في غياب المعلومات تكثر الشائعات والتكهنات وأحسب أن الحكومة لن تكون في حاجة لملاحقة تلك الشائعات والرد عليها إذا ما خرجت في الوقت المناسب وبطريقة مناسبة لتقول للناس ما يلزم أن يعرفوه منها قبل غيرها لإشراكهم في القرارات المصيرية خصوصا إذا تعلق الأمر بالمستقبل. وترتبت عليه فواتير سيدفعها الجميع شاءوا أم أبوا.. فإذا كانت الحكومة مضطرة لاتخاذ قرارات مؤلمة لعلاج اختلالات اقتصادية راكمتها السنون فلا أقل من أن تقول لنا بوضوح: متي سنعبر هذه الظروف القاسية.. وهل يتحمل الجميع نصيبه العادل في تلك الأعباء.. أم سيتحملها - كما هي العادة - الفقراء والطبقة الوسطي ويجني ثمارها الأغنياء والرأسمالية المتوحشة.. والأهم كيف نعرف أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ستعبر بنا إلي بر الأمان.. وتحقق التنمية الاقتصادية العادلة الآمنة..؟! خذ مثلا مسألة القروض والديون.. فرغم أن مصر لم تتخلف عن سداد أقساط ديونها طيلة تاريخها.. فإن وتيرة الاقتراض في تصاعد.. ولو أن القروض جري إنفاقها استثماريا عبر ضخها في مشروعات منتجة تدر عائدا وليس سداد فوائد ديون أخري أو سد عجز الموازنة أو الفجوة التمويلية - كما طالبت اللجنة الاقتصادية بالبرلمان في اجتماعها الأحد الماضي - لكان ذلك أكثر نفعا وطمأنة علي المستقبل. طبقا لبيان البنك المركزي فإن ديون مصر الخارجية بلغت 53.4 مليار دولار مارس الماضي. وتجاوز الدين المحلي تريليوني جنيه ليشكل نحو 99% من الناتج المحلي الاجمالي.. وبلغت فوائد الديون 57.2 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام الجاري بزيادة قدرها 12.8% عن الفترة المماثلة لها في العام الماضي. الأمر الذي يدق ناقوس إنذار بأننا في حاجة ماسة لمراجعة مسألة التوسع في القروض الخارجية والرهان علي القوة الذاتية لمصر بما تملكه من موارد وطاقات هائلة.. ولتنظر الحكومة لتري ما يجري حولها من مراجعات كبري في الفكر والسياسة لأجندة صندوق النقد الدولي نفسه بل للأسس التي يقوم عليها النظام الرأسمالي المعاصر برمته.. فأوباما رئيس كبري الدول الرأسمالية يقول إن المسار الحالي للعولمة يتطلب تصحيحا وإنه سيكون علي اقتصاديات دول العالم في السنوات القادمة ضمان أن فوائد الاندماج في الاقتصاد العالمي سيتم توزيعها بشكل أفضل وعلي عدد أكبر من الناس تفاديا لمزيد من الآثار السلبية للعولمة.. ما يعني أن روشتة صندوق النقد ليست مسلمات لا تقبل نقاشا أو مراجعة ومن ثم فإنه من باب أولي أن تراجع الحكومة سياستها الاقتصادية الحالية. وأن تنصت بعمق إلي الأنين الاجتماعي. وأن تعيد توزيع الأعباء بعدالة وفرض ضرائب تصاعدية علي الفئات الأكثر غني ورفع مستويات الأداء العام الذي لم يفلح حتي هذه اللحظة في الخروج من دائرة رد الفعل وملاحقة الأزمة تلو الأخري دون أن يظهر في الأفق ما يبعث علي الطمأنينة بعدم تكرارها في المستقبل بنفس السيناريو والمقدمات والنتائج. وإذا كانت القروض أمرا واقعا للخروج من أزمة اقتصادية خانقة لا ذنب للحكومة الحالية فيها فهل أعدت تلك الحكومة دراسة للبدائل وإدارة مخاطر الاستدانة من الخارج في ظل ارتفاع وتيرة معدل نمو الدين الخارجي وغياب الرؤية حول البدائل المطروحة لسداد تلك الالتزامات.. والسؤال هل تقترض مصر لأنها قادرة علي الاقتراض أم لأنها تستطيع الوفاء بديونها..؟! وهل يعمل وزراء المجموعة الاقتصادية بتناغم لتنويع الإيرادات ووضع رؤية لضمان سداد تلك القروض.. أم لا تزال كل وزارة تعمل بمعزل عن الأخري وكلها غارقة في الجزر المنعزلة؟!