان مقتصدا في مهورهن وتجهيز بيوتهن فعشن معه سعداء وكان النبي سعيدا بهن. من هذا الجانب قال النبي صلي الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي وقاية من الوقوع في الفتنة والزنا والتحرش بالنساء وحث المسلمين أن يكون اختيارهم في الزوج مرهونا بركنين لقوله إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم .. ومن هنا فإن مغالاة الناس بالمهور وتشبه البعض بالبعض فالفقراء يتشبهون بالأغنياء والأغنياء يتنافسون فيما بينهم في المغالاة في المهور وتجهيز البيوت وإقامة الحفلات كل ذلك قطع السبيل علي كثير من الشباب أن يتزوج علي كتاب الله وسنة رسوله. أضاف د. طه أن الطريقة الثانية التي عالج بها الإسلام هذه القضية هي وضع حدود لمن يرتكب مثل هذه الأعمال القبيحة منها الرجم والجلد والتعزير والحبس حتي يحدوا من شهوة الناس لقول الله ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.