في التاسع عشر من شهر سبتمبر من عام 2015 جاء "حلمي النمنم" وزيرا للثقافة خلفا للدكتور "عبد الواحد النبوي". وكنت واحدا من الذين استبشروا خيرا بمجيئه. خاصة وأنه كاتب وزميل. صدرت له عدة مؤلفات تتبني الفكر التنويري المنحاز لقضايانا المعاصرة "الفكر العربي والصهيونية وفلسطين - سيد قطب.. سيرة وتحولات - سيد قطب وثورة يوليو - الأزهر الشيخ والمشيخة - الحسبة وحرية التعبير- حسن البنا الذي لا يعرفه أحد".. إلا أن المدة التي قضاها وتجاوزت العام. كشفت أنه لا يصلح لهذا المنصب أبدا. وأن اختياره جاء لأسباب ليس من بينها الكفاءة. وليس من بينها القدرة علي إدارة وزارة هامة كوزارة الثقافة في فترة تشهد تحولات كبري تتطلب قدرا كبيرا من الوعي والكفاءة. بحيث تكون تلك الوزارة - بهيئاتها المختلفة - قادرة علي المواجهة. وقادرة علي الفعل والتأثير.. إلا أن الشواهد كلها تشير إلي ارتباك تعود أسبابه إلي غياب الاستراتيجية المنظمة لعمل الوزارة. وتشير - أيضا - إلي انتفاء وظيفة الثقافة. وتهافُت دورها. بحيث إنها صارت مجرد كلام يتشدق به المثقفون. وباركت الوزارة - بصمتها - هذا الغياب.. ولذلك نجد أن معظم الأنشطة التي يقوم الوزير بافتتاحها ليست من ضمن نشاطاته الفعلية. لكنها من أنشطة الجمعيات الأهلية. وبعض الأفراد. أما أنشطته التي تأخذ شكل المهرجانات والمؤتمرات. فكلها تدور داخل الحجرات المُغلقة. وليس لها أي مردود ثقافي أو اجتماعي. وأتحدي أن تُقدم الوزارة أجندة تُبين - من خلالها - نوع الأنشطة. ومسمياتها. ومواعيدها. بشكل واضح ومحدد!! لقد باتت المشكلات الكثيرة والمتعددة تظهر علي السطح. ومن أهمها: إقصاء القيادات الجادة بدون أسباب واضحة تدعو للأقصاء. بينما يتم استبدالهم بقيادات ضعيفة وهشة وتابعة. فاقدة للرؤية. وغير قادرة علي العمل - هيئة قصور الثقافة نموذجا صارخا لذلك - الأمر الذي أدي. ومازال يؤدي الي انحسار دور الوزارة تماما. لدرجة أن هناك من يدعو الي إلغائها.. وفي ظل هذا الهزل. والهزال. صار "النمنم" مشغولا بإبداء آراء وتصريحات. متخبطة. تؤخذ عليه. وتكشف حجم ارتباكه. الذي يتطَّلب استبعاده عن ذلك المنصب الحساس. لو كنا في بلد يحاسب المسئول عن أخطائه!! وتضارُ بتصريحاته. فدائما ما يصرح ثم يتراجع عن تصريحاته. وتلك مسألة غريبة لا تتوافق مع كونه كاتبا يملك رأيا حرا. أو هكذا كنا نظن.. لكن بعض الظن إثم!! وسأضرب هنا بعض الأمثلة حتي لا أكون متجنيا. ومنها: التصريحات تلك التي اتهم فيها الأزهر بعدم قدرته علي القيام بتجديد الخطاب الديني. وبصرف النظر عن أن هذا التصريح يُعد حقا يراد به باطل - برغم أنه قام بنفيه حين هوجم بسببه - أتساءل: أليس تجديد الخطاب الثقافي أجدي وأنفع للناس. من تجديد الخطاب الديني؟ لأنه الوسيلة التي - بها - سيتحقق الوعي. وينمو الفكر. وبهما سيتم التعامل مع الخطاب الديني بشكل مختلف. وفي السياق نفسه أتساءل: ما جدوي المؤتمر الذي تم في حجرات مغلقة. والذي نظمته الوزارة وصرفت عليه أموالا بلا عائد أو مردود؟! نظمته لمجرد أن تقول لقد فعلنا ما علينا!! ثم بعد ذلك تصريحه الغريب. غير الواضح حين طالب القوات المسلحة. متمثلة في وزارة الانتاج الحربي لتتولي مسئولية تجديد الخطاب الديني!! - وأيضا تصريحه بشأن قضية تبعية جزيرتي "تيران وصنافير". حيث أقام مؤتمرا أشرف عليه بنفسه. ليثبت أن الجزيرتين سعوديتان. وصرح بأنه كان واحدا من الذين شاركوا في اللجنة التي عملت علي إثبات التبعية قبل أن يتبوأ منصبه كوزير. وهو تصريح خطير يكشف أن منصبه جاء مكافأة له علي تلك المشاركة.. ثم بعد ذلك قام بنفي ما صرح به!! وأسأله: ما موقفك الآن. بعد أن صدر حكم المحكمة القاضي ببطلان توقيع ترسيم الحدود البحرية. باعتبار الجزيرتين مصريتين؟؟ هذا بالإضافة الي التناقض الواضح ما بين القول والفعل. فعلي الرغم من تأليفه لكتاب يتحدث فيه عن حريه التعبير وضد دعاوي الحسبة "الحسبة وحريه التعبير" نري مواقفه علي أرض الواقع تتعارض وتناقض ما جاء في كتابه. حين التزم الصمت ولم يتحدث. ولم يُعلن موقفه تجاه ما حدث مع من الكتاب: "أحمد ناجي - إسلام بحيري - فاطمة ناعوت" وكلهم أدانتهم أحكام قضائية في قضايا تخص الحريات. وبدعاوي "حسبة" رفعها من يمثلون التيار الذي تناول أفكاره وأنتقده. في كتبه المشار اليها من قبل. هنا أصبح الصمت فضيلة. وصار الموقف مجرد كلام بين دفتي كتاب!! وزير بهذه الصورة التي تعكس ارتباكا. وتناقضا. وضعفا في الأداء والمواجهة. فضلا عن كشفها لغياب الرؤية. والموقف. كيف يكون إماما للمثقفين. يبحث شؤونهم.. ويتولي معهم مسؤولية الثقافة المصرية. التي لم يعد لها وجود حقيقي داخل مصر. أو خارج مصر في عهده؟! أداء وزارته ومواقفه تعكس كذلك. فسادا إداريا. متنوعا - نُشرت بعض مستنداته في عدة صحف منها هذه الصحيفة - صحيح أن الوزير ليس فاسدا. لكنه يحمي الفساد. ومن يحميه لايقل خطرا عن من يمارسه وحتي لا ندفن رؤوسنا في الرمال يعود السبب الرئيسي لكل هذا التخبط الإداري. وعشوائية صدور القرارات. خاصة المتعلقة بانتداب بعض القيادات من خارج الوزارة. أو إنهاء أعمال بعض القيادات التي تعمل أصلا في الوزارة. فضلا عن الصمت المريب تجاه وقائع الفساد. وعدم محاسبة المتسببين فيها. كل هذا حدث لأنه تنازل - مختارا - وأوكل أعمال الوزارة. لرئيس قطاع مكتبه "حسن خلاف" ليديرها - من الباطن- خروجا علي القانون واللوائح التي تحدد اختصاصاته. هذا الرجل الذي هو أقوي من الوزير. كان قد اُستبعد في وزارة "د. عبد الواحد النبوي" ثم أعاده مرة أخري "حلمي النمنم" لوظيفته. محملا بكراهية معلنة لكل القيادات التي عملت مع "النبوي". ولهذا السبب يقوم باستبعادها - علي مراحل - وبدون ذكر أسباب الاستبعاد. وإن ذُكرت فهي أسباب واهية وغير حقيقية. وكاذبة. مثل السبب