دعت الشريعة الإسلامية إلي الأخلاق التي تحافظ علي أبناء المجتمع وجعلت التحلي بها سياجا رئيسيا لحماية المجتمع من الرذائل والمشكلات والابتلاءات وكل ما يعكر صفو حياة الإنسان الذي جعله الله خليفه في هذا الكون فقد حضت الشريعة علي التخلق بالأخلاق الحميدة وحذرت من الأخلاق الرديئة والمشينة التي تستوجب غضب الخالق سبحانه وتعالي والمتأمل في حال المجتمعات الاسلامية يلاحظ تشكيلة من الابتلاءات من حروب مشكلات اقتصادية عاتية وأمراض فتاكة تنخر في جسد الأمة من كل حدب وصوب بسبب البعد عن التحلي ببعض الاخلاق ومن أهمها خلق العفة. في البداية يوضح الدكتور أحمد كريمة استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الازهر ان الشريعةاهتمت في وسائلها ومقاصدها بنشر الفضائل وقمع الرذائل ومن وسائل الترغيب والصور العملية التي ساقها القرآن قصة سيدنا يوسف عليه السلام الذي تعرض للإغواء من امراة العزيز فأعلن رفضه فيما اخبر عنه القرآن الكريم معاذ الله ويتطابق قول النبي, فيما أخرجه البخاري بسنده ان النبي, قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه والشاهد قوله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله وقد ساق الرسول, في خبرمن قبلنا اصحاب الغار والخلاصة أن رجلا امتنع عن الزنا لماذكر بالله وألثاني بر بوالديه والاخير لم يأكل مال الاجراء والشاهد أن الثلاثة لاذوا بالإعفافومن ضمن توجيهات النبي, في الترغيب حضه للشباب علي الزواج وعلل ذلكانه أغض للبصر وأحصن للفرج ثم قال من لم يستطع فعليه بالصوم فكل ذلك وما يناظره حض وترغيب علي خلق العفة وأما الترهيب فقد وضعت الشريعة الاسلامية تدابير زجرية لقمع الجرائم ولبيان مضارها سواء في الدماء او الاموال او الاعراض من عقوبات مقدرةو أخري غير مقدرة في التشريع الجنائي الاسلامي كلها لنشر الفضائل وقمع الرذائل. ويشير كريمة إلي ان تنمية الوازع الديني الذي أقسم الله به لقدره لا أقسم بالنفس اللوامة إذا نمي كان سبيلا للعفة في كل مجالاتها ويوم يكون للإنسان وازع من ضميره ونابع من تزكيته لنفسه قد أفلح من زكاها وتعويد النفس علي مجاهدة الإغراءات والتصدي للإغواءات يصل لدرجة الاحسان لقوله تعالي والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين. ويقول الدكتور علي الله الجمال- من علماء وزارةالاوقاف- أن العفة دائما ما تكون سببا للرقي وتحقيق كل الامنيات لصاحبها فقد مكنت نبي الله يوسف عليه السلام من أن يكون عزيز مصر كما أن عفة عمر رضي الله عنه هي التي مكنته من تحقيق العدل والعدالة بين الناس, فقد ورد أنه قيل له:(عففت فعفوا, ولو رتعت لرتعوا), أي لما عف عفت رعيته. ومن المعلوم أن عفيف النفس قوي الشخصية, جريء في الحق لأنه لا يقبل عطفا من أحد, ولا يرضي بالوساطة, ولا يقبل حقا ليس له علي الإطلاق. ومما يدل علي مكانة خلق العفة في الإسلام أن النبي, كان يدعو به في دعائه ليذكر الأمة دائما به لما ورد عنه,:( اللهم إني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني). كما ان التحلي بخلق العفاف كفيل بالقضاء علي مظاهر الغلاء والامراض التي تصيب المجتمع من انتشار للرشوة والسرقة فالعفة تمنع صاحبها من الطمع والنظر إلي أموال الناس, وتحصنه من الحقد والحسد والكراهية فضلا عن ان هذا الخلق يجعل صاحبه عف اللسان عن كل قول فاحش, وكل عمل خسيس, يقول,:( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) علاوة علي ان عفة الجوارح عن المعاصي دليل علي إيمان العبد, وإن المرأة عندما تعف عن الحرام, فهذا دليل عفة زوجها, ولذا قال سيدنا النبي:( وعفوا تعف نساؤكم). فضلا عن ان طالب العفاف في معية الله دائما يعينه ويأخذ بيديه, لقول النبي,:( ثلاثة حق علي الله عونهم: المجاهد في سبيل الله, والمكاتب الذي يريد الأداء, والناكح الذي يريد العفاف). وهناك فرق بين الحياء والعفة, فالحياء أحد أركان العفة التي تقوم عليه, فكلما زاد الحياء زادت العفة, كما قال الإمام علي رضي الله عنه:(علي قدر الحياء تكون العفة). ولو دققنا في وصف القرآن لبنت شعيب عليه السلام, لعلمنا أن