نظرية "الاسترخاص" ليست بجديدة ونراها بوضوح في العديد من النماذج كالتكالب علي شراء العروض الغذائية في السوبر ماركت وكبري المحلات ويكتشف المستهلك بعد ذلك أنها منتهية الصلاحية أو مغشوشة وتفتقد للجودة عند الاستخدام لكن المواطن لم ينتبه في وقت الشراء لأن ما يشغله في ذلك الوقت هو الفوز بشراء العرض قبل غيره وبالفعل تم ضبط العديد من المخالفات لشركات منتجة سمعنا عنها تقوم بعمل عروض علي منتجاتها مع اقتراب انتهاء صلاحيتها ووضعها تواريخ مزيفة لصلاحية المنتج علي التاريخ الفعلي الاسترخاص أيضاً ظهر في شراء منتجات لشركات غير معروفة أو سلع مجهولة المصدر لمجرد رخص سعرها فقط وهناك أمثلة عديدة وما أثار انتباهي بشدة وشاهدته في الفترة الأخيرة في مترو الانفاق بحكم ترددي بشكل مستمر علي ركوب المترو أنني وجدت إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين وتحديداً في عربات السيدات علي شراء تركيبات علاجية يقوم الباعة الجائلون ببيعها داخل العربات إما لتناولها لعلاج السعال أو لوضعها علي الجلد لعلاج الحروق أو لإزالة رائحة العرق أو لتبييض الأسنان أو لإزالة الجلد الميت من الجسم حسبما يقول الباعة. الأدهي من ذلك ان تلك الخلطات موضوعة في أكياس نايلون ومربوطة باليد وأخري "مدبسة" وغير مغلفة وفي الغالب سعر التركيبة لا يتعدي جنيهاً واحداً وجميعها عبارة عن بودرة بيضاء فقط باستثناء تركيبة علاج السعال فتبدو كمجموعة من الأعشاب. وبالمناسبة أريد أن أوضح أمراً قد لا يعرفه إلا المترددون علي المترو وهو ان شكل الباعة الجائلين اختلف كثيراً عن الصورة الذهنية عنهم لدي أي شخص حيث انضم لهذا المجال سيدات وشابات من الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة وهذا يظهر بشكل واضح علي ملابسهم وطريقة الكلام والماكياج بجانب الباعة في شكلهم التقليدي مثل ارتداء الجلباب وسحب الأطفال معهم في العمل وفي هذا التحقيق لم ألق الضوء علي الباعة بقدر لومي وعتابي الشديد علي المواطن الذي يستهين بصحته في سبيل الاسترخاص الذي يذهب بوعيهم. فهل لمجرد رخص المنتج اشتريه وقد يحمل في طياته ضرراً أو مرضاً فمن يعلم أصل هذه المنتجات؟ وما مكوناتها الحقيقة؟ أعلم جيداً بظروف المعيشة وغلاء الأسعار الفاحش الذي هاجم معظم السلع وقد يعتقد المواطن بالارتياح لشرائه أشياء رخيصة في ظل الضغوط الأخري لكن لو فكر قليلاً أنه بهذا التفكير يخطيء في حق نفسه وغيره فلن يستخدم هذه المنتجات التي قد تكون بجنيه وتسبب له حساسية وينفق أمامها الالاف في العلاج كما أن في شرائه لها تشجيعاً للباعة علي بيعها مادامت تلقي إقبالاً فيقع بسببهم ضحايا آخرون. ظللت لفترة استغرق في التفكير بهذا الأمر الذي جعلني أقرر أن أخوض التجربة بنفسي فقمت باعداد خليط في منزلي حتي يبدو بشكل مماثل لنفس تلك التركيبات التي أراها ووزعتها بنفس المقدار الذي شاهدته علي أكياس نايلون وبواسطة الدباسة