لا تكاد تمر مناسبة او تجمع شبابى دون بروز ظاهرة التحرش الجنسي، والتى باتت تؤرق الناس، وتهدد أمنهم، وقنبلة موقوتة يجب على الدولة ألا تغفلها، وأن تضعها على رأس قائمة الاهتمامات، وأن تضع القوانين المشددة والعقوبات الرادعة لكل من تسول له نفسه أن يؤذى أنثى فى الطريق العام. علماء الدين يؤكدون ان هذه الأفعال المشينة لا تظهر إلا فى مجتمع مختل القيم، فالدين عقيدة ومعاملة وليس فقط طقوسا وشعارات، ويطالبون بضرورة أن تتبنى مؤسسات الدولة والمؤسسة الدينية مشروعا قومياً لمواجهة التفلت الأخلاقي، حتى يعود الأمن والأمان مرة أخرى للمجتمع المصري. وأوضح العلماء أن هذه الظاهرة المحرمة بإجماع كل الأديان السماوية تكشف عن ضعف الوازع الدينى لدى الشباب، وضعف الإيمان وانهيار الأخلاق فى الفترة الزمنية الماضية، بالإضافة إلى تدهور الحالة الاقتصادية، وتفشى البطالة وشيوع الإحباط لدى كثير من الشباب وغياب دور الأسرة. وطالبوا بتغليظ العقوبات على الذين يثبت فى حقهم تهم التحرش الجنسي، خاصة أن تصاعد الجريمة فى الآونة الأخيرة يؤكد خطورتها على المجتمع. المراقبة من التحرش ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، إن هذه الظاهرة محرمة بإجماع كل الأديان السماوية ويجب على ولاة الأمر أن يبحثوا عن أسبابها التى انتشرت بصورة مفزعة أخيرا مما تعد مؤشرا على انهيار الأخلاق فى هذه الفئة العمرية من الشباب. وأرجع هاشم سبب انتشار هذه الظاهرة إلى ضعف الوازع الدينى لدى الشباب وضعف الإيمان وانهيار الأخلاق فى الفترة الماضية، بالإضافة إلى تدهور الناحية الاقتصادية وقلة فرصة العمل، والإحباط الذى أصاب الشباب، بالإضافة إلى انهيار الناحية الأخلاقية فى الأسرة بعدم رعاية أبنائها وعدم تربيتهم على الوازع الدينى وتنشئتهم التنشئة الصحيحة، ووصف هاشم التحرش الجنسى بالفساد فى الأرض بسبب إثارته الفزع فى المجتمع وتخويف الأسر والعائلات، داعيًا إلى تغليظ العقوبات على الذين يثبت فى حقهم تهم التحرش الجنسي، خاصة أن تصاعد الجريمة فى الآونة الأخيرة يؤكد خطورتها. مواجهة الظاهرة وحول سبل مواجهة الظاهرة، يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، إن الإقلاع عن هذا السلوك إنما يكون باقتلاع مادته, وإزالة الأسباب التى أفرزته, ومنها: أولا: غرس القيم الدينية فى النشء ذكورا وإناثا, فهى العاصمة من الوقوع فى الزلل, أو الانسياق وراء الغرائز دون تبصر أو تدبر أو ترو, ثانيا: إحكام الرقابة عليهم من الوالدين, بحسبانهما مسئولين عن هذه الذرية أمام الله تعالي, لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع ومسئول عن رعيته, والرجل راعٍ فى أهله وهو مسئول عن رعيته, والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده ومسئول عن رعيته, والرجل راع فى مال أبيه ومسئول عن رعيته, وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته, ثالثا: إشغال وقت الفراغ بما يفيد, وخلق الكثير من الاهتمامات النافعة على مستوى الفرد وأفراد أسرته ومجتمعه, فقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ», رابعا: تحبيذ التزام المرأة بأحكام الإسلام فى هيئتها ولباسها ومظهرها وكلامها ونحو ذلك عند خروجها من المنزل, سواء خرجت لمزاولة عمل أو تعلم أو قضاء حاجة أو للتسوق أو نحو ذلك, لأن هذا السمت يلزم غيرها باحترامها وعدم التعرض لها, ولذا فقد كان سبب نزول قول الله تعالي: ( يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ), ما كان يتعرض له النساء المؤمنات فى المدينة من الفساق, فأمرن بالتزام هذا السمت الإسلامى حتى لا يتعرض لهن الفساق عند الخروج لقضاء حوائجهن ليلا, خامسا: بث البرامج الهادفة فى وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية, وإتاحة الفرصة أمام الجنسين للوقوف على أحدث معطيات التقدم العلمي, بتيسير الاطلاع على الكتب والدوريات, مع توجيههم إلى المواقع المفيدة لهم علميا وتثقيفيا ومهنيا ودينيا, سادسا: تحويل الفضائيات التى تخاطب الغريزة إلى فضائيات علمية أو تثقيفية أو نحوهما, لقطع دابر الإثارة الجنسية التى تتخذها هذه الفضائيات منهجا لها مقدمات الزني من جانبه أوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن التحرش الجنسى يوصف فى الفقه الإسلامى بمقدمات جريمة الزنى، وهو حرام شرعا، والقاعدة الفقهية تنص على أنه ما أدى إلى الحرام فهو حرام، ولذلك سدت الشريعة الإسلامية منافذ هذه الجريمة الشنعاء، بتحريم المقدمات المفضية أو المؤدية إليها، فقال الله تعالى (ولا تقربوا الزنى) ويشمل هذا النظرة الخائنة والملامسة والعبارة الماجنة، والإغراء الفج، لكل من حرم على الإنسان، ولذلك سيدنا عمر رضى الله عنه، لما سمع أن بعض نساء المدينة يتشببن بشاب مليح الصورة، حضه على تغيير هندامه، ثم نفاه بعيدا عن المدينة، من باب التدابير الوقائية، ومن هنا يجب فى التصدى لهذه الجريمة، وضع التدابير الوقائية والزجرية، أما الوقائية، فهى بتفعيل الترغيب والترهيب فى الأعمال الدعوية، والتثقيفية، فى المساجد وغيرها، والحض على إعلاء الفضائل والتنكير والتحذير من الرذائل، وأيضا توعية الإعلام، ومما يتصل بذلك، التذكرة بحرمة أعراض الناس. وأما التدابير الزجرية، فقد شرعت الشريعة الإسلامية عقوبات التعزير من الضرب والحبس، والتوبيخ، والتشهير، على حسب نوع الجرم، كذلك بمعالجات للمسببات، بأمر النساء، بعدم التبرج كتبرج الجاهلية الأولى، وهذه مسئولية النساء وأوليائهن، ومن أدب القرآن فى هذا الأمر، (فلا تخضعن بالقول، فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفا). ويضيف، أن من مسببات هذه الظاهرة أو الجريمة، ضعف الوازع الديني، وانحدار الأخلاقيات السوية، والاجتراء على الحرمات، والواجب على الإنسان أن يجاهد شيطانه، وهوى نفسه وشهواته، قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).