الذي ذكره "النمنم" حين أقال "د. أبو الفضل بدران" من هيئة قصور الثقافة. وقال: إن بدران احيل الي المعاش. وتبين - وقتها - أن الرجل مازال في الخدمة حيث لم يصل سنه للسن القانوني المقررللإحالة!! وأنهي انتداب كل من: د. مصطفي سليم رئيس المركز القومي للمسرح. ومحمد عبد الحافظ ناصف. من هيئة قصور الثقافة ثم من المجلس. بدون أي أسباب تُبرر تلك القرارات. وهو الآن - وحتي كتابة هذه السطور - يُعلن عن إنهاء انتداب أمين عام المجلس الأعلي للثقافة. بزعم أنها تقاضت مكافآت عن أعمال لم تقم بها. برغم أن تلك الأعمال هي الإشراف علي اللجان. وهي مكافآت كان يحصل عليها كل أمناء المجلس السابقين. ولم يحتج عليها أي وزير سابق. فلماذا اذن يتم ذلك الآن؟؟.. إنه التنكيل بكل القيادات التي لا تنتمي لشلة "حسن خلاف" هؤلاء الذين يحسبهم تابعين لخصمه "د. عبد الواحد النبوي".. صراع المماليك يقوده بوصفه الرجل القوي في وزارة الثقافة. الرجل الذي يُوظف "النمنم" ويستغل ضعفه. ويحصل علي توقيعه!! هنا يصبح "النمنم" تابعا بدلا من أن يكون متبوعا. وهناك قاعدة قانونية تؤكد علي مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه.. وكل تصرفات "حسن خلاف" التي سببها تصفية الحسابات مسؤول عنها الوزير الحالي من الناحية القانونية.. والأمر الخطير - هنا - أن حسن خلاف يقوم بحماية الفاسدين في وزارة الثقافة. لأنهم يعملون تحت مظلته. ويأخذون منه الأوامر. ويتخلصون من خصومهم في الهيئات التي يعملون فيها. فتحول الأمر الي عزب يديرها هو ورجاله. ليس هذا فحسب. بل وحماية التابعين لهم من صغار الموظفين. الذين وضعهم عيونا له. يتابعون كل شيء. وينقلونه له. حتي يتمكن من السيطرة الكاملة علي تلك القيادات الهشة. كل هذا عمل علي إحداث فتن بين الموظفين الذين يراقبون. ويشاهدون ويعلنون سخطهم في صمت. وأحيانا في العلن. وأبرز نموذج لذلك هو رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة. هذا الذي رشحه وأتي به "حسن خلاف" بدلا من "بدران". ليكون تابعا ذليلا له. فأتي هو الآخر بتابعين. وأزاح من طريقه الكوادر الحقيقية من أبناء الهيئة. وكونوا كتيبة - علي حد تعبيرهم - تدير شؤونها. في غير صالحها.وهم في حقيقة الأمر عُصبة ضالة. تسببَّت في أن تضل الهيئة طريقها. لتسير في النفق المظلم الذي هي فيه الآن. وانحسر فيها الأداء اعتمادا علي إرضاء التابعين والموالين. وتوزيع المناصب بشكل عشوائي.مع غياب الاستراتيجية. وضعف الأداء. وكل هذا يتم بمباركة ورضاء الوزير "حلمي النمنم" الوزير المُسير. الذي لا يستطيع السيطرة علي أفعاله أو أقواله. ولم يتخذ أي قرار تجاه وقائع الفساد المتعددة. ولم يكلف نفسه عناء النظر. أو بحث المستندات المُؤكدة لتلك الوقائع.. ولا أعرف لماذا تصمت السلطة السياسية تجاه وزير أتي برجال يساعدونه علي هدم البقية الباقية من الثقافة المصرية.