أغلقتها وبالاتفاق مع صديقاتي ان تصعد معي للمترو لتقوم بالتصوير دون أن يدري أحد حتي نخوض التجربة ونرصد ما يحدث أرض الواقع علي أكمل وجه. لا أنكر أنني خشيت التنفيذ خوفاً من الاحتكاك بباعة أو أن أرتبك وأبدو غير مقنعة ومفتعلة أو أن أتعرض لأذي ففكرت في الانسحاب وعدم خوض التجربة وفجأة عقدت النية واستعنت بالله وقررت العمل وفقاً للخطة المتفق عليها مع صديقتي وكانت المعضلة الوحيدة التي قد تقابلني اذا وجدت باعة جائلين لربما أنهم يعرفون بعضهم وأتعرض لخطر لذلك اتفقنا ان نختار عربة هادئة من حركة الباعة ومحاولة انهاء المهمة في أسرع وقت. ركبت من باب وصديقتي من باب آخر حتي لا يشك أحد من الركاب بعربة السيدات أن هناك أمراً وبالفعل وقفت وسط العربة وبدأت أتكلم بنفس الأسلوب الذي كنت أسمعه من بائعي هذه التركيبات: "معايا تركيبة لتهدئة الحروق وإزالة آثارها في نفس اليوم وتنفع برضو لو اتجرحتي وللكدمات.. تمحي آثارها علي نهاية اليوم بتحطي حبة من الخليط بنقطة ميه علي الجرح أو الحرقة وسيبيها لبليل.. الخلطة بجنيه واحد وطبيعية مية في المية وعن تجربة" وقامت إحدي الراكبات علي الفور بطلب إحدي هذه التركيبات دون حتي أن تسأل ما مكوناتها زو أي شيء ثم توجهت إلي سيدة سألتني تنفع لجروح أو حروق قديمة فأجابتها: "آه بس هتاخد وقت شوية بس استمري في استخدامها وهتروح" وفعلاً اشترت مني وبعدها أخري وظللت أسير بين ركاب العربة أردد نفس الكلام وأجد اقبالاً وفي رأسي سؤال:معقول كل اللي شاغلهم طريقة استخدامها وتنفع لجروح قديمة أم لا ولا أحد اهتم يسأل عن مكوناتها؟ بدأت أشعر باحباط وضيق شديد: هل هذه سذاجة أم أن الناس فقدت الإدراك والوعي أمام رخص المنتج؟ ولكن بعد فترة قليلة من الوقت الحمدلله تبدلت ظنوني عندما سألتني فتاة في سن الجامعة وسيدة أخري هي عبارة عن إيه؟ فأجابتها: تركيبة من الأعشاب العلاجية خالية من أي كيماويات وظل البعض يقبل علي الشراء وبمجرد أن بدأ الباعة الجائلون يتوافدون علي نفس العربة توقفت وهذا ظاهر في إحدي الصور التي يظهر فيها البائع الذي يحمل كارتونة بجانبي ثم بدأت أرجع للوجوه التي اشترت مني الخلطة بكل هدوء لأعيد إليهن المال وأقول لكل منهن في حد يشتري حاجة ميعرفهاش أنا بس كنت أقصد من كده أني أعرفكن أن نظرية الاسترخاص قد تجلب لكن الضرر فوجدت بالفعل تجاوباً كبيراً معي وهن يرددن: "عندك حق" وبعض الراكبات هاجمن من قمن بالشراء وقلن: "أنتم من تشجعون علي ذلك" وبدأت أتحدثت معهن بصوت أعلي عن شراء منتجات مجهولة المصدر والاسترخاص قد يودي بحياتكن لذلك عليكن الحذر وعدم شراء أي شيء إلا بعد التأكد من مكوناته وسلامته "فأنا بعت لكن الهوا بجنيه" شوية دقيق علي فانيليا فقط لكن الله أعلم بحقيقة مكونات التركيبات الأخري التي تباع. الجدير بالذكر أنني حققت مكسباً من البيع 25 جنيهاً في أقل من ساعة وقد أجني 200 جنيه في اليوم. هل وصلت الرسالة؟.. أتمني!!