قدم المشاركون في المؤتمر العالمي الأول للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم الذي نظمته دار الإفتاء المصرية برئاسة فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية تحتَ عنوان "التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة" العديد من الأبحاث التي تتعلق بموضوع المؤتمر .. تناول فيها كبار المفتين في العالم الإسلامي العديد من القضايا التي تهم الأقليات المسلمة وتطرقوا إلي كيفية حل مشاكلهم بما يعود عليهم وعلي الإسلام بالتعايش والسلام والخير. تحت عنوان نماذج التعايش مع الآخر في هدي النبي صلي الله عليه وسلم" يسلط د. علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء الضوء علي سيرة النبي صلي الله عليه وسلم وما تحتويه من نماذج ترسم خطة سوية للسلوك الاجتماعي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي لمعاملة المخالفين في الدين في حال السلم وحال الحرب وفي حال العدل وحال العدوان وفي حال الرحمة وحال الطغيان من خلال أربعة نماذج الأول نموذج مكة حيث المسلمون قلة في بيئة معادية والمقام فيها مقام الصبر والتحمل وحسن المعاملة والدعوة إلي الإسلام .. والثاني نموذج الحبشة حيث المسلمون قلة في بيئة عادلة منصفة. والمقام فيها مقام الاندماج والوفاء والمشاركة والثالث نموذج المدينة في عهدها الأول حيث المسلمون أكثرية يعيشون في مجتمع يشاركهم فيه أقليات مختلفة ومتنوعة من حيث الدين والعرق وغير ذلك. . ينتظم الجميع تحت حكومة مسلمة والمقام فيه مقام المساواة والإخاء والتعاون والمواطنة للجميع .. والرابع نموذج المدينة في عهدها الأخير حيث اختفت الأقليات من المجتمع المسلم. المتغيرات الأربعة وفي بحثه "أثر مراعاة المتغيرات الأربعة في مناسبة الفتوي لمجتمع الأقليات" أشار د.نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية الأسبق إلي أهمية مراعاة ضوابط الفتوي الشرعية ومنهج التعامل في فقه الواقع في الجهات الأربع حسب الزمان والمكان والشخص والحال .. فالضابط الأول يتعلق بمراعاة المفتي عموم التشريع الإسلامي لجميع العباد والبلاد حيث إن التشريع الإسلامي تشريع عام باق علي وجه الزمان والمكان فلا يختص بأمة دون أمة من البشر ولا بزمان دون زمان ولا بمكان دون مكان ولهذا بني علي أصول تشريعية عامة محكمة تشمل جميع شؤون الدين وشؤون الدنيا معًا للحياة الإنسانية .. والضابط الثاني مراعاة المفتي أن الأصول التشريعية في الإسلام هي وحي الله ولا يتطرق إليها الخطأ فالأصول التشريعية لا قصور في كفاية إصلاحها التشريعية ولا تحتاج إلي تكميل في أحكامها التشريعية مهما طال الزمان وتغيرت أوضاع الحياة لأنها من وضع الحكيم العليم الخبير. أما الضابط الثالث فيتعلق بمراعاة المفتي مبدأ شرعية الاجتهاد بشروطه الشرعية وقبوله في أدلة الأحكام الشرعية والرابع أن التشريع الإسلامي دائما هو لمصالح العباد والبلاد في كل زمان ومكان حسب النوازل في الجهات الأربع .. والخامس مراعاة المفتي لمشروعية العمل في فقه الواقع عند الاجتهاد بدليل المصالح المرسلة خبرات المؤسسات الإفتائية أخذ د. مجدي عاشور المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية وأمين الفتوي بدار الإفتاء المصرية في بحثه "خبرات المؤسسات الإفتائية في العالم الإسلامي في التواصل مع الأقليات" دار الإفتاء المصرية نموذجا لما تقوم به من تفاعل بجدية وصورة لحظية يومية مع المسلمين محليا وعالميا من خلال الرد علي استفتائهم وسؤالاتهم بل