القرارات التي صدرت بزيادة حصة المواطن في بطاقة التموين 3 جنيهات وصرف العلاوة الدورية بأثر رجعي من يوليو الماضي وزيادة أسعار توريد بعض المحاصيل الزراعية ليست كافية.. ولن تكون كافية أبداً لدعم المواطن في مواجهة التداعيات السلبية المتلاحقة لقرار تعويم الجنيه وزيادة أسعار البنزين والمواد البترولية. مازلنا في انتظار قرارات الحماية الاجتماعية "الحقيقية" التي طالب بها صندوق النقد الدولي حتي لا تتأثر حياة المواطنين بعنف نتيجة القرارات التي وصفت بأنها إصلاحية وجريئة لكنها مؤلمة للمواطن البسيط.. وينقلب الدواء المر إلي دواء قاتل. الحكومة سعيدة جداً بالقرارات الصعبة التي خلصتها من صداع الدعم.. ورجال الأعمال سعداء بتعويم الجنيه.. يرون أن هذه الخطوة جاءت لتصحيح المسار وتأكيد جدية الإصلاح الاقتصادي.. وخبراء الاقتصاد احتفوا أيضاً بالقرار الجرئ لاستقرار سوق العملة مؤكدين أنه رسالة إيجابية للعالم.. وصندوق النقد رحب بالقرارات مؤكداً أنها خطوة غير مسبوقة ستؤمن حصول مصر علي القرض المطلوب. وقد اهتمت الصحف بإبراز ردود الفعل الإيجابية لتعويم الجنيه وزيادة أسعار البنزين.. فقال السيد اللواء وزير التموين إن القرار يعيد الاستقرار ويثبت الأسعار.. وقال رجل الأعمال فريد خميس إن الشعب هو المستفيد.. وقال وزير البترول إن زيادة أسعار البنزين في مصلحة المواطن.. وقال العالم الكبير فاروق الباز إن مصر علي الطريق الصحيح.. وقال جون كيري وزير الخارجية الأمريكي إن بلاده تدعم القرارات الاقتصادية.. وحتي الأندية الرياضية واتحاد الكرة أعربوا عن فرحتهم بتعويم الجنيه لأنه سينهي أزمة رواتب المدربين واللاعبين الأجانب. ونحن بودنا أن نصدق كل هؤلاء الأفاضل.. ونشاركهم تفاؤلهم.. لكننا فقط نتعجب من تجاهل رأي المواطن المصري الذي سيكون عليه وحده تحمل التبعات.. بالطبع هذا المواطن لن يفهم مثل الخبراء.. ودائماً يتوه في الأرقام والحسابات.. لكنه في النهاية هو الذي يدفع الثمن.. وهو الذي يعاني.. وكان يجب أن يكون له صوت مسموع وسط هذه الزفة. لقد قيل إن البورصة احتفلت بتعويم الجنيه وربحت 11.5 مليار جنيه.. لكن الذي لا يقال إن المواطن المصري فقد نصف دخله علي الأقل وخسر نصف مدخراته بعد أن انخفضت قيمة الجنيه بحوالي 50% بين عشية وضحاها.. هذا بالنسبة للمواطن الذي له دخل ثابت وله مدخرات ويعيش علي الستر الرباني.. فما بالك بالمواطن الفقير الذي ليس له دخل ثابت وليس له مدخرات.. هذا المواطن سيكون الضغط عليه فوق قدرته علي الاحتمال في ظل موجة الغلاء الفاحشة.. أقصد موجات الغلاء المتتالية. السيدة التي حاولت الانتحار من فوق إحدي اللوحات الإعلانية وهي تصرخ "الأسعار نار.. إحنا بنموت" لن تكون الأخيرة.. كثيرون سيفقدون عقولهم.. سيشعرون بالانهيار والعجز أمام الظروف الصعبة التي يتعرضون لها.. ولن يفلح مع هؤلاء أي حديث للاستهلاك المحلي عن دعم شبكات الضمان الاجتماعي وعدم المساس بمحدودي الدخل.. لم يعد الكلام مجدياً أمام قسوة الواقع وتحدياته. أحد الموظفين "الشبان" فاجأ المصلين واقفاً علي باب المسجد يرفع ورقة في يده ويسأل: ماذا أفعل ياناس بمرتب 160 جنيهاً لأسرة من أربعة أفراد؟! الحقيقة التي لا جدال فيها أن تعويم الجنيه سوف ينعكس بالضرورة علي أسعار سلع كثيرة لا غني عنها بالنسبة للمواطنين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة.. وما لم تحاصر الحكومة أسعار هذه السلع وتعالج آثار التعويم بسرعة فسوف لا يعرف المواطنون.. في غالبيتهم.. كيف يعيشون وكيف يواجهون ظروفاً معيشية صعبة لم يسبق أن واجهوها من قبل. لا تتركوا المواطن وحده في هذه المحنة.. أعينوه وهو يتجرع الدواء المر.