انتداب القضاة للجهات الحكومية من الموضوعات التي ظلت مثار جدل منذ سنوات طويلة بين مؤيد ومعارض سواء من داخل الهيئات القضائية نفسها أو من خارجها.. ورغم أن دستور 2014 نص صراحة في مادته رقم 239 علي الزام مجلس النواب باصدار قانون بتنظيم قواعد ندب القضاة وأعضاء الهيئات القضائية بما يضمن إلغاء الندب الكلي والجزئي لغير الجهات القضائية أو اللجان ذات الاختصاص القضائي أو لإدارة شئون العدالة أو الاشراف علي الانتخابات وذلك خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بالدستور.. أقول رغم هذا النص الدستوري الصريح الذي يحظر ندب القضاة للجهات الحكومية تحديداً فإن الجدل عاد من جديد بمجرد أن نشرت جريدة الوطن خبراً عن انتهاء ورزارة العدل من إعداد مشروع القانون الذي نص عليه الدستور تمهيداً لعرضه علي البرلمان!! في رأيي أن مرحلة الجدل المفروض انها انتهت بمجرد اقرار الدستور وتضمينه هذا النص لان القانون الذي يتم إعداده هو تفعيل للدستور وبالتالي فالنقاش والجدل يجب أن يكون علي التفاصيل ومدي التزامها بالدستور وليس علي مضمون النص الدستوري.. ووفقا لجريدة الوطن فإن عدد القضاة المنتدبين من القضاء العادي لا يزيد علي مائة قاض من بين 18 ألف قاض وعضو نيابة عامة في حين أن عدد قضاة مجلس الدولة المنتدبين يبلغ 600 من بين 3000 مستشار وعدد المنتدبين من هيئة النيابة الإدارية 600 من بين 4200 مستشار ويبلغ عدد المنتدبين من هيئة قضايا الدولة 2000 مستشار من بين 2800 مستشار. هذه الأرقام وترجمتها إلي نسب هي ما تجعل سرعة اصدار التشريع مطلباً لصالح العدالة فعندما يقول نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية المنتدب منها 600 مستشار أن ندب اعضاء الهيئات القضائية للجهات الحكومية أحد الابواب الخلفية لافساد تلك الهيئات.. فالقاضي حينما يتم ندبه تلاحقه الكثير من الشائعات والأقاويل التي تمس استقلال وهيبة القضاء والكلام مازال لنائب رئيس هيئة النيابة الإدارية الذي قال أيضا إن بعض المنتدبين يعطون تفسيرات خاطئة لاحكام القوانين بما يحقق مصالح رؤساء الجهات والهيئات الحكومية بالمخالفة للقانون أعمالاً للمثل الذي يقول اطعم الفم تستحي العين!! هذا الكلام الذي قال قضاة كثيرون مثله واكثر هو ما يستدعي التوقف وسرعة اصدار التشريع حماية لهيبة القضاة التي يكسرها الانتداب ولاستقلال القضاء الذي يمسه هذا الانتداب. بعد آخر لحظر انتداب القضاة هو أن عودة هؤلاء القضاة إلي منصة القضاء بأشكالها المختلفة يساعد علي سرعة انجاز القضايا وتحقيق العدالة الناجزة ولو بشكل نسبي.. كما يوفر مبالغ طائلة لخزانة الدولة هي قيمة ما يتقاضاه هؤلاء المستشارون في دولة تعاني أزمات اقتصادية مزمنة ونسبة فقر غير مسبوقة ويمكن توجيه هذه المبالغ وجهات أخري أكثر جدوي. أما المعترضون علي حظر انتداب القضاة رغم النص الدستوري فانهم يقولون إن مصر ليست بدعة في هذا الأمر فقد ظهر أولاً في فرنسا ومازال معمولاً به في بلجيكا وعدة دول أخري.. لكن ما لم يقولوه أنه ظهر بالفعل في فرنسا في ظروف مختلفة لم يكن فيها مجلس الدولة جزءاً من السلطة القضائية وكان لابد للندب أن يكون لكل الوقت وليس لبعض الوقت حتي لا يجمع القاضي بين عمله القضائي والاستشاري في وقت واحد.. كما أن مجلس الدولة هو الذي يتولي ترشيح القاضي لجهة الانتداب وليس مسموحاً لأي جهة أن تحدد هي من تريده.. والاهم أن القاضي المنتدب يتقاضي نفس راتب زميله غير المنتدب وهذه الشروط غير مطبقة في مصر. الدستور حسم الجدل ووضع النقاط في مكانها الصحيح وحظر انتداب القضاة للجهات الحكومية وبقي أن يصدر التشريع موافقاً لهذا النص وأن يكون النقاش والجدل علي التفاصيل بما لا يخالف الدستور حفاظاً علي هيبة القضاء.. فكلنا خاسرون إذا لم نتمسك بتلك الهيبة ونحافظ علي شموخ قضائنا وقضاتنا.