إنها تبذل جهودا كبيرة للتواصل مع الأقليات المسلمة في جميع أنحاء العالم حيث إن التواصل القائم بين الأقليات وبين المؤسسات الإفتائية ذات المرجعية الوسطية يمنع حصول تعارض بين أحكام الشريعة ومقتضيات حياتهم بما يوقعهم في الحرج أو المشقة.. من أجل ذلك تتيح دار الإفتاء كافة السبل والقنوات الممكنة في سبيل أداء رسالتها محليًّا وعالميًّا وفق منهجية علمية راسخة. أوصي في نهاية بحثه لضرورة الاهتمام بدراسة أبعاد مصطلح "الأقليات" الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية والحضارية بما يكشف عن واقعه المعقد ويجلي سماته مع ضرورة بذلك مزيد من الجهود من قبل المؤسسات والهيئات الإفتائية مع الأقليات ونقل المؤسسات والهيئات الإفتائية لخبراتها في المجال الشرعي لأئمة المساجد والقائمين علي شئون الفتوي وسط الأقليات وتكثيف نشاطات مؤسسات وهيئات الفتوي في العالم بما يعزز من تصحيح صورة الإسلام لدي الآخر وفق حقيقته الناصعة التي إذا خالطت بشاشتها القلوب لا يسخطها أحد .. وضرورة إنشاء مراكز تدريب وتأهيل للمتصدرين للفتوي ومجالاتها في الأقليات تحت رعاية مؤسسات وهيئات الإفتاء. العهد والأمان ودار الإسلام يقول الدكتور مصطفي تسيرتش مفتي عام جمهورية البوسنة السابق إن موضوع العهد والأمان ودار الإسلام من أهمِّ الموضوعات التي علي علماء المسلمين أن يتناولوها بعناية بالغة» لأن "مفهوم العهد ومفهوم الأمان ودار الإسلام" ليس أمرًا مقيَّدًا لزمن واحد ولا لجيل معين بل هو أمرى لكل زمان ولكل جيل بأن يهتمَّ به» لأن في مفهومه يتبلور تصوُّرى لرؤية العالم والعيش فيه بموجب المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة. أشار في بحثه الذي قدمه بعنوان "تجارب المؤسسات الإفتائية للجاليات المسلمة تجاه قضاياهم" إلي أن أوروبا ليست "دار إسلام" لكنها ليست "دار حرب" بل هي "دار عقد" أي أوروبا هي "دار العقد الاجتماعي علي أساس المبادئ التي يقبل بموجبها الأفراد الأحرار العاقلون وهم يرغبون بتحقيق مصالحهم الذاتية- نقطة الانطلاق المتمثلة بالمساواة علي أنها تحديد للنقاط الأساسية لتضامنهم" وهذا ما دفعه لكتابة هذا البحث بتوضيح الفرقَ بين معني العهد والعقد واسعترض أصولَ الأمان في الإسلام ورؤيتيه لمفهوم دار الإسلام في سياق الحياة الأوروبية السياسية والثقافية للمسلمين الأوروبيين في الحاضر والمستقبل. يري د. محمد البشاري أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي عميد معهد ابن سينا بباريس من خلال بحثه الذي حمل عنوان "مسئولية المؤسسات الدينية في تكوين وتأهيل قادة الفكر" أنه قبل أن نضع المسؤولية علي المؤسسات الدينية المتواجدة في الغرب في مواجهة أزمات الأمة خاصة في مسألة الغلو والتطرف ومواجهة الأفكار التكفيرية المغلوطة علينا أن ندرك طريقة تفكيرنا في البحث عن دور هذه المؤسسات أو عند مطالبتنا بهذا الدور. يجب أن نتجاوز الطريقة المعتادة بإلقاء اللوم عليهم دونما وضع الأمور في نصابها ودون أن نضع المسؤوليات المتشاركة أصلا في أن تقوم في تخريج علماء وماذا أعددنا لهم وقدمنا لهم وتضامنًا معهم للوصول إلي الحالة النموذجية في بناء قيادة فكرية دينية قادرة علي أداء دورها فالعالم ابن بيئته وابن مجتمعه وعيًا وقوة وانتماء فالذي يعيش في بلد عربي خليجي أو شامي أو إفريقي يختلف في طريقة التعامل معه فيمن يعيش في فرنسا أو بلجيكا أو أوروبا ولا يصح أن نبقي في حدود النظرة الفردية في حديثنا عن المؤسسة الدينية والمفكر الديني هنا أو هناك.