عفتها نابعة من حيائها, قال تعالي( فجاءته إحداهما تمشي علي استحياء) ويوضح الشيخ محمد الأزهري من علماء الاوقاف أن التحلي بخلق العفة يضمن صيانة المجتمع وحمايته من التردي في مهاوي الرذيلة والفاحشة, والتبرج والسفور والاختلاط المحرم,حيث إن المجتمع كلما كان عفيفا, طاهرا, كلما دل علي نقائه وطهارته, وبذلك تقل الجرائم, ويحفظ الأمن, وتصان الأعراض, وتحفظ الأنساب, كما ان التحلي بخلق العفة يكون سببا للنجاة من الابتلاءات والمضائق في الدنيا والآخرة وكذلك الحال بالنسبة للفرد علاوة علي أن هناك ثمرات عاجلة وآجلة يجنيها صاحب هذا الخلق ومن هذه الثمرات. أولا: امتثال أمر الله حيث أمر سبحانه وتعالي المؤمنين والمؤمنات, بذلك:{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون}, هذا أمر للمؤمنين, وفي المقابل أمر المؤمنات, فقال:{ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}1 وهذا الامتثال يؤدي لرضا الخالق سبحانه وتعالي وهي ثمرة اخري من ثمرات العفة حيث ثناء الله- تعالي- علي أهل العفة الذين حفظوا فروجهم إلا عما أحل الله لهم, من زوجة أو أمة في قوله تعالي:{ قد أفلح المؤمنون} إلي أن قال:{ والذين هم لفروجهم حافظون* إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون}. من ثمرات العفة يوم القيامة الاستظلال تحت ظل العرش يوم القيامة والنجاة من النار في ذلك اليوم الرهيب, حيث تقترب الشمس من الناس علي قدر ميل, ويلجمهم العرق إلجاما. بينما يقول الدكتور رأفت بسيوني- من علماء وزارة الاوقاف- أن العفة هي الكف عما لا يحل ولا يجمل واصطلاحا التنزه عن الشيء البغيض وعف عن الشيء يعني تنزهت نفسه وترفعت عنه, وتعني العفة في المجتمع: التنزه عن الرذيلة والفحشاء بين الرجال والنساء, واقتصار العلاقة بينهما في حدود الزواج الشرعي الذي يحفظ حق الأسرة, ويضمن سلامة وصحة النسل. وهي انواع منها العفة عن المحارم وتشمل: ضبط الفرج عن الحرام وكف اللسان عن الأعراض والعفة عن المآثم وتشمل: الكف عن المجاهرة بالظلم, وزجر النفس عن الإسرار بالخيانة. ومن فوائد العفة تحقيق المروءة التي ينال بها الحمد والمجد والشرف في الدنيا والآخرة التي تقود إلي الارتقاء في سماء الفضيلة, والبعد عن حضيض الرذيلة, والوقوف بالشهوات عند الحد الذي خلقت من أجله, وفق المنظور الشرعي وتتحقق العفة بعدة أمور, منها: تحقيق الإيمان الذي ينشئ مملكة الضمير في نفس المؤمن, فيستحضر الخوف والحياء وتذكر الآخرة واستشعار عظمة الله, ويكون باعثا علي قمع الشهوة في النفس ودرئها عن تجاوز الحد معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي- وتربية النفس بالصوم; فإنه مما يعين علي زكاة القلب, وطهارة النفس وبه تنحصر وتضيق مجاري الشيطان- و توعية الجيل المسلم بتعزيز المنافع والمصالح التي تنشئ العفة, والتزام أمر الله عز وجل في الحياة اليومية- و بمطالعة القلب لأسماء الله وصفاته وأفعاله التي يشهدها ويعرفها ويتقلب في رياضها, فمن عرف الله وحده بأفعاله وصفاته باعتقاد النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة الكرام ومن بعدهم من سلف الأمة الأخيار من غير تحريف لتقرب إلي الله سبحانه بالنوافل بعد الحرص العظيم علي الالتزام بالواجبات, والوقوف الجازم عند الحدود والفرائض. لتوسع علي النفس وأخذ المباح; فالنفس بطبيعتها مجبولة علي ما أودع الله فيها من فطر وغرائز فتصريفها فيما هو مفيد هو المطلوب. -وبالبعد عن كل طريق يحول بين القلب وبين الله تعالي, وذلك لا يتحقق ولا يكون إلا بالبعد عن أنواع السيئات, وألوان المحرمات, وصور الموبقات. -و التربية الفكرية, مثل غرس المفاهيم والموازين الشرعية ذات العلاقة بالاستعفاف; كالعلم بالأحكام الشرعية المتعلقة بالجانب الأخلاقي في المجتمع المسلم, والتعرف علي بواعث وأسباب الانحراف الخلقي وآثار ذلك الانحراف علي الفرد والمجتمع, والتعرف علي وسائل الإصلاح الذاتي والاجتماعي, ومنهج التربية الاسلامية ووسائل الاستعفاف وإدراك دور المفسدين وأعداء الإسلام في إفساد المجتمع المسلم, ومعرفة مكائدهم وخططهم في هذا المجال.