لوزير الصحة أخطاء كثيرة تراكمت وأحدثت اضطراباً وتخبطاً في قطاع الصحة والدواء..لكن الحديث عن بيع مستشفيات التكامل التابعة للدولة.. والتي كانت تقدم خدمات مجانية للمواطنين.. سوف يكون كارثة حقيقية إذا ما تحقق علي أرض الواقع.. فهذه المستشفيات هي ما تبقي من ملاذ لقطاع عريض من المواطنين المعدمين الذين يذهبون إليها للعلاج.. يعرفون أنها عاجزة وفقيرة ولم يعد فيها إمكانيات..ويضطرون إلي شراء القطن والشاش والحقن والدم من الصيدليات الخارجية.. لكنهم علي الأقل يجدون في انتظارهم طبيباً لن يثقل كاهلهم بأتعاب فلكية.. ولن يحاسبهم المستشفي علي إقامة فندقية. هذه المستشفيات وعددها 522 مستشفي علي مستوي الجمهورية كان قد أنشأها الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق.. بهدف تقديم خدمات طبية متكاملة علي غرار المستشفيات المركزية التي أوصلها العجز والاهمال إلي مرحلة الموت.. وبعد رحيل الرجل عن الوزارة تم اهمال مستشفيات التكامل هي الأخري.. لدرجة أنه تم إغلاق بعضها.. وبدلاً من أن يشمر وزير الصحة عن ساعديه لإعادة هذه المستشفيات إلي الحياة رحمة بالمواطنين غير القادرين فاجأنا بالحديث عن بيعها للمستثمرين بزعم تقديم خدمات أفضل ورفع مستوي الكفاءة. بالتأكيد وزير الصحة يعلم.. ويعلم كل من حوله.. أن المستثمر الذي سيشتري هذه المستشفيات لن يقدم خدماته الأفضل والأرقي مجاناً.. لن يحنو علي المواطنين الذين لم تحن عليهم حكومتهم.. وبذلك ستنتقل هذه المستشفيات بعد تطويرها إلي خدمة فئات أخري هي وحدها التي تنعم بخيرات هذا البلد.. وتحصل علي كل ما تريده بالمال.. والمستثمر لا يطلب إلا المال.. سيفعل كل شيء من أجل استرداد الثمن الذي دفعه للحكومة ولتحقيق الأرباح الهائلة التي ينتظرها.. وساعتها لن يجد المواطن البسيط ملاذاً إلا القبر. وكان قد أثير لغط كثير عن خصخصة المستشفيات الحكومية عند الحديث عن قانون التأمين الصحي الجديد الذي دخل المغارة المظلمة لكن وزارة الصحة نفت أي حديث عن الخصخصة مؤكدة أنه سيتم تطوير هذه المستشفيات الحكومية لتكون علي مستوي الأداء المطلوب اللائق إنسانياً.. واستبشرنا بذلك خيراً.. كما تحدث بعض أبناء الجيل الثاني من المهاجرين المصريين في الخارج أمريكا وأوروبا تحديداً عن مشروع جاهز لدعم المستشفيات الحكومية ومستشفيات التأمين الصحي لكي تكون قادرة علي أداء الخدمة الصحية بالمعايير العالمية.. واستبشرنا أيضاً بذلك خيراً.. حتي صحونا علي الحقيقة المؤلمة.. فالمستشفيات لم تتطور وإنما تركت للاهمال والعجز.. حتي جاء الوزير الهمام تدعمه الحكومة الشجاعة ليعلن خصخصة هذه المستشفيات وبيعها للمستثمرين من أجل تطويرها..وكأن المستثمر هو الذي سيخدم المواطن الذي لم تخدمه حكومته.. المسئولة عنه. نقابة الأطباء استنكرت القرار الخاص ببيع مستشفيات التكامل.. معتبرة إياه بداية لخصخصة قطاع الصحة.. وقال الدكتور إيهاب الطاهر الأمين العام لنقابة الأطباء إن هذا المقترح خاص بوزير الصحة.. وسبق أن طرحه منذ فترة طويلة واعترضنا عليه.. كما أرسله إلي لجنة الصحة بمجلس النواب واعترضوا عليه أيضاً.. ولكن يبدو أنه عاد ليطرحه مرة أخري مما سيؤدي بالضرورة إلي ارتفاع سعر الخدمة الطبية.. ذلك أن المستثمر سوف يبحث عن مصادر للكسب.. باعتباره مشروعاً استثمارياً بالدرجة الأولي..وهذا المكسب سوف يحصل عليه من المواطن. الواضح أن الحكومة تسعي للانسحاب من مسئولية الخدمات والمرافق الأساسية التي تقدم للمواطنين.. متصورة أن المستثمرين هم الذين عليهم أن يقوموا بهذه المهمة في التعليم والصناعة والزراعة والغذاء وأخيراً الصحة.. وهذا التصور الخطير هو الذي قادنا إلي ما نحن فيه من أزمات وارتفاع الأسعار.. خصوصاً في مجال الأدوية والمستلزمات الطبية. لقد جربنا الخصخصة كثيراً.. وعرفنا كيف كانت ستاراً لنهب مقدرات الوطن وتخريب مؤسساته في العديد من المجالات.. لكن تجربة الخصخصة في قطاع الصحة ستكون الكارثة الكبري.. فحذار..ثم حذار.