أعرف.. ويعرف كل من له أدني علاقة بالشأن العام.. أن تحرير سعر الدولار سيؤدي حتماً إلي قفزة هائلة في أسعار كل السلع والخدمات.. وسيخسف الأرض بعملتنا الوطنية "الجنيه".. وأي كلام غير هذا سيكون من قبيل التمويه المؤقت وتخدير الأعصاب.. وقد بدأت النتائج تظهر بجلاء خلال الأيام القلائل الماضية في أسعار الخضار والفاكهة والمواصلات وطبق الفول وساندويتش الطعمية والبطاطس.. وجاء قرار زيادة أسعار الزيت والسكر والبنزين والسولار ليزيد الأزمة تعقيداً. وحتي الجهات التي لم ترفع أسعارها حتي الآن بدأت تمهد لنفسها.. أسعار تذاكر المترو والقطارات سوف تزيد من يناير القادم.. وياليتها تصمد علي ما هي عليه إلي أن يأتي يناير.. ووزير الكهرباء يقول إن تعويم الجنيه سيحملنا عبئاً كبيراً في استيراد مستلزمات الإنتاج وشراء الوقود وسنعوض الفارق بترشيد الإنفاق.. لكنه يقيناً سوف ينتظر الوقت المناسب ليرفع أسعار الكهرباء ويطبق الخطة المعلنة للتخلص من الدعم نهائياً. وكذلك الأمر بالنسبة لشركات الدواء التي تشكو من ارتفاع أسعار مستلزمات الأدوية والمواد الخام التي تستوردها من الخارج بالدولار.. ولن يهدأ لها بال حتي ينتهي الأمر بعد وقت ليس ببعيد إلي رفع أسعار الدواء. كل ذلك مفهوم ومعلوم بالضرورة.. لكن أن يصل الأمر إلي حد رفع أسعار هياكل الفراخ وحرمان قطاع من الشعب من هذه الهياكل التي يعيشون عليها ولا يعرفون غيرها فتلك والله هي الطامة الكبري. ماذا يفعل هؤلاء بعد أن يتخلوا عن الهياكل والأرجل والأجنحة لارتفاع سعر الكيلو من 5 جنيهات إلي 6 جنيهات.. أين يذهب هؤلاء وماذا يأكلون ولمن يشكون بؤسهم؟! دعوني أنقل لكم قصة "محروسة" التي قاربت الستين عاماً وكانت تحلم بشراء "فرخة".. فلما رفع التجار سعر هياكل الفراخ انتهي الحلم نهائياً.. وتركت حتي هياكل الفراخ التي كانت تعيش عليها. قصة "محروسة" كما أوردتها "المصري اليوم" تقول إنها تتلقي معاشاً 300 جنيه شهرياً بعد وفاة زوجها.. ولما علمت من البائع بقرار زيادة سعر الهياكل انفجرت فيه: "ليه 6 جنيه مرة واحدة.. حرام عليك يابني حتي الهياكل غلتوها علينا.. دول شوية عضم.. مال العضم بالدولار والغلا.. اعمل إيه أنا دلوقتي.. يارب الغلابة أكرمنا.. الفلوس مش هتكفي لآخر الشهر بالمنظر ده". تقول محروسة: "يعني أنا مطالبي مش كتير.. بقالي مدة طويلة نفسي آكل فرخة حتي ولو مرة في الشهر.. أو مرة في السنة قبل ما أنسي طعمها زي ما نسيت طعم اللحمة.. بقالي أكثر من سنة مابجيبشي غير هياكل الفراخ أسلقها وأطبخ علي الشوربة بتاعتها أي أكل عندي.. أكيد طبعاً مالهاش طعم وزفرة لكن حاعمل إيه.. ودلوقت الفراخ زادت والهياكل زادت.. وكل السلع بتزيد حواليا وال 300 جنيه زي ما هما.. دول لا يكفوا أكل ولا مواصلات ولا مية ولا كهرباء.. أشحت يعني ولا أعمل إيه.. عايزين تغلو الأسعار مش مشكلة لكن غلوا معها المعاش والمرتبات". محروسة تخرج كل أول شهر من مسكنها في السادس من أكتوبر للسيدة عائشة لتتسلم المعاش وتحضر التموين واحتياجات منزلها من الأماكن الرخيصة.. لكن هذا الشهر اختلف الحال.. "نزلت الصبح من بيتي.. وكل ما أركب ميكروباص ألاقيه مغلي عليه جنيه.. وجنيه في جنيه لغاية ما وصلوا 20 جنيهاً.. وبعدها أخذت المعاش ورحت علي التموين لقيت الزيت وصل 7 جنيهات بعدما كان ب 5 جنيهات فمجبتش حاجة.. والسكر غلي كمان.. قولت آجي أشوف هياكل الفراخ لقيتها وصلت 6 جنيهات.. واديني قاعدة مش عارفة أجيب إيه وماجيبش إيه.. ربنا هو اللي هيحلها من عنده. هل يستطيع أحد أن يترجم هذه القصة لصندوق النقد حتي يبتكر لنا حلاً لمشكلة محروسة.. وكم مليون محروسة؟! يقول بائع الفراخ: "كثيرون بخلاف محروسة أصبح ملجأهم الهياكل.. كان زمان كل فين وفين بيجي لي حد ياخد هياكل.. لكن دلوقتي الحال اتعكس.. والزبون اللي بيجي ياخد فراخ هو اللي مابقاش موجود وشوية وهيختفي".