لا أعرف سر انتشار موجة ذبح الحمير هذه الأيام.. لا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا الصحف بخبر عن العثور علي رءوس لحمير مذبوحة.. أو ضبط سيارات تنقل لحوم الحمير.. ووصل الأمر إلي العثور علي مزرعة في الفيوم تصدر لحوم الحمير إلي القاهرةوالمحافظات.. وهناك جزار يذبح الحمير أمام الناس ويعرض لحومها للبيع ب 45 جنيها للكيلو. الظاهرة اتسعت.. وتجاوزت احتمال ان تكون لحوم الحمير مخصصة لحديقة الحيوانات أو لحيوانات السيرك.. ولابد أن يكون المواطنون قد نالوا قسطا وافرا منها.. فالموجة الحميرية ليست مقصورة علي مدينة أو محافظة واحدة.. بل شملت كل المحافظات من القاهرة إلي الاسكندرية.. ومن أسوان إلي سيناء.. كأن هناك جهة متآمرة للقضاء علي الحمير.. وفرض لحومها علينا فرضا. وأصبح من الصعب التأكد بنسبة 100% من أن اللحوم التي نستهلكها ليست من لحوم الحمير.. مهما كان الجزار صديقا.. والمحظوظ اليوم هو من يشتري الذبيحة بنفسه ويقف عليها في كل مراحل إعدادها حتي يصل بيته ليتأكد تماما أنها ليست من لحوم الحمير.. فالموجة عاتية والحمير مستهدفة. آخر الأخبار بأن أجهزة الأمن تمكنت من ضبط سيارة تحمل 25 حمارا نافقا عليها آثار ذبح بالمنوفية وحمارين علي قيد الحياة.. وتبين أن السيارة قادمة من الصعيد يقودها شاب من الاسكندرية وبرفقته شخصان آخران.. وقد تم التحفظ علي السيارة ودفن الرءوس النافقة. لكن يظل السؤال: لماذا هذه الهجمة الشاملة علي الحمير؟! يقال إن الحمير في مصر كثيرة وسعرها رخيص.. الحمار هو أرخص الحيوانات.. وبالتالي فإن الجزار سوف يكسب كثيرا حين يبيع لحم الحمير بنصف ثمن كيلو اللحم العادي.. والمستهلك سوف يفرح لأنه سيجد لحما بسعر معقول.. في زمن ارتفعت فيه الأسعار بشكل جنوني.. وهناك فئة لم تعد تفكر من الأصل في أكل اللحوم بعد أن تجاوز سعر الكيلو 100 جنيه.. والأهم أن المواطن لن يعرف انه يأكل ويشبع من لحم الحمير.. وليست هناك جهة مهتمة بهذه الظاهرة.. والكميات التي تضبط غالبا ما تضبط بالصدفة.. وهو ما يعني أن اضعاف هذه الكميات قد تسربت إلي الأسواق. تفسير آخر يقول إن الصين اكتشفت فوائد هائلة لجلد الحمار.. لذلك تشتري هذه الجلود من جميع أنحاء العالم بأسعار مغرية.. جلد الحمار المصري ب 3500 جنيه.. ولذلك نشطت حركة ذبح الحمير وسلخها.. وهذا هو السبب في انتشار ظاهرة "مقتلة الحمير". وأيا كان الأمر فإن الحمار المصري صار مهددا بالانقراض.. وهو الذي ظل إلي عهد قريب أحد أعمدة الحياة ككل والنشاط الزراعي بصفة خاصة.. واستخدمه الأدباء والمفكرون معادلا موضوعيا في حوارات الفكر توفيق الحكيم نموذجا وتشكلت في وقت من الأوقات جمعية من المشاهير باسم "جمعية الحمير" لرد الاعتبار لهذا الحيوان البائس المضطهد والمتهم عادة بالغباء وقلة العقل رغم رأسه كبير. وفي أمريكا اكتشفوا أن مصانع اللحوم الخاصة باحدي سلاسل المطاعم العالمية الشهيرة تخلط اللحوم المصنعة بلحوم الخيول ولحوم بشرية بنسب معينة ليس لديهم حمير ولذلك تم إغلاق العديد من محلات تلك السلاسل. وفي الفترة الأخيرة انتشرت فيديوهات علي شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لفرم الفئران حية واستخدامها في تصنيع "الشاورما" و"البرجر" و"اللانشون" وغيرها من اللحوم المصنعة. كل ذلك الغم جعل طعامنا مشكوكًا فيه.. يضاف إلي ذلك أن شرابنا أيضا مشكوك فيه.. ثم جاءت "عكارة النيل" لتلوث ماءنا وتزيدها همنا.. وتجعل بقاءنا علي قيد الحياة إلي الآن معجزة. الموضوع أكبر من الحمير كم نحن تعساء؟!